أخبار الآن | الريحانية – تركيا (وضحى العثمان)
بين حق لا يمكن المساومة عليه وواقع سلبت فيه كل الحقوق وهدمت كل قواعد الحياة، يترنح الشعب السوري على إيقاع الحرب التي دخلت عامها السادس، لتصبح المأساة أكثر عمقا والصرخات أكثر دويا وآذان المجتمع الدولي أكثر صمما.
إنها الحرب التي دارت وتدور رحاها على السوريين أطفالا ونساء وشيبا وشبان، لتصبح الأرامل والثكلى هن غالبية النساء، وليصبح الأطفال يتامى إن لم يكن من الأهل فمن الطفولة.
مركز ابن رشد للاستشارة النفسية
أمام هذا الواقع المأساوي الذي فرضته الحرب، وأمام استهتار المجتمع الدولي بما يجري، وأمام ديمومة الحرب واستمرار أهوالها من قتل وتدمير وتشريد، رأى السوريون ضرورة العمل لترميم ما قد أفسدته الحرب، فوحدوا جهودهم الفردية ليتم الاعتماد لتشكيل "مركز ابن الوليد" للاستشارات النفسية والطب الطبيعي.
لم يكن تشكيل هذا المركز اعتباطيا، إذ لوحظ على الكثير من السوريين المنكوبين سوء توافق اجتماعي وظهور بعض الاضطرابات الاجتماعية والنفسية والعقلية، ولذا فقد رأى القائمون على هذا المركز أن يوجهوا جهودهم على ثلاثة مستويات: "علاجية، وقائية، تطويرية".
فئات مستهدفة وبرامج محددة
ولأن الحرب طالت المجتمع كله، كان هذا المركز لجميع المتضررين نساء وأطفال ومصابين حاملا عدة أهداف إنسانية خالصة يمكن تلخيصها بـ:
"1- تقديم الخدمات الإنسانية المجانية للمنكوبين، ويقوم عليهم خيرة المختصين والمختصات بالطب النفسي والطبيعي وبخبرات عالمية وهم من السوريين حصرا.
2- تقديم العلاج النفسي والرعاية لمصابي الحرب "وخاصة ذوي الإصابات الدائمة" وإعادة تأهيلهم ليصبحوا فاعلين، وتصعيد الدوافع لديهم لمتابعة الحياة بفاعلية دون اتكالية.
3- التوجيه والدعم النفسي، وإعادة تأهيل الأرامل والأيتام لحياة جديدة بعد أن قام النظام بتشرديهم وقتل ذويهم.
4- متابعة حالات الاضطراب السلوكي والانفعالي المختلفة لجميع فئات الشعب السوري النازح والناجمة عن التغيرات الإجتماعية والبيئية، وظروف الحياة الحادة والمفاجئة.
5- دعم جسور التواصل الإلكتروني مع الداخل السوري المحاصر لصعوبة التنقل بين الداخل السوري والخارج التركي المضيف، وذلك بغية تأمين الاستشارات النفسية العصبية والتنموية في المراكز الطبية والمخيمات ولكل المحتاجين.
6- جمع وتنظيم المعلومات التي تم جمعها والعمل عليها منذ سنوات في الأراضي التركية والداخل السوري، لتسخير كامل الإمكانيات المتاحة وإيصال الفائدة للمحتاجين السوريين.
7- توجيه الجهود على المستويين العلاجي والتطويري بشقيه الفردي والجماعي، وتقديم كامل الخدمات المجانية اللازمة لذلك".
الدكتور "حسن الكردي" مدير المركز، يقول لأخبار الآن: "كان عملي في الماضي يأخذ الطابع المادي، إذ أنه مصدر رزق. أما الآن فأقدم العمل مجانا ولكن أشعر بسعادة كبيرة عندما أساعد هؤلاء الناس وخاصة الأطفال لاسيما عندما يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية".
عمل المركز وكوادره
يعتمد عمل المركز على تشخيص الحالات المرضية ومن ثم تقديم جلسات علاج فردية وجماعية حسب الحالة والإصابة، ويقوم أيضا بمتابعة الأهالي من خلال دورات تدريبية وإرشادات حول المهارات الوالدية، هادفين من ذلك الوقاية من وصول المصاب إلى حالة المرض النفسي المزمن، وأغلب الأهالي يعانون أصلا من اضطرابات نفسية قد يكون وجودهم في المركز ليس علاجا نهائيا لكنه يخفف الكثير من وضعهم النفسي المتردي، وبالتالي ليعودوا إلى ما كانوا عليه سابقا.
تقول "أم خالد": "ابنتي كانت تعاني من العزلة والوحدة، والآن بعد زيارات متكررة للمركز أصبحت بحالة جيدة. نحن الآن أحوج إلى تلك المراكز التي هي بمثابة جرعات من الحياة, فنحن بحاجة للتخلص من عقدنا التي كونتها ظروفنا الصعبة".
أما كوادر المركز فقد تلقّت تدريبا مناسبا من قبل الدكتور "حسن الكردي" وأصبحوا قادرين على التعامل مع الحالات التي تصل إلى المركز بمهنية عالية. أما الحالات التي يصعب عليهم التعامل معها فيحيلونها إلى الدكتور حسن.
المعايشة أصعب من الحديث
معروفة تلك الآثار التي تصيب الأطفال نتيجة الحروب، أولئك الأطفال الذين لم تشفع لهم البراءة والطفولة لتجنيبهم أهوال الحرب. هذه الآثار يمكن سردها ولكن تجارب الآباء والأمهات مع هؤلاء الأطفال هي التحدي الذي يواجه كل أسرة. فمن السهل أن نقول للآباء والأمهات: لاتدعوا أطفالكم يرون مشاهد القتل والدمار على شاشة التلفاز، ولكن ماذا نقول لمن يعيشون التجربة حية؟ وكيف تفسر الأم لطفلها اهتزاز بيتهم الناجم عن القصف؟ وانهيار البيت المجاور وموت زملاء وأصدقاء أطفالها؟ كيف يمكن تفسير ما يجري للأطفال الذين وجدوا أنفسهم في أتون الحرب؟.
يواجه الأهل تحديات جمة في التعامل مع أطفالهم أثناء الحروب، لذلك تقع على عاتقهم مسؤولية معالجة أطفالهم، وأول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات عند تعرض الطفل لظروف مروعة في الحرب هو أن يحيطوه بالاطمئنان ويقدموا له الدعم النفسي وأن يطمئنوه بأن كل شيء سيكون على ما يرام، مع تشتيت فكره عما جرى. أما الأطفال الأكبر سنا فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن وأن القصف لن يطالهم، مع عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري.