أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)
عادت "سارة" 28 عاما، إلى قريتها المهدمة "البارة" إحدى قرى ريف إدلب الجنوبي، بعد رحلة نزوح استمرت لأكثر من عامين وذلك لتطمئن على من تبقى من أهلها ثم لتعود مجددا إلى مخيمات "أطمة" بعد عدة أيام. ولكنها لم تعد كما ذهبت، فعندما ذهبت كانت امرأة أرملة، منكسرة وخائفة ولكنها عندما عادت كانت أكثر تفاؤلا وتماسكا وثقة بالنفس كما لم تكن كذلك يوما.
تقول "سارة" متحدثة عن رحلة نزوحها: "بعد مغادرة القرية مع أطفالي وأقربائي والكثير من أهالي القرية الذين نزحوا آنذاك بسبب القصف اليومي والعنيف للقرية، قصدت مخيمات أطمة وهناك حصلت على خيمة كباقي النازحين. كنت لا أملك المال ولا أية مهنة أستطيع العمل من خلالها، شعرت بالوحدة والغربة والخوف من الأيام القادمة وما ينتظرنا هناك".
وتتابع أنه بعد عدة أيام تم توثيق حالتها الاجتماعية مع العديد من الأرامل في المخيم من قبل مندوبين لـ "المؤسسة الدولية لدعم المرأة" الذين قاموا بكفالتها مع أطفالها عن طريق منحها راتبا شهريا، وانتسابها لمراكزهم النسائية، وكذلك انتسب أطفالها لإحدى المدارس التابعة للمؤسسة: "لقد تعلمت مهارات عديدة ومنها التمريض والخياطة، وبت قادرة على العمل بهذه المجالات، وكذلك خضعت لدورات دعم نفسي شعرت من خلالها بالراحة النفسية وأنني ليست عالة على المجتمع".
المؤسسة الدولية لدعم المرأة
وعن المؤسسة الدولية لدعم المرأة تتحدث "جمانة محمد خير" 48 عاما، المؤسس والمدير التنفيذي للمؤسسة: "هي إحدى مؤسسات المجتمع المدني الحديث، تأسست في الشهر السادس من عام 2013، واختصت بدعم وتمكين المرأة السورية، وقد شمل نشاط المؤسسة شمال إدلب وريف حلب وريف حماة وقريبا جدا في الغوطة ودرعا".
اهتمت المؤسسة بأربع قطاعات وهي التعليم، الصحة، الأمن الغذائي والإيواء، وأنشأت العديد من المراكز النسائية وهي موزعة في قرية "أطمة" الحدودية وبلدة "سرمدا" ومدينة "الأتارب" وغيرها، كما أنشأت عدة مخيمات ومنها "مخيم الخيرات" وفيه مركز نسائي هو "مركز الأمل".
تضم المراكز النسائية دورات تعليمية ثابتة وأهمها دورات محو الأمية للنساء الأميات، ودورات أخرى هي دورات تقوية في جميع المواد لطالبات الصف التاسع والبكالوريا، وبحسب "جمانة" فإنه في مركز مخيم أطمة، استطاعت أكثر من أربعين طالبة الحصول على الشهادة الثانوية في العام الماضي.
أما الدورات الأخرى داخل هذه المراكز فهي دورات لتعليم الكمبيوتر واللغات، إضافة لتعليم بعض المهارات المطلوبة ومنها التمريض والخياطة وبعض المهن الحرفية بشكل عام.
برنامج تأهيلي وتوعوي
وتلفت االمديرة إلى أن من خلال هذه المراكز يقومون بتوعية الأمهات والفتيات إلى ضرورة تعليم المرأة واعتمادها على نفسها، وينددون بالزواج المبكر قبل أن تكون الفتاة مؤهلة لتحمّل جميع الأعباء التي يمكن أن تتعرض لها مستقبلا. وتنوه أنه عند تأسيس أي مركز جديد يراعون الاعتماد على المجتمع المحلي ومتطلباته واحتياجاته، وبناء عليه تقرر المؤسسة ما هي الدورات التي تناسب احتياجات هذا المجتمع. وتؤكد بأن الإقبال على هذه المراكز منقطع النظير وهذا ما يدفعهم لإنشاء المزيد من هذه المراكز.
