يكثر الحديث عن الأطراف المتورطة مع داعش في سوريا بشراء النفط، والذي يشكل أحد أهم مصادر تمويل داعش، حيث تقدر أرباحه اليومية بنحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي حسب تقرير صادر عن معهد "بروكنجز" في واشنطن، وسط اتهامات متبادلة بين كافة الأطراف، بدعم داعش عبر شراء النفط منه بشكل مباشر أو عبر وسطاء.

مناطق السيطرة ومعدل الإنتاج النفطي

يسيطر داعش على مساحات واسعة من المنطقة الشرقية في سوريا، والتي تعتبر المصدر الأول للنفط في البلاد، ما منحه قوة اقتصادية يحاول استغلالها بغض النظر عن الخلافات السياسية والإيديولوجية مع أعدائه، وينتج داعش نحو 200 ألف برميل من الحقول التي يسيطر عليها في سوريا فقط، مقارنة مع نحو 400 ألف برميل كانت تنتجها هذه الحقول قبل سيطرة داعش عليها، ويرجع سبب انخفاض الإنتاج إلى تضرر عدد كبير من الحقول، إضافة إلى عدم توافر الخبرات والتجهيزات المناسبة لاستخراج النفط.

داعش الذي استطاع السيطرة على كافة الحقول النفطية في ريف دير الزور، حاول الاستفادة من العمال السابقين في المنشآت النفطية، إلا أن التعاون مع النظام في سوريا بدأ يظهر من خلال تعامل التنظيم مع شركة "أنيسكو" التي يديرها رجل الأعمال السوري "جورج حسواني" والمقرب جدا من رئيس النظام في سوريا "بشار الأسد"، حيث استمرت شركته بالعمل في مناطق سيطرة داعش نظرا لما تملكه من خبرات ومعدات، خصوصا بعد عدم تمكن الشركات المستثمرة لهذه الحقول من متابعة العمل فيها.

تتوزع مناطق سيطرة داعش على مساحات من أرياف دير الزور والرقة والحسكة، حيث تقع تحت سلطته مئات آبار النفط وأهمها حقول "العمر والتنك والورد والتيم والجفرة" ومحطات "الخراطة وديرو والـT2 " إضافة إلى معمل غاز "كونيكو" وغيرها، والتي يستخرج منها داعش نحو مائة وثلاثين ألف برميل من الخام الخفيف يومياً، حسب بعض التقديرات، حيث يباع برميل النفط الخام بسعر يتراوح بين 20 إلى 60 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد، وذلك باختلاف الحقل المنتِج وباختلاف سوق التصريف.

الخارطة النفطية لداعش في سوريا .. تعاون اقتصادي بين داعش والنظام

آلية الاستخراج والتسويق

يستخرج داعش النفط من تلك الآبار ثم يقوم بنقلها إلى مناطق أخرى من بينها مناطق في العراق عبر طريقين، أولهما يمر عبر مدينة البوكمال الحدودية في ريف دير الزور الشرقي، وصولا إلى بلدة القائم على الطرف المقابل من الحدود ضمن الأراضي العراقية، حيث يعتبر سوق النفط في القائم من أكبر الأسواق في المنطقة، إلا أنه لا يتبع بشكل مباشر لداعش، وإنما يتبع للتجار المستقلين من أبناء المنطقة، أما الطريق الثاني الذي يستخدمه داعش لنقل النفط إلى العراق، فيمر من جنوب "الشدادي" في ريف الحسكة الجنوبي دخولا للحدود العراقية قرب سنجار ثم تلعفر وصولا للموصل، حيث يتم بيع النفط في محطات صغيرة داخل المدينة، ويتم تسمية النفط باسم الحقل الذي استخرج منه.

الخارطة النفطية لداعش في سوريا .. تعاون اقتصادي بين داعش والنظام

يتم تهريب جزء من النفط الذي يصل إلى الموصل، باتجاه تركيا، حيث ينقل النفط إلى مدينة "زاخو" العراقية، ويتم تكريره بطرق بدائية قبل إدخاله إلى تركيا، على أنه من مخلفات محطات التكرير، وذلك بعد طباعة وصولِ شراءٍ وأختام مزورة تثبت ذلك، لأن الحكومة التركية تمنع دخول النفط الخام الذي لا يحمل ختم "شركة سومو العراقية النفطية"، حيث يمكن بعد ذلك إدخاله بشكل نظامي عبر منفذ "إبراهيم الخليل" إلى بلدة "سلوبي" التركية.

