أخبار الآن | دمشق – سوريا (عمار الشامي)
تتحدث تقارير المنظمات الحقوقية يومياً عن أرقام مخيفة لعدد النساء اللاتي تقتلن يومياً في مختلف المناطق السورية، كما تتحدث الأرقام عن عدد الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن بسبب القصف، أو على جبهات القتال.
لكنّ المرأة في مختلف مناطق سورية ليست في كل الحالات متلقياً سلبياً للخسائر المادية، والبشرية التي قد تلحق بعائلتها أو أسرتها، بل نجد في حالات كثيرات أن الظروف القاهرة الجديدة، دفعت بنساء عديدات لكسر بعض المحظورات الاجتماعية لإعالة أنفسهن وعائلتهن، وتجنب ذل السؤال والحاجة للمساعدة.
معلّمات لقيادة الحافلات
منذ أيام قليلة خضعت عشرة فتيات يعملن في قطاع رياض الأطفال في دمشق لاختبار شهادة السوق العمومية، للحصول على الشهادة التي تؤهلهن لقيادة الحافلات المخصصة لنقل طلاب المدارس، وذلك بحسب ما أكد معاون وزير النقل في حكومة النظام "عمّار كمال الدين" في تصريح رسمي قائلاً إن "المرأة السورية كعادتها نبع من العطاء والابتكار وهذا ما ثبت ويثبت في كل يوم من خلال ما نراه ونشاهده ونسمعه عن المرأة السورية وقدرتها الدائمة والمتجددة على التحدي والصمود والعطاء"، على حد تعبيره.
لكنّ الأمر الذي فات معاون الوزير هو أن هؤلاء الشابات في مقتبل العمر ربّما لم يتقدّمن لامتحانات شهادة السوق العمومية، على ما تحمله من مشقة وصعوبة في اختبار الآليات الثقيلة بهدف المغامرة أو التجريب، وخدمة المجتمع فحسب، بل إن الدافع الحقيقي يكمن في تردّي الأوضاع الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وعجز حكومته عن تأمين أدنى متطلبات الحياة بالنسبة لسكّان هذه المناطق، الأمر الذي دفع بهؤلاء الفتيات إلى خوض غمار تجربة قيادة حافلة عامة في شوارع محتلة من قبل الحواجز وعناصر الأمن.
"أم عمّار" ربّة منزل في عقدها الرابع تقوم بإيصال أطفالها إلى المدرسة كل صباح بسيارتها الخاصة، تحدّثت عن المضايقات اليومية التي تتعرض لها على حواجز الجيش أثناء لإيصالها لأولادها: "على الرغم من أن امتلاك سيارة خاصة قد يبدو ترفاً في هذه الأيام، إلا أن عملية إيصال أطفالي إلى مدارسهم مليئة بالمضايقات اليومية. في بعض الأحيان يفتّش عناصر الحواجز حتى حقائب أطفالي المدرسية، وفي أحيان كثيرة تطلق سيارات إسعاف عسكرية الرصاص في الهواء من خلفي لأسمح لها بالمرور، كانت لحظات رعب لا تنسى، ناهيك عن الإزعاجات والكثير من التحرشات اللفظية التي أتعرّض لها من عناصر بعض الحواجز".
سائقون عاطلون عن العمل
وفي مقابل الفتيات اللاتي يتقدمن لامتحان الشهادة العامة، نجد مئات الشباب والرجال ممن كانوا يوماً سائقين لسيارات نقل عامة وقد أصبحوا عاطلين عن العمل، وجالسين في بيوتهم بانتظار حل ما.
"أبو نذير" نازح من حي جوبر كان يملك سيارة أجرة "تاكسي" اخترقت بالكامل قبل عامين في قصف لطائرات النظام على الحي، يعمل الآن نادلاً في أحد مقاهي دمشق القديمة: "في السابق كنت أظنّ العمل في سيارة الأجرة متعباً بالنسبة لصحتي، اليوم أتحسّر على تلك الأيام، وأتمنى أن أعود إلى العمل على السيارة، رغم أني أرى حال أبناء مهنتي السابقين ممّن ركنوا السيارات، وجلسوا في بيوتهم هرباً من غلاء أسعار المحروقات ومضايقات الحواجز".
التفاف النظام على المشاكل
طوال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، دأب النظام دائماً على تجميل صورة انكسارات المواطن السوري في شتى الميادين، وتبريرها بشتّى السبل. الأمر الذي وصل به اليوم لتبرير عمل المدرسات الشابات في نقل الطلاّب باعتباره نقلة باتجاه التطور والانفتاح، وذلك في ظل القهر الذي تشفّ عنه الحالة البائسة التي وصل إليها السوريون في مناطق حكم النظام، سواءً أكانوا رجالاً أم نساءً.