أخبار الآن | الريحانية – تركيا (محمد سلهب)
في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها السوريون في بلد اللّجوء تركيا، والتي تتلخص في غلاء المعيشة، وقلّه فرص العمل، وخصوصا في المناطق الحدودية كمدينة الريحانية، التي بات فيها الحصول على العمل من الأشياء النّادرة. ما جعل رحلة البحث عن العمل أمرا شاقّا، وغالبا ما تكون تلك الرحلة ذات ثمار في حال كان الباحث عن العمل من أصحاب الكفاءات، والخبرات، أو أنّه يتقن حرِفةً ما، يستطيع من خلالها مزاولة عمل يتقنه.
العمال السوريون المياومون
إلا أنّ ذلك ليس بالأمر اليسير على من هم دون ذلك، أي الذين لا يملكون أية مهارات، وتقتصر أعمالهم على الأشغال البدنية التي لا تحتاج أيّة خبرات، وتعتمد على المجهود العضلي "كتحميل البضائع، والمواد، ونقل أثاث المنازل، وبعض ورش البناء، والزراعة" ما يدفع البعض منهم للوقوف لساعات طويلة على الأرصفة، وفي الساحات العامّة، التي يتجمع فيها عدد من العمّال ممن لم يحالفهم الحظّ في الحصول على عمل يغطي نفقاتهم الشهرية أو حتى اليومية.
ينتظرون بفارغ الصبر من هم بحاجة لعمّال، ربما لإتمام ورشات استدعى الأمر زيادة عدد عمالها، أو أمور أخرى، كتحميل الأثاث، ونقل البضائع، وعادة ما يكون عدد المنتفعين من خلال هذه الفرص قليل، غير أنها ذات أجور قليلة.
"محمود" أحد الشبّان الذين يرتادون الساحات بشكل مستمر يتحدث لأخبار الآن عن تجربته قائلا: "بعد دخولي إلى تركيا ومدينة الريحانية بالتحديد، باشرت في البحث عن عمل أكسب منه قوتي اليومي، ولربما أجمع القليل من المال لأُعيل به أسرتي في الداخل، إلا أنّى بحثّت مراراً وتكراراً وطرقت جميع الأبواب، لكني لم أحظ بأية فرصة، وكانت فرصتي الوحيدة هي أن أقف هنا على "دوار الشجرة" أنتظر أي مسؤول عن ورشة يحتاج لعمال، أو أشخاص يحتاجون لمساعدة في نقل أثاث منزلهم، أو حتى تحميل بضائع لأصحاب المحلات التجارية، وما زالت على هذه الحال منذ ما يقارب الشهرين".
فيما يضيف "عبد الله": "العمل لا يكون بشكل يومي، وإنما قد يمرّ عليك عدة أيام دون أن تحظى بفرصة واحدة، أو أنك إذا ما حصلت على واحدة، يكون عملك لساعة، أو اثنتين، ولا يترتب عليه سوى أجر بسيط، ولكنك مضطرٌ للعمل فليرات قليلة خيرٌ من عدمها".
أجور منخفضة واستغلال أرباب العمل
هذا ويستغل أرباب العمل حاجة السوّريين في الساحات، فيقدموا لهم أجور زهيدة لأعمال شاقة قد تطول، وفي بعض الأحيان يتم حسم جزء من قيمة الأجر، دون أي سبب يذكر لا يقابله أي اعتراض من قبل العامل السوري نتيجة لغياب حماية حقه في العمل، حتى لو لم يُعطى الأجر أصلاً.
"أبو صهيب" يقول: "ساعاتٌ طويلة من الانتظار، وعند قدوم الفرصة تبدأ المفاوضات، والمناقصات، صاحب العمل، يبحث عمّن ينجز له أعماله بأقل أجرٍ ممكن، وعندما ترسو المناقصة على أحدهم، فإنّ العمل سيكون من نصيبه، قد تكون حاجته للمال ملحّة، إلا أنه سيضرّ بباقي العمّال المتواجدين في الساحة، ويبخس من حقوقهم".
شكلٌ آخر من الاستغلال يوضحه "أبو محمد" من خلال سرّده لحادثة مرّت معه في إحدى الورشات: "بعد الاتفاق مع صاحب العمل على الأجر، حيث سنتقاضى أنا وثلاثة من رفاقي قيمة 200 ليرة تركية مقابل طلاء غُرفتين، تفاجأنا بعد انتهائنا من العمل أنه قدم لنا فقط 170 ليرة تركية، وكانت الحجّة أنه لم يبق لديه المزيد من المال، وهذا ما مرّ مع عدد من الشبّان الذين قابلناهم هنا".
صعوبات كثيرة في الحصول على لقمة العيش، تبدأ بقلّة فُرص العمل، وتنتهي باستغلال أصحابه لحاجة السوريين، وسط غياب كامل لمن يدافع عن لحقوقهم، في وقت ضاقت بهم السبل في بلد لم يكن خيارهم، وإنما فرض عليهم، بعدما أرهقت سنوات الثورة الخمس كاهلهم.