أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)
استطاعت الطفلة "سناء" 7 سنوات، أن تستعيد حاسة البصر بعد أن أجريت لها عملية جراحية في مشفى باب الهوا إثر إصابتها نتيجة القصف الذي تعرض له منزلها الواقع في معرة النعمان.
سناء واحدة من عدد كبير من المصابين في ريف إدلب والذين استطاعوا استعادة عافيتهم بشكل كامل نتيجة تلقيهم العلاج والرعاية الصحية في إحدى منشآت "الأوسوم" الطبية.
تقول والدة سناء: "خشيت أن تكون ابنتي قد فقدت بصرها كليا نتيجة إصابتها في رأسها، ولكن الأطباء طمأنوني بأن ثمة عمل جراحي يساعدها على استعادة الرؤية ولكنه مكلف للغاية، فقصدت مشفى باب الهوا الذي ساعدنا وبشكل مجاني على إجراء هذه العملية، وضع ابنتي بات جيدا بعد العملية وتكفل المشفى بالعملية وكافة الأدوية أيضا".
"الأوسوم" هو اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية السورية، تأسس في فرنسا في بداية عام 2012 بهدف لتقديم الرعاية الطبية للسوريين في سوريا وفي دول اللجوء دون النظر إلى العرق أو الجنس أو الدين، وتعتبر الأوسوم من أكبر المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا.
يتحدث عن هذا الاتحاد الدكتور "حسان الحلبي" 40 عاما، نائب المدير التنفيذي لشؤون التطوير في الأوسوم: "هدفنا الأساسي تقديم الدعم الطبي في الداخل السوري على صعيد الأدوية والمستهلكات وتدريب الكوادر".
ويضيف بأن الاتحاد استطاع التأقلم مع امتداد الحرب السورية حتى عامها الخامس، فكان هناك تبدل ومرونة في استراتيجية الاتحاد وفق متطلبات الواقع، حيث كان تركيز الاتحاد في البداية على قطاع المشافي باعتبار أن معظم الإصابات هي حالات جراحية، ولكن وعلى امتداد فترة الصراع في الداخل بدأ ظهور الأمراض المزمنة والتي تحول بعضها إلى الموت الصامت بالنسبة للمرضى، وخاصة مرضى الضغط والسكري ولذلك قام الاتحاد بتنويع خدماته الطبية.
وفي هذا السياق يتحدث "أبو عمر" 43 عاما، الذي يعاني من أمراض الضغط والسكري فيقول: "أصبت بهذه الأمراض منذ بداية الثورة السورية، ونتيجة انقطاع الأدوية الخاصة لها ساءت حالتي الصحية فقصدت إحدى مراكز الاتحاد في ريف إدلب والذي تكفل بعلاجي وتقديم الدواء المناسب لي شهريا وبشكل مجاني".
أقسام الاتحاد وخدماته
أهم أقسام الاتحاد يتحدث عنها "الحلبي": القسم الأول هو قسم "الرعاية الصحية" وأهم ما يتميز به هذا القسم وجود مختلف الاختصاصات الهامة وهي نسائية، داخلية، أطفال، دواء مجاني وخدمة المخبر".
أما عن عدد مراكز الاتحاد الخاصة بهذا القسم فهي كانت في البداية أربع مراكز ثم توسعت إلى 12 مركزا، ويلفت الحلبي إلى أن التبدلات الأمنية الاخيرة في بعض المناطق كحلب دفعتهم لتحويل قسم من الدعم المخصص لهذه المراكز الثابتة إلى عيادات متنقلة لتخديم النازحين على الشريط الحدودي.
أما بالنسبة للقسم الثاني فهو قسم "الصحة النفسية" الذي يصفه الحلبي بالمهم، موضحا بأن الاتحاد أجرى دراسة عن الوضع النفسي للنازحين في تركيا فتبين أن نسبة 37% منهم يعانون مشاكل نفسية وخصوصا الأطفال والمراهقين، وأردف: "أكدت الدراسة بأن بين كل ثلاثة مراهقين هناك مراهق يعاني من "الانتيماليشيا" بمعنى أن هذا الشخص هو مضاد للمجتمع وهذا ما فرض على الاتحاد تقديم الرعاية والخدمة النفسية لأهلنا حفاظا ليس على الأجيال الحالية فقط وإنما على الأجيال القادمة أيضا، فكان هناك العديد من المراكز الخاصة بالدعم النفسي التابعة للاتحاد في الداخل السوري وفي دول اللجوء".
