أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
بعد التراجع الكبير الذي شهدته الليرة السورية أمام الدولار، عقب عقوبات اقتصادية مفروضة على النظام السوري، وعدم قدرة السوق على الاكتفاء باحتياجاته من القطع الأجنبي كما وعد حاكم مصرف سوريا المركزي "أديب ميالة" منذ بداية الثورة؛ لم يوفر النظام السوري على لسان مسؤوليه الاقتصاديين فرصة لنكران ما يمرون به من انكسار حاد بدأت معالمه تتوضح بشكل كبير.
انهيار مستمر
من 50 ليرة سورية، قفز سعر صرف الدولار ليصل لأكثر من 440 ليرة سورية، تنخفض مرة حتى يتبعها ارتفاع حاد، كل ذلك أمام تطمينات وإشاعات ينقلها التجار والسماسرة لعبت دوراً كبيراً بارتفاع سعر صرف الدولار، والذي ارتفعت معه كل الأسعار بما يقارب عشرة أضعاف، حتى بات اليوم راتب الموظف لا يكفيه لأول أيام الشهر. وأدى ذلك لارتفاع مستوى الفقر والبطالة إلى نسبة 80%.
وبذلك لم يتمكن المصرف المركزي من الحفاظ على سعر الصرف عند الحدود التي وعد بتثبيته عندها في كل مرة، بل على العكس من ذلك كانت الليرة تتراجع مع كل تغيير أمني أو أية تحركات سياسية وعسكرية تحدث على الأرض، وكان للقرارات التي أصدرها بهذا الشأن دوماً الانعكاس السلبي على سعر الصرف.
قرارات جائرة لا تخدم إلا مصالحهم
بدأت منذ ثلاثة أعوام قرارات المصرف المركزي بإلزام شركات الصرافة المرخصة بتسليم الحوالات الواردة إلى السوريين والتي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دولار بالليرة السورية، وفق نشرة أسعار تصدر يومياً عن المصرف المركزي، وكان الهدف من هذا القرار كما بررها المعنيين بأنها تهدف لدعم الاحتياطي النقدي من القطع الأجنبي بعد شح الواردات وانقطاع تصدير النفط ومعه صادرات النسيج والمواد الغذائية، وغيرها بسبب العقوبات وانتشار أعمال العنف.
ولكن من المثير للاستغراب أن القرار لم يغير شيئا بالوضع المتردي، الذي بدا ظاهراً للعيان حيث بقي سعر الدولار في الحوالات أقل من سعر الدولار في السوق السوداء، وتزايد هذا الفرق حتى وصل نحو 40 ليرة، وهو ما دفع المواطنون لتجنب التحويل إلى ذويهم في الداخل عن طريق الدولة، كما يسمونها، أيّ عبر مكاتب الحوالات الرسمية، تفاديًا للخسائر التي ستلحق بهم بعد تحويل المبلغ المرسل إلى الليرة السورية وبالسعر الذي يحدده المصرف المركزي.
وبالنسبة لفرق سعر صرف الدولار يقول "ن" معيد في كلية الاقتصاد جامعة دمشق: "تذهب كل عائدات الحوالات إلى المصرف المركزي الذي يستفيد منها وحده فهو الرابح الوحيد من فرق السعر بين دولار السوق ودولار الحوالات، ولا مصلحة للمركزي برفع سعر الحوالات لأن أرباحه ستتقلص تلقائيًا".
يقول أحد المحللين الاقتصاديين "رفض ذكر اسمه، من دمشق: "بدا قرار تسليم الحوالات بالليرة السورية عبارة عن سرقة لممتلكات المواطنين في الخارج، فهو يهدف لتحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح من فارق السعر بين السوق السوداء والسعر المصرف المركزي".
خيارات أخرى تخفف من الخسارة
في محاولة لإيجاد حلول بديلة أكثر أماناً وأقل كلفةً، بعد أن امتنع المواطنين عن تحويل أموالهم عبر المكاتب الحكومية، لجئوا إلى ما يسمى تهريب أيّ عبر تحويلها مع الأقارب والمعارف، هذا ما أدى إلى انتشار مهنة التحويل في بعض المكاتب التجارية التي أصبحت تمتهن إرسال واستقبال الحوالات خفيةً من وإلى مناطق النظام.
يقول "أبو أحمد" سائق تاكسي على طريق دمشق-بيروت: "تعودنا أن نوصل الحوالات القادمة من الخارج عن طريق لبنان إلى أصحابها في سوريا، والناس أصبحت تعتمد هذه الطريقة لأنها أقل كلفة من الحوالات الرسمية، فنحن نأخذ أجرتها كأجرة راكب، أيّ ما يقارب 4 ألاف ليرة سورية".
ولجأ البعض الآخر للمكاتب التجارية والمحلات التي يعرفونها بشكل سريّ عن طريق مجموعة معارف ويعتمدونها بشكل دائم وسريّ.
وما زاد المواطنين إصراراً على اعتماد وسائط التحويل البديلة، هو التشديد الأمني الذي ما زال يفرضه النظام على مكاتب التحويل، فقد قام باعتقال العديد من الشبان والناشطين من خلال مكاتب التحويل الرسمية، هذا ماعدا الازدحام الخانق الذي تواجهه عند كل مكتب حوالات، فقد تحتاج لأكثر من نصف النهار لتقبض حوالتك.
يقول "حسين" 30 عاما، بعد أن تسلم حوالته بقيمة الدولار من تاجر أصبح يعتمده في استلام حوالته: "كل مائة يورو تساوي 50 ألف ليرة سورية بالنسبة لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، أمّا إذا استلمت هذه الحوالة عن طريق مكاتب التحويل فقد أخسر بها ما يقارب 5 ألاف ليرة سورية، هذا غير الأسئلة والاستفسارات التي يطلبها منك الموظف للتحقق من مصدر المبلغ، لذلك اعتمدنا المعارف الشخصية لهذ الأمر".
تقول "عبير" 25 عاما: "من غير الممكن أن تحصل على المبلغ المحول لك من الخارج كما هو، فغالباً ما يتم التلاعب حتى بأسعار المصرف المركزي".
المركزي يدّعم نفسه بفرق سعر الحوالات
وفق الأرقام المصرح بها مؤخراً وصل معدل الحوالات الخارجية إلى سوريا ما يقارب 2.5 مليار دولار، أيّ ما يعادل 1100 مليار ليرة سورية.
هذا المبلغ يفسر حجم الكسب الذي تسعى إليه الحكومة السورية، واعتمادها على الحوالات الخارجية كمصدر أساسي للموارد المالية الجديدة التي تسعى لسد العجز المتفاقم، وهذا يعتبر حلاً جديداً كما يصفه الخبير الاقتصادي "محمد.ع" بعد أن انقطعت الواردات الأساسية مثل تصدير النفط وعائدات السياحة، أصبح يسعى المصرف المركزي عبر حوالات المغتربين ومن خلال تثبيت سعر صرف دولار الحوالات عند حد معين بحثاً عن قيمة العائدات.