أخبار الآن | تحقيق – (ياسر الأطرش)
يعزو كثير من مصابي الحرب السورية بتر أطرافهم إلى نقص الكوادر المختصة ومحدودية إمكانات الكوادر الطبية العاملة في الداخل السوري، كما تحضر الشكاية نفسها بشكل آخر لدى الأطباء المرابطين في مناطق الصراع، حيث يعبرون صراحة عن عدم قدرتهم على التجاوب مع كل الحالات الطارئة وتقديم العون اللازم لها، ليس لنقص في المستلزمات والأجهزة الطبية وحسب، بل يعزون ذلك إلى نقص الكادر البشري المؤهل في المقام الأول.
وكانت تقارير صادرة عن مراكز دراسات قالت إن نصف أطباء سوريا البالغ عددهم 33 ألفاً بحسب نقيب الأطباء السوريين، قد غادروها منذ إندلاع الأزمة، بينما تحدثت نقابة أطباء النظام عن مغادرة سبعة آلاف منهم.
معظم هؤلاء الأطباء موجودون في تركيا ودول اللجوء الأوربية، وكثير منهم لم يجدوا عملاً أو لم يتسنَّ لهم إكمال اختصاصاتهم، على عكس ما يُشاع عن تسابق الدول على احتضانهم والظفر بخدماتهم.
هجرة الأمل
يقول كثير من المصابين بإعاقة دائمة إن وضعهم ربما ما كان ليؤول إلى ما هو عليه لو توفرت العناية اللازمة لهم وقت إصابتهم، إلا أن غياب الكادر الطبي المختص، كان المسبب الأول لما هم فيه، وهذا ما أكده أيضاً أطباء مختصون لأخبار الآن.
فما هي أسباب هجرة نصف أطباء سورية، في ظرف تشتد حاجة الناس إلى خدماتهم أكثر من أي وقت آخر؟..
في تفصيل الأسباب، يقول الطبيب عبد الهادي طواشي لأخبارالآن: إن الأطباء هاجروا من مناطق النظام، ومن المناطق المحررة بنسبة أكبر، ويُرجع أسباب تلك الهجرة إلى أسباب شخصية تتعلق برغبة البعض، من غير المحسوبين على أي طرف، بالنأي وتحصيل فرصة عمل وعيش في بلد آمن، وإلى أسباب موضوعية تتعلق بالمشكلات التي يواجهها الأطباء العاملون في المناطق المحررة، من استهداف قوات النظام للمشافي والمراكز الصحية بشكل ممنهج، إلى وجود خلل في عمل بعض المشافي نتيجة تحكم أشخاص غير أكفاء يفرضهم الداعم في إدارتها، كما كان لنقص التجهيزات وضعف الإمكانات المادية والضغوط العامة نتيجة الظروف، دور في عدم القدرة على الاستمرار لكثيرين.
مليون معوّق
لا تتوافر إحصاءات دقيقة حول أعداد المصابين بإعاقة دائمة بعد خمس سنوات من الصراع في سورية، إلا أن المنظمة الدولية للمعاقين أفادت في تقرير أصدرته العام الماضي بأن النزاع السوري تسبب في سقوط أكثر من مليون جريح، عشرات الآلاف منهم يحتاجون إلى أطراف اصطناعية وعناية لفترة طويلة من الزمن.
فيما قال رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في دمشق، حسين نوفل، إن الحرب خلفت حتى الآن مليوناً ونصف مليون جريح ممن فقدوا أحد أعضائهم.
ويؤكد الدكتور طواشي، أخصائي العظمية الذي ما زال يعمل في المشافي الميدانية شمال سورية، أن الكثير من حالات البتر كان يمكن تلافيها لو توفر الأطباء المختصون في المكان والوقت المحددين، وأضاف: " إن عامل الوقت في هذه الإصابات هو العامل الرئيسي، ومعظم العواقب السيئة التي تحصل، ومنها البتر، تحدث نتيجة التأخر أو بسبب قلة الخبرات والمعالجة الخاطئة". مؤكداً أنه الوحيد في اختصاصه في المشفى الذي يعمل فيه حالياً، ما يجعل إمكانية معالجة أكثر من حالة في وقت واحد أمراً مستحيلاً، وهذا ما ينطبق على مناطق كثيرة.
وعن الحلول الممكنة، أكد الدكتور عبد الهادي إمكانية خلقها بتضافر الجهود، فبدل تعدد المراكز الصحية المتناثرة بإمكانات ضعيفة، يُمكن إنشاء مشفى مركزي كبير بإمكانات بشرية ومادية كافية، في منطقة الساحل أو إدلب، يشمل جميع الاختصاصات والكوادر القادرة على تقديم الخدمات الطبية لكل محتاجيها.. وهذا يحتاج – وفق رأيه- إلى تضافرجهود الجهات الدولية والمحلية الداعمة، لتأمين المستلزمات، وتوفير حماية من القصف الروسي والنظامي الذي يستهدف المرافق الحيوية والصحية بشكل ممنهج، ووقتها لن يتوانى كثير من الأطباء عن العودة فوراً لأداء واجباتهم الإنسانية والأخلاقية.
خيبة أمل
لا تبدو حياة الأطباء في المهاجر مستقرة أو تحمل علامات استقرار قريب، ويبدو أن ما يُشاع عن تنافس أوربي – تركي للفوز بخدمات اللاجئين المتعلمين، ومنهم الأطباء، ما هو إلا مادة إعلامية لا يؤيدها الواقع.
فقد حصل بعض الأطباء على فرص عمل في المنظمات الإنسانية الناشطة في تركيا، فيما لا زال مئات منهم بلا فرصة عمل، ما اضطر معظمهم إلى افتتاح عيادات "سرية" في منازلهم، لتقديم خدماتهم للسوريين بأجور رمزية، منتظرين تنفيذ وعود الحكومة بتعديل أوضاعهم والسماح لهم بمزاولة المهنة، أواستيعابهم في مراكز صحية سوف تُستحدث لتقديم الخدمات الطبية للسوريين.
وليس الوضع أحسن حالاً للذين اختاروا الوصول إلى البر الأوربي، فأمام الطبيب السوري مشوار طويل ليس مضموناً أن ينتهي به إلى مزاولة مهنته بالضرورة.
يقول الطبيب إبراهيم رمضان اللاجئ في ألمانيا، إن أقل من عشرة بالمئة من الأطباء في ألمانيا حصلوا على وظائف، ويضيف لأخبار الآن: "في مدرسة اللغة أعرف أكثر من عشرين طبيباً سورياً، واحد منّا فقط حصل على وظيفة، بينما لا زالت طلبات الآخرين تُقابل بالرفض".
أما بالنسبة للأطباء الذين يريدون متابعة اختصاصهم في الجامعات الألمانية، فإنهم يُواجهون بطلبات تعجيزية كما يقول الدكتور رمضان، منها تأمين شهادة غير محكوم، وإخراج قيد مدني، وشهادة حسن سلوك، وهذه الأخيرة يجب أن تكون صادرة عن وزارة الصحة التابعة للنظام حصراً، ولا يمكن الحصول عليها إلا بعد تبرئة الذمة المالية من نقابة الأطباء.. ما يجعل الأمر مرتبطاً كلياً بأجهزة النظام، وبالتالي مستحيلاً على المعارضين والمطلوبين أمنياً أو لأداء الخدمة العسكرية.