أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
يمر كل شهر على المناطق والأحياء الموالية للأسد ما لا يقل عن تشييع عشرة إلى عشرين شخص ممن قتلوا خلال المعارك التي يزجهم بها. وكلما ازداد حشده للشباب ورميهم على جبهات القتال نصرةً له كلما ازداد عدد الموتى منهم، وباعتبار أن الأعداد والأسماء تتزايد فقد ابتكر بعض الشبيحة طريقة جديدة لحفظها.
صور ولافتات
يبدو أنه لم تعد هناك قدرة على حفظ وتخليد أسماء كل القتلى بكتابتها على صورهم التي بدأت تزداد بكثرة في شوارع دمشق، خصوصاً في مناطقتهم، فقد اعتاد أهل الشبيح وأصدقائه على تصميم صور كبيرة له وعرضها في الشوارع وتعليقها في البيت وبيوت الأقارب والمحبين، وعلى حدّ قولهم: "كلما كان شأن الشهيد أكبر كلما كبرت صورته المعروضة لتتحول إلى لافتة كبيرة تربط بشريطين قويين وتعلق بمنتصف الشارع"، هكذا تطور شكل العزاء من صورة إلى لافتة تمجد بطولاته إلى جانب ألقاب الشرف التي يحصل عليها بعد موته، وبالتأكيد لا مجال لنزع هذه اللافتة مهما كانت كبيرة، بل تزداد على الدوام مثل هذه اللافتات.
وشوم ورسوم
ربما يُقدم الشاب على وشم يده أو زنده باسم شخص مقرّب له: حبيبة قديمة، زوجة أو صديق وأحياناً، يكتفي بالرسوم والحروف والإشارات التي يحبها وتعبر عنه، تقول الأخصائية الاجتماعية "رشا. س": "أصبحت الوشوم أمراً اعتاد عليه الجميع، وأصبح القائمون على هذه المهنة كُثر، ويقومون بها بخبرة عالية واحترافية، ولكن يزداد الأمر خطورة عندما يصبح هوساً عند صاحبه".
يقوم أحد الشبيحة والمعروف إلى حدّ ما في شوارع دمشق، حيث يتنقل بسيارته "الجيب" بين أحياء الشعلان وساحة النجمة وأبو رمانة كل يوم كدوام رسمي ليتفقد المنطقة عن كثب، يُعرف عنه بكثرة الوشوم التي تغطي جسمه ولكن لم يعرف أحد عن شكل هذه الوشوم. حتى عرفنا عن طريق بعض الصور التي نشرها على موقع فيسبوك مؤخراً وقام بحذفها لاحقاً أن تلك الوشوم ليست إلاّ أسماء تعود لمعارف وأصدقاء قتلوا خلال الحرب.
"الأمر ليس مجرد كتابة الاسم"، يقول "علي" شاب التقى بهذا الشبيح في الصالون الذي يتردد عليه لتعديل الرسومات ورسم واحدة أخرى في منطقة "الشعلان". ويكمل: "هو يواظب على هذا الصالون بشكل دائم، فهو يحتفظ بقائمة أسماء طويلة في جيبه يريد أن ينسخها على جسده الذي تقرأ عليه "ماهر إبراهيم جعفر، عصام حيدر وأسماء أخرى مصفوفة يتفاخر بها وبقدرته على تحمل ألم الإبرة كمواساة للنفس على فقدان هؤلاء، وتستطيع أن تلاحظ ما قد كُتب من أسماء بعضها مزخرفة وبعضها لم يبق له مكان فكتب بخط صغير".
أسماء لا يمحوها إلاّ الموت
يقول الطبيب النفسي "ز. ع": "لربما كانت الفكرة المرادة من تلك الوشوم أبعد من تخليد أسماء القتلى، هي بالضرورة الرغبة في إبقاء هؤلاء الناس على قيد الحياة، وهي محاولة إنكار موتهم واختفائهم. وفي أغلب الأحيان يلجأ البعض لأعمال تكون بمثابة معاقبة النفس وملامتها، ومن الممكن اعتبار ما يقوم به هذا الشبيح تأنيب للضمير، فهو أمام أمر لا يستطيع إيقافه ولا شأن له باستمراره، فيقدم على مثل هذه البدع".