أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)

لطالما عرفت محافظة حماة بالتعايش بين أبنائها، فهي محافظة ينحدر مواطنوها من ثلاثين حضارة انصهرت جميعها في بوتقة واحدة، كان ذلك قبل خمس سنوات إلى أن كشر النظام عن أنيابه.

تقف "سامية" في سيارتها المركونة لساعتين عند أحد حواجز النظام ضمن المحافظة، لا لذنب ارتكبته سوى أنها "محجبة" حيث تفتش سيارتها تفتيشاً دقيقاً ويأخذ عناصر الحاجز كل ما بحوزتها من أوراق ثبوتية لمعاينتها .

تقول: "هذا جدولي اليومي، صرت أخرج من منزلي في ساعة مبكرة لأنني أدرك أنني سأقف هنا لساعات طويلة"، منوهة إلى أنها وأكثر من مرة وقفت على ذات الحاجز مع فتيات غير محجبات يقدن سياراتهن إلا أنهن كن يعبرن حتى دون معاينة البطاقة الشخصية.

ولا تنكر "أمل" أنها تعرضت لأكثر من مرة للمضايقات والتحرشات من قبل عناصر الحاجز ضمن محافظة حماة بسبب حجابها، تقول: "يكاد الذهاب إلى الجامعة أن يتحول إلى عذاب نفسي لنا نحن الفتيات المحجبات، الكثيرات من صديقاتي فضلن مغادرة مقاعد الدراسة والمكوث في منازلهن بسبب تلك المضايقات" .

أن تكون الفتاة محجبة في مدينة مُحافِظة كمدينة حماة كان أمرا اعتياديا، لكن إن أرادت الفتيات المرور بسلام في شوارع المدينة فخلع الحجاب بات الأسلم حين يقف عائقا أمام حرية شخصية وقرار نابع عن اختيار ديني إلى رمز سياسي "مثير للجدل" من وجهة نظر النظام السوري .

كثيرات رفضن خيار خلع الحجاب، ليقعن بين فكي الكماشة: خوف الأهالي على بناتهن ومنعهن من ممارسة حياتهن بالشكل الأمثل، أو خلع الحجاب لتكون تلك القضية من أكثر القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل.

يرفض "أبو محمد" بأي شكل من الأشكال أن تخلع ابنته حجابها إرضاء لكفر النظام، بل ويؤكد أنه رأى بأم عينه في المؤسسة التي يعمل بها الكثير من الفتيات من الطافة "العلوية" يحتفظن بالحجاب في حقائبهن خوفاً على أنفسهن من تسلل داعشي، على حد قولهم.

أمثلة كثيرة لاضطهاد المحجبات تحدث يومياً في مدينة حماة، تذكر "ابتهال" كيف هجم عليها أحد الرجال في الشارع وتبين فيما بعد أنه من قرية موالية للنظام وخلع حجابها عن رأسها مع ترديده لأسوأ الألفاظ بحق عائلتها وطائفتها.

تقول: "لسنا متعصبات دينياً ونحترم جميع الطوائف ولا متسترات بالحجاب لتمرير أفعال غير مقبولة اجتماعياً، نحن شابات من مختلف الطبقات الاجتماعية، وسطيات في الدين وبعيدات عن التشدد، لكن ما يمر على محافظتنا من ممارسات لا أخلاقية بحق ديننا جعلنا نبحث عن الحياة في زمن الموت."

"الحجاب حرية شخصية وحق تكفله الشرائع السماوية"، هكذا اختصرت "سمية" حديثها، وتكمل:  "ينتزعون حجابنا ويروننا كإرهابيات ويتمنون موتنا، أن تقف فتاة بوسط الشارع وتتعرض للتفتيش بسبب حجابها هي تجربة مهينة لا تليق بديننا الإسلامي" .

لم تبق حياة المحجبات في محافظة حماة على حالها فالنظام لا يفكر باعتدال، فإما أن تكون معنا أو ضدنا، وقرروا بضحالة تفكيرهم أن من ترتدي حجاباً يجب عليها أن تخضع للتمحيص، في الوقت الذي تؤكد فيه الجمعيات الحقوقية أن معظم من تعرضن للاعتقال والتعذيب والخطف في محافظة حماة كن من المحجبات.