أخبار الآن | خاص – سوريا (زينة العلي)
"أذكر كيف تم اعتقالي وزوجي واثنين من أصدقائه قرابة الفجر، كانت التهمة أننا خطفنا ضابطا بهدف طلب فدية، نعم زوجي وأصدقاؤه قد فعلو ذلك لكن الهدف لم يكن فدية. كان ذلك الضابط مديونا له فقرر زوجي أخذ الدين منه ولو بالقوة.أما أنا فكانت جريمتي أنهم ربطوا يديه بشال لي".
اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري في حلب، وبدأ التحقيق هناك. لم يصدق أحد أنني لم أتدخل بالأمر، وحين استدعي الضابط للشهادة أكد أنه يعرفني وأنني شاركتهم في الحادثة، ربما انتقاما من زوجي الذي وضعه مربوط اليدين في غرفة مجاورة، ولسوء حظه كان قد ترك جواله وجوال ذلك المخطوف على الطاولة في تلك الغرفة بعد أن نزع منه الشريحة فتمكن الأخير من فك وثاقه ووضع شريحته في أحد الاجهزة والاتصال بالأمن.
في مواجهة لي معه رجوته قول الحقيقة، لكنه أصر على أني شريكة في الجرم، تلقينا الكثير من المهانة والتعذيب إلى أن تم نقلنا إلى فرع الأمن العسكري "215" في دمشق. هناك كنت أسمع صراخ زوجي وأصدقائه، في غرفة التحقيق حيث كنا نجتمع في كل مرة بعينين مغمضتين بخرقة بالية لا زلت أذكر رائحتها القذرة الى الآن. رمى صديق زوجي البالغ من العمر 16 عاما كل التهم علي فأصبحت متهمة بتشكيل عصابة أشرار، تحت قضاء عسكري في ما يسمى محكمة ميدانية عسكرية، ولم أدرك ما معنى كل هذا.
في سجن عدرا
تحولت إلى سجن عدرا المركزي، كنت وحدي في قبو السجن بتهمة الإرهاب ولم يكن أحد يفهم ما معنى هذا، ثم بعد مرور عدة أيام جاءت إلى السجن صبية لبنانية تدعى "علياء قانصو" كانت متهمة بأنها تنتمي لتنظيم القاعدة وهي شيعية لبنانية وأبوها ضابط في الجيش اللبناني، كنا نعامل كما في الفروع الأمنية تماما. طعامنا بطاطا مسلوقة وبرغل ورز وأحيانا يتعمدون نسياننا بلا طعام. انضمت إلينا ثالثة هي إيمان من معرة النعمان. كان الطعام يفسد قبل أن يحل موعد آذان المغرب في رمضان، فلا نجد ما نأكله سوى الماء والخبز.
بدأت أعداد النساء "الإرهابيات" بالتزايد، حضرت الأختين "طوقاني" من حمص وهما أيضا ينتميان لمحكمة الإرهاب، إحداهن زوجة شهيد وأختها التي لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها، و"نايفة" ابنة درعا التي بقيت إلى الآن هناك في حين خرجنا نحن البقية متتاليات.
قيل لي أن مصيري الإعدام، أصبحنا أكثر من ثماني نساء، ثم عشرة فخمس عشرة، نتعرض للإهانة مع كل "تأمين" مسائي كوننا إرهابيات شاركنا في مؤامرة ضد الوطن!.
لم اكن أعرف الثورة، ولم تكن الأحداث قد وصلت إلى حلب. لكني عرفتها في السجن من خلال علياء ونايفة ونور كل منهن كانت تنتمي لمدينة مختلفة وكل منهن كان لها دور في هذه الثورة، مضت الاشهر ونحن جالسات لا نعرف لنا مصيرا.
