أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)
الأوضاع الأمنية التي تشهدها سورية منذ خمس سنوات خلفت ورائها الملايين من النازحين واللاجئين حتى اليوم، منهم من فقد أفراداً من عائلته ومنهم من فقد ممتلكاته، ومنهم من فقد الاثنين معاً، ولم يجدوا سوى النزوح واللجوء حلاً لمواجهة خطر الموت على من تبقى من العائلة، لم يجدوا سقفاً يأويهم إلا خيمةً في العراء أو غرفةً في مدرسة.
محافظة الحسكة كغيرها من المحافظات التي لم تشهد كثيراً من القصف والبراميل المتفجرة أوت الآلاف من النازحين من حلب ودير الزور وحمص وغيرها من مناطق الاشتباكات في سوريا.
العديد من المنظمات المحلية والدولية التي تهتم بشؤون النازحين حملت على عاتقها تقديم وتنفيذ مشاريع تخفف على النازحين همومهم، وتحاول إعادة الثقة إليهم بعد أن فقدوها بفعل ما عانوه من معاناة النزوح والدمار والقصف والقتل، الذي كان لها دورا كبيرا في التأثير السلبي على نفسياتهم وخصوصاً الأطفال والنساء.
مشروع "بلدنا حلو منقدر نبدع"
"بلدنا حلو منقدر نبدع" كان عنواناً لمشروع أطلقته منظمة "الطفولة والفتيات النشء" بالتعاون مع "شبكة الأمان"، استهدفت النازحين المقيمين في مركز الإيواء في مدينة عامودا والذي يأوي عوائل نازحة من حلب ودير الزور وحمص في مدرسة كل غرفة فيها مخصصة لعائلة كاملة.
هدف المشروع إلى إنبات بذرة الإبداع من جديد لدى هؤلاء النازحين، وتشجيعهم على الانخراط في المجتمع الجديد، وتشجيعهم على ممارسة حياتهم الاعتيادية. مشروع بلدنا حلو استمر على مدار عشرة أيام.
المشرفون الذين اتخذوا من مدرسة الايواء مركزاً لهم، بدؤوا في الأيام الخمس الأولى بورش تدريبية في مجال الدعم النفسي، لإقناعهم أنّ النازح كغيره من الاشخاص بإمكانه أن يبدع وأن يعمل وأن يربح المال، وبعد انتهاء ورش الدعم النفسي بدأت المدربة "روهات داوي" بتدريبهم على الفنون التطبيقية واليدوية وفن إعادة تدوير المواد، بحيث يكون بإمكانهم ابداع لوحات وأشكال فنية قابلة للبيع والاستفادة منها. "روهات" لم تكن تتوقع أن يستطيع هؤلاء النازحين على خلق الكثير من الإبداع في ذلك الوقت القصير، ولكن النتائج كانت مميزة من المشاركين في الحملة، تقول: "واجهنا في البداية الكثير من الصعوبة لإقناع النازحين بالمشاركة بهذه الحملة، فهم فقدوا الثقة بأنفسهم وبالمنظمات، و لكننا في النهاية تغلبنا على هذه العقبة بإقناعهم بالمشاركة، إلا أنّنا واجهنا عقبات أخرى لوجستية كفقدان مركز الإيواء لقاعة مناسبة للتدريب، وكذلك نقص المقاعد وفقدان الأجهزة ولكننا حاولنا تأمينها من منازلنا ومن بعض المراكز الأخرى"، و"روهات داوي" تريد أن تدعو عن طريق "أخبار الآن" المنظمات الدولية والمحلية إلى الاهتمام بشكل أكبر بالنازحين، فهم بحاجة شديدة لفعاليات مماثلة لما قاموا به، لكي يتمكن النازح من التغلب على ظروفه النفسية والمعيشية.
نتائج المشروع
بعد انتهاء المشروع عرضت لوحات وأعمال المشاركين في معرض في صالة "مركز نوروز لإحياء المجتمع المدني" لتشجيعهم أكثر على الإبداع، بالإضافة الى عرض اللوحات والأعمال الفنية للبيع لصالح صاحب اللوحة أو العمل لتشجيعه على ممارسة ما تعلمه بعد انتهاء الحملة، وقد لوحظ إقبال بعض زوار المعرض على شراء أعمال النازحين لأنهم وجدوا فيها تعبيرا جميلاً وجمالاً فنياً، أيضاً قامت اللجنة باختيار أفضل أربع أعمال فنية بناء على تقييم من زوار المعرض وكافئوا الفائزين بمبالغ نقدية.
المشاركون في الحملة من النازحين أبدوا ارتياحهم من هذا المشروع، وشوهدت علامات الارتياح والفرح واضحةً على وجوههم، وتمنوا أن يزداد الاهتمام بهم أكثر ليتمكنوا من الانخراط في مجتمعاتهم الجديدة، وخاصةً عن طريق جاد فرص عمل تمكنهم من التغلب على ظروفهم المعيشية.
"أم حميد" 40 عاماً مشاركة في الحملة، نزحت من حلب بعد أن فقدت ابنها شهيداً، وخسرت منزلها ببرميل مفجر نزل بقربه مخلفاً أضراراً كبيرة فيه، فآثرت هي وزوجها النزوح إلى الحسكة لعلّها تجد أماناً أكثر، ولكن القدر اختار لهم أن يستقروا في المدرسة لتكون العائلة المؤلفة من ستة أشخاص في غرفة واحدة فقط، أم حميد شاركت في هذه الحملة بعد أن أقنعها المشرفون، ولكنها لم تكن تتوقع أن تبدع كلّ هذه الإبداع، فهي التي صنعت "بطاقات الدعوة" إلى المعرض وصنعت لوحة فنية بيعت في المعرض أيضاً بمبلغ مالي لصالحها، تقول: "استفدنا من هذه المشروع على المستوى النفسي والمادي كثيراً، وأنا فرحة لأنّني صنعت شيئاً أحبّه الناس"، كانت مشاعر الفرح واضحة على أم حميد، و خصوصاً عندما استلمت تعويض ما صنعته يداها، دون أن يمنّ أحد عليها بسلة غذائية أو ملابس قديمة. هذه الملامح لم تقتصر على أم حميد فقط، فقد اشتركت معها معظم المشاركين في هذا العمل.
تجدر الإشارة إلى أن منظمتي "الطفولة والفتيات النشء" و"شبكة الأمان" هما من منظمات المجتمع المدني العاملة في محافظة الحسكة؛ والمهتمة بشؤون النازحين والأطفال وحقوق المرأة. تأسست المنظمتين قبل ما يقارب العامين، بأيدي بعض نشطاء وناشطات المحافظة الذين تلقوا ورشا تدريبية داخل سوريا وخارجها.