وعدا عن العراق فإن السوق الأكبر لنفط داعش هو داخل سوريا، سواء في مناطق سيطرة النظام، أو مرورا بها ليصل إلى المناطق الخارجة عن سيطرته بعد فرض مبالغ مالية على تلك الصهاريج، ويتم نقل النفط عبر أكثر من وسيط لا يتبعون لا لداعش ولا للنظام، وربما تمر عملية البيع من خلال أربعةٍ إلى خمسةِ وسطاء، حيث يتمتع الوسطاء بحصانة عرفية بالنسبة للطرفين، ولا يتم اعتقال أي منهم إلا في حالات نادرة، حيث تصطف صهاريج النفط قرب حقول الإنتاج ويتم إدخالها بالتسلسل بأمر من أمنيي داعش، لتتم تعبئتها، وتنطلق بعدها إلى وجُهاتها داخل سوريا، والتي تنقسم إلى وجهتين رئيسيتين، شماليَّ سوريا وجنوبيها.

الوجهة الأولى الشمالية هي إلى مدينة الرقة المعقل الأساسي لداعش، حيث تصل صهاريج النفط إليها لتتابع رحلتها بعد ذلك باتجاه ريف حلب، ويشير مطلعون أن قوافل داعش كانت تسلك طريق سد تشرين سابقا لنقل نفطه إلى الضفة الغربية من نهر الفرات، لتصل إلى مدينة منبج الخاضعة لسيطرته، ومنها يتم توزيع النفط إلى مدينة "الباب" وبعض المناطق الأخرى التي تقع تحت سلطته، بينما يتم نقل جزءٍ آخر من النفط باتجاه مناطق ريف حلب المحررة، عبر وسطاء لا يتبعون لأي جهة كما ذُكر سابقاً، ويُعتبر هذا هو المصدر الأساسي للنفط في تلك المناطق نظرا لصعوبة وصول النفط الذي ينتجه النظام إلى تلك المناطق.

طرق جديدة على وقع التغيرات الميدانية

بعد سيطرة ما تسمى "قوات سوريا الديموقراطية" أواخر العام الماضي على سد تشرين وبعض القرى القريبة، اضطر داعش إلى تغيير طريق قوافله ليسلك طريقاً آخر، أكثر طولاً وخطورة، حيث باتت قوافل النفط تنتقل من الرقة باتجاه مدينة الطبقة قرب سد الفرات، ومنها إلى مدينة منبج مرورا بمسكنة، ليتم توزيعه بعدها بنفس الطريقة، إلا أن تقدم قوات النظام في ريف حلب الشرقي بعد فكها الحصار عن مطار كويرس العسكري، واقترابها من مدينة "الباب"، جعل هذا الطريق أكثر خطورة، ما أثر في الوقت نفسه على كميات النفط التي تصل إلى تلك المناطق. 

وبعد سيطرة قوات النظام على قرية مسقان مؤخراً، أصبح الطريق الواصل بين قريتي "احرص وكفرناصح" اللتين سيطرت عليهما قوات سوريا الديمقراطية، والذي تستخدمه سيارات المازوت القادمة من مناطق داعش، مرصوداً من قبل النظام بشكل كامل، ما أدى لإيقاف وصول المازوت إلى مناطق الريف الشمالي التي تعتمد غالباً على ما يأتيها من محروقات عبر الحدود التركية.

الخارطة النفطية لداعش في سوريا .. تعاون اقتصادي بين داعش والنظام

طرق إيصال النفط إلى شمال سوريا

يتم نقل بعض الكميات من المازوت المكرر باتجاه ريف حماة ليصل إلى أسواق المدينة أخيراً، حيث يقول ناشطون هناك، إن أي لتر من المازوت يدخل أو يخرج إلى مدينة حماة يكون بعلم أمنيي النظام الذين يقومون بإدخال المازوت القادم من مناطق سيطرة داعش عبر صفقات تجري بين تجارٍ في مناطق النظام، وآخرين في المناطق الخارجة عن سيطرته، كما يتم إخراج المازوت النظامي من المدينة، حيث يتميز مازوت داعش برخص أسعاره وجودته السيئة، ويستخدم داعش لنقل المازوت إلى حماة طرقات تمر عبر حواجز للنظام أهمها طريق "أثريا–خناصر"، حيث تتم عمليات المبادلة والبيع والشراء على حواجز النظام هناك.

