أخبار الآن | دمشق – سوريا (يمنى الدمشقي)

منذ أشهر سيطر داعش على أجزاء واسعة من مدينة تدمر الأثرية، وفتك حينها بالحجر والبشر والشجر، هُدِّمت حينها الآثار والمعابد وبدأت تجارة جديدة وهي بيع الآثار واللوحات التي حفظت آلاف السنين داخل متاحفها ومعابدها، إضافة إلى تدمير وتحطيم أبرز المقابر والمعابد كمعبد بل ومعبد شمين وقوس النصر، في حين قام بتفخيخ المقابر وتفجيرها بحجة أنها تتنافى وتعاليم الدين الإسلامي، حتى بات أكثر من 40% من المدينة مدمراً.

ولم يكتف داعش بالنيل من الحجر والآثار، فاتجه بعدها لتصفية شخصيات مرموقة في المجتمع وأبرزهم كان الأستاذ "خالد الأسعد" مدير متحف تدمر حيث تمت تصفيته بطريقة بشعة بعدما قطع رأسه وصلب على إحدى الأعمدة الأثرية، موجهين إليه تهماً عدة أبرزها أنه مدير آثار تدمر وله علاقة مع النظام. من جهة أخرى بات داعش يقوم بما يشبه عملية غسل أدمغة فصار يستغل حاجة الشباب وخاصة ممن هم في أعمار "15-40" للانتساب إليه خصوصاً أنه لم يعد لديهم مسكن أو عمل أو أي مورد لتأمين رزقهم، فيدفع لهم مبالغ جيدة، بعد ذلك يخضعون لدورات تدريبية شرعية على أيدي مختصين من داعش سواء قتالية أو إدارية أو شرعية، ويتم زجهم لاحقاً في المعارك التي تجري في المدينة أو تحريضهم على الأهالي بحجة تطبيق الأحكام الشرعية، وبالفعل انتسب حوالي 5% من الشباب إلى داعش، ولم يكن للأهالي حول ولا قوة من قرار أبنائهم، لأنهم بمجرد خالفوا أوامره ستوجه لهم تهم التخلف عن الجهاد والقتال وربما عمالة النظام.

خزان داعش البشري في تدمر

يتحدث أحد ناشطي المدينة أن معظم من ينتسب لداعش هم من أصحاب السوابق في السرقات والأعمال الإجرامية، وبعضهم كان متطوعاً لدى الدفاع الوطني وكانوا ينتسبون لداعش بحجة أنه يبرئهم من ماضيهم مهما كانت تهمهم كبيرة، بينما تبقى فئة قليلة مغلوب على أمرها تعاني من أوضاع معيشية سيئة جداً، محبطة من المجتمع الدولي، تضطرها ظروفها للعمل مع داعش مقابل المردود المادي الجيد الذي يتلقونه، وتزامناً مع الوضع المخيف للآثار أطلقت إذ ذاك نداءات استغاثة من اليونيسكو والمنظمات المعنية بحماية الآثار لحماية مدينة تدمر محذرين من ضياع هوية كاملة لشعب لم يتبقَ له من مخالب هذه الحرب إلا هويته الحضارية، وعادت الأحداث لتشتعل في الأيام الأخيرة لكن هذه المرة النكبات كلها لحقت بالمدنيين، حتى بات الأهالي يتساءلون بشكل متكرر .

ماذا عن الإنسان في تدمر؟

يقول الناشط من مدينة تدمر ومعتقل سابق لدى داعش "خالد الحمصي" في حديث خاص لأخبار الآن، أن النظام وبمساندة حزب الله وروسيا تمكنوا من دخول مدينة تدمر والسيطرة عليها بشكل شبه كامل بعد مواجهات عنيفة مع عناصر داعش، وأكد خالد أن أكثر من 3000 عنصر مدججين بالأسلحة الكاملة تمكنوا من الانتشار فيها على مساحة 9 كم من شمال غرب إلى جنوب المدينة، حيث شهدت ما يزيد عن 700 غارة جوية في الأيام الأخيرة، إضافة إلى الصواريخ وقذائف المدفعية متبعين بذلك سياسة الأرض المحروقة الأمر الذي أزّم حياة المدنيين البالغ عددهم 5000 شخص وباتوا بلا ماء ولا كهرباء ولا أي مقومات أخرى للحياة، لكن ظروفهم السيئة وضيق حياتهم أجبرهم على البقاء في المدينة، إلى أن أمرهم داعش بمغادرة المدينة بحجة أنها باتت منطقة عسكرية، وبالفعل هجر أكثر من 300 عائلة من المدينة باتجاه شرقي تدمر، بينما هربت بعض العائلات زحفاً على الأقدام وصولاً إلى دمشق واستغرق معها الطريق 4 أيام، بينما بات الدمار يتوسع بالمدينة. ولا يمكننا هنا القول بأن داعش هو سبب الدمار الرئيسي في المدينة، فالنظام يقصف بشكل عشوائي ويدمر الحجر والشجر والبشر، واتهم "خالد الحمصي" النظام السوري بالتعاون مع روسيا بأنهم السبب المباشر فيما حدث في المدينة من قتل ودمار لأنهم هم من سلم المدينة لداعش، بعدما نكل بأهاليها وارتكب العديد من المجازر فيها وزج بالكثير من شبابها بمعتقلاته، إضافة إلى استغلاله مكانتها الأثرية وسرقة الكثير من آثارها قبل تسليمها للتنظيم.

وعن تعامل داعش في الفترة الأخيرة وقبل اشتداد المعارك مع الأهالي أكد "خالد" بأنهم تفرغوا لهم بعدما هدأت المعارك قليلاً، وبدأت تفرض عليهم الأحكام المعروفة عند داعش من فرض الخمار والنقاب ومنع التدخين وفرض اللباس الشرعي على الرجال وإجبارهم على الصلاة في المساجد ومحاسبة كل من تسول له نفسه أن يرتكب إثماً وتطبيق الأحكام الشرعية من قطع للأيدي وجلد، حتى شهدت المدينة حركة نزوح كبيرة خوفاً من ازدياد بطش داعش فيها.

يذكر أن مدينة تدمر التحقت منذ الأيام الأولى للثورة بفعالياتها السلمية، وشاركت فيها جميعها من مظاهرات واحتجاجات، وتم تنظيم العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام المباني الأثرية، فقدمت بذلك العديد من الشهداء والتحق عدد كبير من أبنائها بفصائل الجيش الحر على امتداد مناطق سوريا.