أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)
في ظل غياب الرقابة التام عن المؤسسات والدوائر الحكومية في مناطق سيطرة النظام، بسبب انشغال النظام بالحرب التي يشنها على شعبه، بالإضافة لتركيزه منذ خمس سنوات على ما يخدم مصلحته بالبقاء على كرسي الحكم في المناطق التي يسيطر عليها على أقلَّ تقدير، تتفاقم معاناة السوريين في المناطق الخاضعة لحكم الأسد من حيثيات متعددة.
مدينة طرطوس التي يقطنها قرابة مليون شخص، هي أكثر المدن التي تشهد فساداً إدارياً بلغ درجات كبيرة، وذلك بسبب القرابة التي تربط الموظفين ببعض الضباط الكبار، وهو ما يجعل هؤلاء الموظفين على درجة كبيرة من إهمال تسيير المعاملات وشؤؤن المدنيين.
فساد الموظفين .. والعلاقات الأمنية
يحدثني "أحمد" الذي ذهب إلى مديرية النفوس والسجلات في المدينة لكي يقوم بتسجيل مولوده الجديد، حيث أمضى خمس ساعات على الطابور الممتد من البوابة إلى الكوة التي تجلس فيها الموظف: "ذهبت منذ الساعة الثامنة صباحا لأسجل طفلي بالنفوس، وبعد أكثر من أربع ساعات حتى بدأ الطابور بالتقدم، ونحن جميعنا لم نكن سوى ثلاثة عشر شخصاً، أي بإمكان الموظفة تسيير أمورنا في غضون عشر دقائق، لكنني اكتشفت عندما اقتربت من فتحة الكوة، أن الموظفة تقوم باللعب على جهاز الكمبيوتر "سوليتيير العنكبوت" وكانت تقاطع عملها وتكلم زميلتها وتسألها عن عدد المنظومات باللعبة، وكأننا رعاع عندها، وعندما صرخت فيها لكي تعجل بالإضبارة رمت الأوراق في وجهي، وقالت لي: اذهب لن أسجل طفلك اليوم".
"أحمد" وغيره كثيرون يتعرضون لملاسنة مع موظفي الدوائر الحكومية، وهم بطبيعة الحال مجبرين على مراجعتها، وتأتي تلك التصرفات من قبل الموظفين بعد حصولهم على الضوء الأخضر من قبل مدرائهم، بحسب أناس من المدينة.
"أبو قصي" أحد المراجعين، يقول: "المدراء أنفسهم مفسدون، لقد أكدت لي حادثة رأيتها بأم عيني، يجب أن يعي هؤلاء أنهم وُجِدوا لخدمتنا وليس العكس، ويجب أن تعيد الحكومة الرقابة الحقيقية، اليوم حتى الهيئات الرقابية تتقاضى الرشوة لتغطية الفساد في هذه المدينة، الحرب قائمة والحكومة منشغلةٌ بها، والفساد يطال كل شيء، ولا متضرر سوى المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة".
ظاهرة الرشاوى
أما عن انتشار ظاهرة الرشاوى، فيقول يسار: "من كان في جيبه نقوداً وقادر على دفع الرشوة، فإن معاملته ستسير بشكل سريع، راجعت صندوق الزراعة عدت مرات بسبب خطاً من المصدر، وبسبب ذلك تأخر راتبي التقاعدي ثلاثة شهور، وفي كل مرة يقول لي الموظف "الإنترنت مقطوع ولن نتمكن من تسيير أمرك دون برقية سريعة عندما تكون موجود: لكن في آخر مرة دفعت للموظف نفسه ألف ليرة فأنجز الإضبارة على الحال، وقال لي: كان يجب عليك فعل ذلك منذ البداية، وهنا أيقنت أنني أعيش في بؤرة الفساد التي ينبغي أن تكون أنموذجاً جميلاً للعمل الدؤوب بالنسبة للمؤسسات والدوائر الحكومية".
استمرار وضع الفساد الإداري في محافظة طرطوس، يجعل السكان يقفون أمام حلين لا ثالث لهما، إما تحمل ما يجري والانتظار ريثما تنتهي الموظفة من اللعب على الكمبيوتر، أو دفع الرشاوى، ومن يتقدم بشكوى فذلك لن ينفعه، كما يقول كل من يراجع تلك الدوائر.