إن وجود أكثر من 60 مخيما فيه أكثر من 12000 أسرة مقيمة وعدم وجود أية مدرسة إعدادية أو ثانوية، دفع المؤسسة، بحسب جمانة، إلى النشاط في مجال إنشاء المدارس فتقول: "لا يخفى على الجميع بأن التعليم أصبح أحد أهم الكوارث التي تكبدها الشعب السوري في السنوات الماضية، لذلك أنا أرى أنه يجب على كل مؤسسة أن تقدم جانبا من اهتمامها للتعليم، فرغم الجهود المبذولة فلا يزال عدد الأطفال المنقطعين عن التعليم كبيرا جدا، لذلك نسعى لدعم قطاع التعليم ونجعل له الأولوية بالدعم".
تأهيل التعليم
أنشأت المؤسسة العديد من المدارس ومنها "مدرسة أطمة" التي تضم أكثر من 300 طفل يتلقون التعليم و80 طفل منهم أيتام تكفلت المؤسسة بهم وبنفقاتهم بشكل كامل.
"أحمد العيسى" 12 عاما، أحد الأطفال الذين يتلقون التعليم في هذه المدارس يقول: "أحب هذه المدرسة وأحب المعلمين، فهم يقدمون لنا العلم ويمنحونا الهدايا باستمرار وهناك نشاطات كثيرة ومسابقات مختلفة ومظاهرات طلابية أيضا من أجل أهلنا المحاصرين في سوريا".
وكذلك اهتمت المؤسسة بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السنتين ونصف وعمر الخمس سنوات ونصف من خلال افتتاح رياض أطفال خاصة بهم، كتلك التي أنشأتها في مدينة "الريحانية" التركية.
تسعى المؤسسة لتوجيه جل اهتمامها بالمرأة وخاصة التي فقدت المعيل وتعرضت للنزوح، هذه المرأة تدعمها المؤسسة بدءا بالإيواء وانتهاء بإعادة التأهيل في المجتمع، فالمؤسسة تثابر على إيجاد أماكن آمنة لهؤلاء النساء من خلال إنشاء مجموعة من الشقق في أماكن مختلفة تستطيع أن تعيش بها المرأة بشكل آمن، وتقدم المؤسسة لها ولأطفالها الكفالات اللازمة.
"أم محمد" 32 عاما، هي إحدى المستفيدات من خدمات المؤسسة تقول: "أنا ككل الأمهات يهمني أن يحصل أطفالي على الرعاية الصحية والتربية السليمة والبيئة الآمنة، وهذا فعلا ما قدمته لي ولأطفالي المؤسسة الدولية لدعم المرأة".
ودعم نفسي
الدعم النفسي لهؤلاء النساء كان من أولويات عمل المؤسسة، فمجموعة المشاكل والمصاعب التي واجهتهن أثناء القصف والنزوح قد انعكس على نفسيتهن ووضعهن الاجتماعي والنفسي، ولذلك دائما ما تكون المرأة النازحة متوترة، قلقة، خائفة على نفسها وأطفالها من مستقبل بات مجهولا، وهذا ما ينعكس على أدائها وعلى تصرفاتها ولذلك هي بحاجة للرعاية والدعم النفسي الذي اعتمدته المؤسسة من خلال الأنشطة التي تقدمها لها من قبل دورات الدعم النفسي في مراكزها النسائية.
"رائدة الحموي" 23 عاما، هي إحدى النازحات إلى "سرمدا" تقول: "إن نشاطات المركز النسائي ودوراته ودعمه لي قد أخرجني من الشعور النفسي الصعب والمتعب الذي كنت أعيشه بشكل يومي بعد نزوحي مع عائلتي من ريف حماة".
المؤسسة الدولية لدعم المرأة تمويلها متعدد المصادر، فهنالك ممولين أفراد من الدول العربية والأوربية، ومنظمات خيرية عربية ومنظمات سورية في فرنسا وأمريكا، وآخر شراكاتها كانت مع هيئة الأمم المتحدة UN ومنظمة الرؤية العالمية فرع تركيا.
"كل ما سعينا ونسعى إليه هو رؤية البسمة على شفاه طفل سوري يتيم، أو نظرة أمل تُرسم على وجه أم أو أخت أو زوجة أضناها الألم والغربة والنزوح"، بهذه الكلمات تختتم جمانة محمد خير حديثها.