"رائد" 25 عاما، أصيب بحالة نفسية سيئة وصفت بالهستيريا نتيجة تعرض منزله للقصف وهو بداخله، ما أدى إلى إصابته بهذه الحالة والتي تمكن من تجاوزها والشفاء منها بعد مضي ستة أشهر إثر تلقيه العلاج في إحدى مراكز الاتحاد النفسية، وها هو الآن يتابع دراسته الجامعية في الهندسة الزراعية السنة الرابعة.
أما بالنسبة للقسم الأخير في الاتحاد فهو قسم "التدريب الطبي"، والهدف من إنشاء هذا القسم يتحدث عنه الحلبي فيقول: "بسبب نقص الكوادر الطبية في الداخل السوري وبالأخص التخصصات النوعية، فقد عمل الاتحاد من خلال هذا القسم على رفد المنشآت الطبية بالكوادر والعمل على استدراك النقص الموجود"، وينوه أن التدريب يكون موجها لبعض الأطباء لزيادة كفاءاتهم للتعامل مع الإصابات الحالية، وبعض التدريبات الأخرى تكون موجهة لاختصاص النسائية وتخريج القابلات، وبعضها الآخر لفنيين التخدير لزيادة عددهم وكفاءتهم.
الطبيب "حسام" أحد الخريجين الجامعيين الجدد والعاملين في أوسوم، خضع لدورة تدريبية يقول: "استفدت من هذه الدورة كوني تدربت على أيدي أطباء مخضرمين في الطب، حيث لازمتهم في معظم العمليات الجراحية التي أجروها على مدى سنة كاملة، أشعر أنني الآن لا أقل عنهم في المهارة والخبرة".
إن أحد أهم الصعوبات التي تواجه المجال الطبي في الداخل السوري يتحدث عنها الحلبي قائلا: "بالإضافة للقصف المستمر للمنشآت الطبية هناك مشكلة فقدان بعض الاختصاصات مثل العصبية والتخدير والنسائية، ولذلك ركز الاتحاد على تدريب هذه الاختصاصات وقد تم تدريب أكثر من 800 شخص مابين طبيب وممرض وفني وقابلة".
يعتبر مشفى باب الهوا هو أكبر إنجازات الاتحاد في الأربع سنوات الماضية وهو أحد أهم المشافي الموجودة في الداخل وتحديدا في الشمال السوري، أهم ما يميزه التجهيزات المتطورة والتخصصات النوعية المتواجدة فيه بالإضافة لكافة التخصصات الجراحية وأهمها الجراحة العينية والعصبية.
أيضا يتميز المشفى بالعدد الكبير للمستفيدين من خدماته بشكل شهري والذي بلغ 13000 استشارة و1400 عملا جراحيا، والهدف من هذا المشفى، بحسب الحلبي، هو التقليل من عدد الحالات التي يتم تحويلها إلى تركيا، فمن جهة يعمل المشفى على تأمين كافة الخدمات الطبية للمريض وللكادر بشكل مجاني ومن جهة أخرى يخفف من معاناة المرضى والجرحى وذويهم في حال التنقل بمريضهم إلى المشافي الخارجية.
أما عن الداعمين لهذا الاتحاد فهم أطباء سوريين متواجدين في الدول الغربية وأهمها أمريكا، كندا، فرنسا، ألمانيا وهولندا، وباعتبار أن مستوى الاحتياج في الداخل السوري هو كبير جدا فقد وسع الاتحاد دائرة الممولين له ليشمل منظمات دولية عديدة.
أما عن عدد الموظفين في الاتحاد فقد تجاوز 800 موظف، 97%من موظفيه هم متواجدين في الداخل السوري، وفقط نسبة 3%هم إداريين موجودين في تركيا ولبنان.
"أينما وجد الاحتياج يتواجد الأوسوم في حلب وريفها، إدلب وريفها، ريف اللاذقية، حمص المحاصرة، درعا، القنيطرة، الفوطة وحتى ريف حلب الشرقي، بالإضافة لتواجده أيضا في دول اللجوء في تركيا ولبنان والأردن، يقول الحلبي مختتما حديثه: "إن نزوح أي طبيب في الداخل السوري يتسبب بنزوح أكثر من 250 ألف شخص، ولذلك فإن بقاء قسم من الأطباء للعمل في الداخل تحت القصف ورغم كل الظروف يعتبر عملا بطوليا في قمة الإنسانية والوفاء للأهل وللوطن".