الطريق الآخر لقوافل داعش النفطية، يكشف بوضوح أكبر ما يوصف بأنه تعاون اقتصادي بين داعش ونظام الأسد، حيث يتجه هذا الطريق من آبار النفط باتجاه ريف حمص الشرقي وريف دمشق والسويداء، ليصل أخيرا إلى محافظة درعا، وتنتقل قوافل النفط خلاله من الآبار في دير الزور مرورا بالصحراء السورية المكشوفة تماما لطائرات النظام الحربية والطائرات الروسية، قاطعا مسافة تتجاوز الثلاثمائة وخمسين كيلو مترا في منطقة مكشوفة تماما، ليصل إلى مناطق في ريف دمشق الشرقي أو في بادية السويداء الشرقية.

يشتري مهربون من البدو النفط المكرر تكريرا أوليا من داعش في المناطق الشرقية من السويداء بسعر لا يتجاوز 15 ألف ليرة سورية للبرميل، والذين يقومون بدورهم ببيعه لمهربين من داخل المحافظة بنحو 25 ألف ليرة سورية، وفق ما قال أحد سائقي شاحنات النفط لأخبار الآن، حيث أكد أنهم لا يشترون المازوت من داعش بشكل مباشر، وإنما عن طريق وسطاء من البدو المقيمين شرق السويداء.

ويضيف السائق أنهم ينتقلون من البادية الشرقية باتجاه ريف السويداء الغربي لبيع النفط إلى تجار آخرين يكملون نقله إلى ريف درعا، مؤكدا أنهم يتحركون ضمن قوافل تتألف من نحو 20 أو 30 سيارة مرورا على حواجز النظام أو حواجز ميليشيا الدفاع المدني، حيث يقومون بدفع رشاوى لهذه الحواجز التي تسمح لهم بالمرور دون أية مشاكل، مضيفا أن هناك أوامر من فرع الأمن العسكري للحواجز كي تسهل مرور القوافل، ما يشير حسب قوله إلى وجود تنسيق بين النظام وداعش.الخارطة النفطية لداعش في سوريا .. تعاون اقتصادي بين داعش والنظام

طريق النفط عبر حواجز النظام .. السويداء ودرعا

تتقاضى حواجز النظام وخصوصا التابعة لميليشيا الدفاع الوطني أتاوات لتسمح لقوافل المازوت القادم من آبار داعش بالمرور، ويصل سعر البرميل الواحد داخل السويداء إلى نحو خمسين ألف ليرة، بينما يصل في الريف الغربي منها بسعر يتجاوز الستين ألفا، ليتم شراؤه هناك مرة أخرى من قبل بعض البدو الذين يقومون بنقله إلى درعا ليباع هناك، حيث تعتبر السويداء هي المصدر الوحيد لوصول المحروقات إلى ريف درعا، وكلما زاد النظام تشديده على نقل النفط بين المحافظتين ترتفع أسعاره في درعا أكثر، حيث قال "أبو عمر" الذي يعمل تاجرا في سوق المحروقات ببلدة "أم ولد" لأخبار الآن، إن سعر لتر المازوت الأسود في درعا وصل إلى أكثر من مئتين وثلاثين ليرة بينما تجاوز البنزين عتبة الأربعمائة ليرة سورية، مشيرا إلى قلة الكميات التي تصل إلى تلك المناطق من المازوت النظامي نظرا لمنع قوات النظام إدخال أية مواد إلى ريف درعا الخارج عن سيطرتها، مضيفا أن تهريب المازوت الأسود القادم من مناطق داعش، يشكل مصدر ربح لا يستهان به لميليشيات النظام وشبيحته في السويداء.

رحلة النفط من الآبار إلى المستهلكين، ربما تكون مستحيلة في ظل الوضع السوري، وادعاءات النظام بحرصه على محاربة داعش، إضافة إلى ادعاءات روسيا سعيها لتجفيف مصادر تمويله، إلا أن بعض التقارير الصادرة بهذا الشأن تقول إن أرباح داعش من بيع النفط لنظام الأسد، تتجاوز الأربعين مليون دولارا شهريا، ليطرح ملف النفط سؤالا يضاف إلى الأسئلة السابقة حول طبيعة العلاقة بين داعش ونظام الأسد، وحول حقيقة العداء بينهما.