أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها الأحمد)
تنطلق الأغنام لترعى بكثافة في حقول ريف إدلب هذه الأيام، محاولة أخذ أكبر قسط من الأعلاف المجانية التي تجود بها الطبيعة في مثل هذا الفصل من السنة بعد أن غدا الحصول على الأعلاف صعبا بسبب غلاء أسعارها في ظل الحرب.
تضرر الثروة الحيوانية
تواجه الثروة الحيوانية تغيرات وظروف لا تقل قساوة عن الظروف التي يواجهها الإنسان في هذه المنطقة من سوريا، فقد تقاسم الجميع أعباء الحرب ونتائجها وظروفها. "مروان" غنّام من قرية "الجدار" 50 عاما، يقول: "لدي 50 رأسا من الأغنام أطلقها للرعي هذه الأيام من الربيع، لأحاول تحقيق أكبر قدر من الأرباح عن طريق غذائها المجاني، فأسعار العلف ارتفعت كثيرا "كيلو الشعير" 115 ل. س وهو غذاء رئيسي مع التبن وهذا مكلف بالقياس لكمية الحليب المنتجة منها، وهذا أجبرنا على رفع أسعار الحليب والأجبان".
تاجر الأعلاف "محمود" من كفرنبل 60 عاما، يقول أن: أغلب الأعلاف نحضرها من مناطق النظام إلى المناطق المحررة وهي مكلفة بسبب غلاء أسعار المحروقات وإيجار النقل، فقد بلغت كلفة كيس العلف المركب بوزن 50 كيلو "60" ألف ليرة، وهذا يكفي طعام للبقرة الواحدة 5 أيام فقط.
"منصور" من قرية "المعصرة" لديه بقرة يقول أنها تعيله وتكفي عائلته، وبعد قياس استهلاكها للعلف يستطيع منصور الحصول على ربح 1500 ل. س في اليوم، ولذلك يؤكد أن أغلب العوائل التي تقتني أبقارا تكون من الطبقة الفقيرة والمتوسطة في المنطقة.
يوجد معمل للأعلاف في منطقة كفرنبل، لكنه تعرض للقصف ومات الكثير من عماله حينها في بداية عام 2015، ومن ثم نقل إلى مكان آخر وهو يحقق إنتاجا مقبولا ولكنه لا يكفي حاجة المنطقة، مع العلم أن المواد الأولية غالبا تكون مستوردة من مناطق النظام مثل "الذره، برسيم، كسبه"، وأحيانا الشعير.
القصف وتراجع الزراعة وتربية المواشي
لم تنج الحيوانات في المنطقه من آثار القصف بالقذائف والطيران الحربي، "ناصر زعتور" طبيب بيطري من كفرنبل لديه مكتب خاص لعلاج الحيوانات من الإصابات والأمراض، يفيد بأن هناك حالات إجهاض عديدة سجلت للأبقار في قرى جبل الزاوية وريف إدلب بسبب تأثر تلك الأبقار بالخوف من البراميل المتفجرة وأصوات الانفجارات، وكذلك الأمر بالنسبة للأغنام، حيث تعرضت للقصف والقتل مباشرة.
ومنذ بداية عام 2014 حتى الآن، خسرت المنطقة أكثر من 500 رأس غنم جراء القصف بالطيران والقذائف، كما حدث في مدينة "المعرة" عام 2015 حين استهدف الطيران الحربي سوقا للأغنام والخضار وقتل فيه العديد من الأغنام.
أما بالنسبة للأدوية، فيؤكد ناصر بأن أسعار أدوية الحيوانات ارتفعت بشكل كبير قياسا عن زمن ما قبل الثورة، فعلى سبيل المثال سعر دواء الالتهاب 3000 ل. س، أما في السابق كان سعره 200 ل س وذلك بسبب ارتفاع أجور وطريقة احضارها من مناطق
النظام إلى المناطق المحرره، ويؤكد تواجد الدواء التركي بالاضافه للدواء السوري وهذا يعني أنه متوفر حاليا في زمن الثورة ويقول ناصر بأن هناك تجارا مختصين يحضرون الدواء من أماكن النظام إلى المناطق المحررة أما فيما يتعلق بلقاحات الأبقار فهي متوفرة ولكن بأسعار باهظة فمثلا لقاح الحمل سعره 1500ل. س، وهناك انقطاع في بعض مواد التلقيح كالسائل الآزوتي وهو ضروري لعملية تلقيح الأبقار، وإن وجد فهو بأسعار باهظة جدا.
ظروف عده جعلت عدد الأبقار والأغنام والحيوانات يقل في هذه المنطقة، يقول ناصر: من خلال احصاءات قمت بها تبين أن عدد الأبقار في قرية كفروما وصل فيها إلى 3500 رأس بقر قبل الثورة، أما حاليا فيوجد فيها 800 رأس فقط، وهذا يعود إلى حركة النزوح والهجره التي تعرضت لها المنطقة، حيث باع الأهالي مواشيهم بسبب الاشتباكات المتكررة.
وينوه الطبيب البيطري إلى أنه في الآونة الأخيرة كثرت ظاهرة تهريب الأبقار السورية إلى تركيا عبر مهربين مختصين، وهذا التهريب يختص بسلاله محدده من الأبقار ذات مواصفات جيدة مقاومة للأمراض وذات إنتاج عالي من الحليب واللحم حيث يبلغ سعر البقرة الواحدة 4000 دولار بعد وصولها الأراضي التركية.
والهدف من التهريب هو رغبة الأتراك بالحصول على سلاله جيده من الأبقار، فضلا عن تهريب بعض الأبقار والأغنام إلى الرقة والعراق، كل ذلك جعل عدد المواشي ينخفض في محافظة إدلب وريفها قياسا عن زمن ما قبل الثورة.
ومن المشاكل التي تواجهها المواشي حاليا ظاهرة الجدري التي تتسبب بوفاة عدد كبير من الأبقار أو الأغنام حين تحل في منطقة معينة وذلك بسبب انعدام توافر اللقاحات.
رغم كل الصعوبات والحرب القائمه لا زال هناك الكثير من سكان المنطقه يحافظون على تربية المواشي مستعينين بما تبقى لديهم من عزيمة وصبر وإصرار.
"عماد" 60 عاما من قرية "معرة حرمة" لديه قطيع من الأغنام يبلغ عدده 60 رأسا، يقول: مهنة تربية الأغنام ساعدتني على العيش الكريم في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، حاليا أقوم ببيع حوالي 45 كيلو جبن كل يومين وهذا يحقق لي مقدار 27 ألف ليرة ربح، خاصة في أيام الربيع التي يكون فيها العلف مجانا من الطبيعة، أما في الفصول الأخرى فأبيع خواريف للذبح للاستفادة من لحومها وهذا أيضا فيه ربح لي.
"قدور" 35 عاما، تاجر من حلب استطاع الاستفادة من الإنتاج الوفير للألبان والأجبان في مثل هذا الفصل، وأصبح يشتري كميات كبيرة من الجبن واللبن بسعر 600 ل. س لكيلو الجبن الواحد على سبيل المثال، ومن ثم يأخذها إلى حلب ليبيع كيلو الجبن بـ 1000 ل. س، وبذلك يستطيع قدور أن يتاجر ويربح. أخيرا يقول قدور: "لن أتخلى عن تربية الأغنام يوما مادامت المساء تمطر وينبت الزرع".