بداية المحاكم والعمل في السجن
في النصف الثاني من عام 2012 بدأت النساء بالذهاب إلى "محكمة الإرهاب". بعضهن تخرج وأخريات يتم توقيفهن. فأصبحت هناك غرفة جديدة تسمى غرفة الموقوفات في بناء آخر، وممنوع علينا محادثتهن إلا اثناء التنفس ثم أحضروا للسجن في قبوه فتيان صغار "أحداث" متهمين بالإرهاب. لفت انتباهي من شبابيكهم المطلة على الباحة أنهم يعملون بالخرز فأعجبني ذلك وقام أحدهم بتعليمي وبعض الفتيات "فاطمة" من دمشق، ومع تزايد السجينات والسماح لنا بشراء طعامنا من الندوة الموجودة في السجن بدأت أبيع ما أصنع.
تهم غريبة وعنف
في عام 2013 شهر أيلول، كان هناك إضراب عن الطعام واعتصام في ممر الزنزانة كي يتم عرضنا على القضاء. بعدها بدأت ما تسمى "عمليات التبادل، خرجت "علياء" وكذلك الأختين "طوقاني" وبقيت مع "نايفة خضور".
تم عرضي على القضاء بعد أكثر من ثلاث سنوات، كانت المحكمة برئاسة القاضي العسكري "محمد كنجو"، لم تتجاوز جلستي الدقائق الخمس. أعادوني إلى السجن ويأست من خروجي.
فتيات ونساء يأتين ويذهبن وأخريات يجلسن بتهم مختلفة وغريبة، كتلك التي كانت تهمتها الطبخ للمسلحين وخاصة "البيض والبندورة" ومعها سلفتها المتهمة بالتذوق، وأخرى التي تجلس على سطح منزلها في جديدة عرطوز وتراقب الطيران، تعرفت على مثقفات ناشطات فهمت منهن معنى الثورة.
تغير مدير السجن، ازدادت القسوة علينا. طوال هذه السنوات لم أعرف أية أخبار عن أهلي في الحسكة. سمح لنا باستخدام الهاتف عام 2015. لم أجد من أتحدث إليه سوى إحدى صديقاتي التي تعرفت إليها في السجن والتي زارتني زيارتي الأولى وحققت لي أمنية الوقوف على شباك الزيارات.
عملت في السخرة كي أعيش في السجن ومرضت، فقد ظهرت في بطني كتلة مجهولة المصدر وانتشرت حولها كتل صغيرة، لم يوافق مدير السجن على نقلي للمشفى، وبعد أكثر من سنتين تمت الموافقة على إجراء عمل جراحي واستأصلت الكتلة.
بداية الحرية
جاءت المعجزة، ورقة تقول بأنني بريئة من التهم المنسوبة لي. كان باب الفرج قد فتح على مصراعيه لي. تحولت إلى ما يسمى "الأمن القومي". عدت إلى زنزانة صغيرة تجمع حوالي 7 معتقلات.
بعد شهر تم تحويلنا إلى الأمن السياسي في مبادلة لم نفهم مع من؟ ولماذا؟.
جلسنا أمام ضابط في مكتبه، كنت أرتجف فرحا بخروجي، لكنه وبعد عدة اتصالات أمر بإعادتنا فقد فشلت المبادلة. بقيت هناك في زنزانة الأمن القومي حوالي ستة أشهر، إلى أن تم نقلها إلى مبنى المحافظة في دمشق، وقمنا بلقاء المحافظ الذي حدثنا عن الوطن الذي أصبح بخير وعن تسوية وضعنا وعن عودتنا كمواطنات صالحات. وضع في يد كل منا 2500 ل.س أجرة طريقنا، صافحنا وقال اذهبن إلى بيوتكن.
لم أصدق أن الأمر في هذه اللحظة قد انتهى، خرجت بعد حوالي 5 سنوات إلى الشمس والشارع والهواء والناس، لم أجد أهلي فأخوتي في الحسكة في مناطق سيطرة "الوحدات الكردية"، وأختي مخطوفة منذ أكثر من سنة في حي برزة في دمشق، وبيتنا تهدم بسبب صاروخ اخترق سقفه.
بين صديقات عدة تجولت، جميعهن معتقلات سابقات، أحاول اليوم العودة إلى الحياة وما زالت بعد مرور أكثر من شهر على خروجي أقول: الحرية لكل صديقاتي في سجن عدرا وفي كل مكان.