أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)
تعتبر محافظة الحسكة العاصمة الزراعية لسورية، والخزان الرئيسي للقمح وغيرها من الحبوب، حيث كانت تساهم بما يقارب 65 % من إنتاج القمح في سوريا، الذي كان يبلغ إنتاجه قبل الثورة ثلاثة ملايين وتسعمائة ألف طن، غير أنّ هذا الانتاج انخفض بشكل كبير بعد الثورة لينخفض إلى أقل من مليون طن في عام 2015، ومن المرجح أن ينخفض الإنتاج أكثر في العام الحالي 2016، في حين تحتاج سوريا إلى ما يقارب مليونين وسبعمائة ألف طن سنوياً لسد احتياجاتها من القمح لطحنه للدقيق فقط.
أسباب تراجع زراعة القمح
الكثير من الأسباب والعوامل أدّت إلى عزوف الفلاح عن زراعة القمح منها انخفاض سعرها بالمقارنة مع سنوات قبل الثورة ومقارنةً بسعر صرف الدولار حالياً، حيث كان الكيلو الواحد يباع بما يقارب النصف دولار، أما حالياً فهو لا يتجاوز الـ "20 سنتاً"، هذا إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات التي يعتمد عليها الفلاح في سقي زراعته المروية، وكذلك فقدان الأسمدة التي يحتاجه القمح وارتفاع أسعارها إن توافرت، هذه الأسباب كانت سبباً في أن يبحث الفلاح عن محاصيل أخرى لا تحتاج إلى سقاية وأسمدة ونسبة الإنتاج فيها أكثر بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها مقارنةً مع القمح، ومن هذه المحاصيل التي زاحمت القمح وتوجّه الفلاح إلى زراعتها "الكمون– الكزبرة– الحلبة– الحبة السوداء"، هذه الأسباب يجدها مراقبو الوضع الزراعي في سوريا أنّه بالإمكان تجاوزها والتغلب عليها إذا قامت الدولة بدعم المزارعين بالبذار والأسمدة ورفع سعر شراء القمح عوضاً عن شرائه من دول أخرى كروسيا.
"كامل أبو روج" تاجر منتجات زراعية، يشرح لأخبار الآن أسباب انخفاض مساحات زراعة القمح: "السماد أساسي للقمح وخاصة المروي وإلّا سيكون الانتاج ضعيفاً، وهو غير متوافر وأسعاره مرتفعة، لذلك يتوجه الفلاح إلى زراعة البقوليات مثل العدس والكمون والكزبرة والحبة السوداء، وكذلك سعر القمح غير مشجع فكيلو الكمون يصل إلى 800 ليرة والحلبة 200 ليرة والكزبرة 100 ليرة، بينما القمح فيباع بـ 70 ليرة، وهذا الفارق في الأسعار سببه أنّ تجارة القمح غير حرة ولا يسمح للتجار بتصديره، أما المنتجات الأخرى فتجارتها حرّة وتصدر لخارج البلاد"، ويضيف: أغلقت الكثير من الآبار بسبب ارتفاع أسعار المازوت وانقطاع الكهرباء، فالمزارع الذي كان يزرع 400 دونم قمح مروي لا يزرع حالياً أكثر من 100 مئة دونم.
ويرى "كامل" أنّ حلول هذه المشكلة تكمن في تأمين المستلزمات مثل المازوت والسماد ودعم سعر القمح ليصبح السعر موازياً لسعره في دول الجوار.
أما "بشير نايف" مزارع، ففضّل أن يزرع مائة دونم من أرضه بالكمون لأنها أكثر فائدة من القمح مادياً، إلّا أنّ بشير لا يعلم ما ينتظره هو وغيره من السوريين بسبب عزوفه إلى الكمون بديلاً عن القمح الذي لا بديل له في طعام السوريين.
مخاطر غذائية واقتصادية
انخفاض إنتاج القمح المحصول الاستراتيجي الأكثر أهمية، وخلو الصوامع منها، بات يهدد بمخاطر غذائية واقتصادية، أولها خطر ارتفاع سعر رغيف الخبز الذي يعدّ المادة الغذائية الرئيسية لدى السوريين، وليس آخرها ارتفاع أسعار الصناعات الغذائية المرتبطة بالقمح وهي كثيرة. كما أنّ الحكومة السورية أبرمت عقداً لاستيراد سبعمائة ألف طن من القمح من روسيا بسعر يقارب 200 دولارا للطن، وهذا لسد احتياجات حمص واللاذقية وطرطوس فقط، هذا العبء على الخزينة العامة للدولة كان بالإمكان تجاوزه بالاعتماد على القمح السوري الأكثر جودة من القمح الروسي.
يقول لأخبار الآن "سمير أبو مريم" الموظف في مؤسسة الحبوب في الحسكة، حول نقص القمح والمخاطر المستقبلية: "صوامع الحسكة أصبحت فارغة من القمح، بقي القليل فقط في صومعة "كبكا" يتم نقله حالياً للمطاحن لطحنه من أجل تأمين الخبز وإذا انتهت لن يبقى في الحسكة قمح، حينها يتوجب تأمينه من مناطق أخرى"، ويكمل: الخطورة باتت مؤكدة، فسابقاً كانت الصوامع تحتفظ باحتياطات ضخمة للحالات الاستثنائية أما حالياً فلا يوجد شيء، وإنتاج 2015 كلّه تمّ شحنه إلى مدن الساحل، وهذه السنة مساحات القمح المزروعة قليلة فالزراعات البديلة أصبحت تنافسها لارتفاع اسعارها، كانت الخطط الزراعية السابقة تشجع على زراعة القمح وتدعمه وتحدد النسبة المئوية للأرض التي على الفلاح أن يزرعها بالقمح أمّا حالياً فالخطط معدومة، ولا نعلم ما ينتظرنا في المستقبل من مخاطر غذائية، هذا ما قاله لنا سمير أبو مريم.
يرى المختصون أنّه لا حلّ لموجهة تراجع زراعة هذا المحصول سوى أن تقوم الدولة بواجبها تجاه هذا المحصول من خلال تأمين الأسمدة والبذار والمحروقات للمزارع، وشراء المحصول بأسعار مشجعة عوضاً عن استيرادها بالعملة الصعبة من دول أخرى.