أخبار الآن | إسطنبول – تركيا (جابر المر)
بعد دخول أكثر من مليوني لاجئ سوري إلى تركيا، باتت فرص العمل للشباب تضيق أكثر فأكثر، خصوصا بعد أن تركز وجود معظم اللاجئين في مدن محددة كغازي عنتاب وأنطاكيا وإسطنبول. ويقف الفنانون السوريون الشباب أما مفترق طرق إثر اضطرارهم لترك فنهم، مرغمين، والسعي وراء لقمة العيش.
مأساة الفن التشكيلي
"داني داش" فنان تشكيلي سوري ترك دراساته العليا في مصر وأتى إلى حلب حين اندلعت الثورة هناك، وبعد كل ما جرى في حلب شعر أن لا مكان له في الداخل السوري، فلم يعد هناك مجال للعمل على لوحاته ولا على تطويرها، وعلى هذا الأساس خرج داني من سوريا إلى إسطنبول، وهنا وجد نفسه أمام مرسمه ولوحاته، فلكي ترسم عليك أن تعيش، ولكي تعيش عليك أن تعمل خارج الرسم، وطالما أنت فنان تشكيلي فإن فرصك في العمل اليدوي ستكون أضيق حتما من أصحاب المهن والأعمال الحرة، وبعد محاولاته لإنشاء معارض في اسطنبول يخبرنا داني بالتالي: "أقمت معرضا في جيهانغير في إسطنبول منذ عدة أشهر ولم أبع سوى لوحة واحدة تقاسم سعرها البخس معي صاحب الصالة، مما اضطرني لأن أنهي عملي على مشروعي الجدي، وأنتقل للرسومات التجارية آملا ببيعها في شارع الاستقلال كي أؤمن لقمة العيش وإيجار المنزل، وفي ثالث محاولة لبيع لوحة لأحد محلات السياح أخبرتني المحلات ذاتها بأنهم اكتفوا ولديهم كساد من الرسم اليدوي، فالموسم الآن ليس بموسم للسياح، فاضطررت لترك الرسم والمرسم والذهاب للعمل بأحد معامل الخياطة بأجر متدن بالكاد أدفع به إيجار المنزل فقط".
موسيقى أم تسول؟
ليس واقع الموسيقيين السوريين أفضل حالا من بقية الاختصاصات الفنية، فها هو "عمر عرب" العازف في الأوركسترا سابقا وخريج المعهد العالي للموسيقى، يجد نفسه يعزف للسياح في شارع الاستقلال، في الوقت الذي يستطيع معه عمر أن يعزف في أشهر الفرق الفنية التركية على آلته القانون، يقول عمر: "في بلدي كنت موسيقيا أعمل لدى فرق محترمة، ولدي مشروع فني موسيقي، لكن واقع الحال الذي أتى بي إلى هنا يجبرني أن أجلس من الصباح حتى المساء في شوارع اسطنبول وأنتظر أن يمن علي المارة من السياح ببعض الليرات، العزف بالشارع ليس نقيصة فهو إضفاء بعد جمالي على الشارع نفسه، لكنه يشبه التسول إلى حد كبير مقارنة بما كنت أقوم به في دمشق، هنا لا مكان للتجريب فقط عليك أن تعيد الألحان المبتذلة ذاتها وأن تعجب السائح غير المهتم بما تعزف أصلا وكيف تعزف".
أبو الفنون بعيد بسبب اللغة
المسرحيون السوريون أيضا لهم نصيب من المشاكل، الكاتب "خالد جبر" والذي تقدم نصوصه المسرحية في أكتر من مكان في العالم يجد نفسه في إسطنبول مضطرا لمزاولة أية مهنة تبقيه على قيد الحياة، المشكلة لديه أن نصوصه تكتب بالعربية ولا يملك الحيلة ولا التكاليف ليترجمها للغة التركية علها تجد طريقها إلى واحدة من خشبات اسطنبول المائة والخمسين، عند سؤالنا له عن مسرحه يجيب: "بدأت الآن محاولة لتقديم عرض مسرحي هنا في إسطنبول مع أحد المسارح التركية، لكن المشكلة تكمن في جلب الممثلين من الداخل السوري، فعدا عن الفيزا التي لا أعرف تماما كيف من الممكن أن أستخرجها لهم، فإن معظم الممثلين الشباب المحترفين بقوا في دمشق يعملون لصالح شركات الإنتاج التلفزيوني التي تغدق عليهم الأموال من أجل مسلسلات تمجد في معظمها الأسد أو يوافق عليها من قبله على الأقل، أنا مضطر اليوم للعمل مع ممثلين هواة، والسعي نحو تقديم أفضل ما لدينا، في الوقت ذاته أبحث عن عمل في مجال الإعلام أو أي مجال آخر يبقيني على قيد الحياة، فالمسرح بمفرده لم يكن يوما من الأيام يعتبر عملا ذو دخل كريم".