أخبار الآن | بغداد – العراق – (رويترز)
على الرغم من أنه لم ينل قسطا يُذكر من التعليم النظامي كما لم يحظ بتدريب رسمي فإن الفنان التشكيلي العراقي عبد القادر النائب نجح في تحقيق شهرة واسعة لنفسه باعتباره صاحب يد تستحق أن تُلف في الحرير.. كما يُقال. فهو يُحيل قطع الخُردة المعدنية إلى أعمال فنية فريدة من نوعها.
والورشة التي ينحت فيها النائب (24 عاما) أعماله المتميزة من قطع خُردة لا قيمة لها تقع في منطقة الدورة بالعاصمة العراقية.وينحت الفنان الشاب أشكاله المبتكرة من صواميل ومسامير وأجزاء سيارات قديمة وغيرها من القطع المعدنية المهملة التي يلحمها معا بذكاء لتكوين أشكال فنية فريدة.
وبدأ شغف النائب بالفن وهو في سن المراهقة وأمضى سنوات في تعلم وممارسة فن الحفر والنقش على الخشب والحجر قبل أن يحول اهتمامه بالكامل إلى فن الخُردة ليعلم نفسه ذاتيا بعد أن اضطر لترك المدرسة مبكرا لكي يعمل من أجل مساعدة والده المريض.
معمل "تدوير النفايات" في ريف إدلب .. مشروع صديق للبيئة ومواد مفيدة للاستهلاك
وجاء تحول النائب للخردة قبل نحو عامين بعد أن ابتكر منحوتة لدراجة نارية طولها خمسة سنتيمترات بتفاصيل دقيقة وكل مكوناتها من أجزاء ساعات قديمة بما في ذلك التروس والصمامات.
فهذه المنحوتة فجرت اهتمامه بفن الخُردة فبدأ يبحث عنها كمتنفس إبداعي يتطلع لأن يحقق فيه تفوقا وبروزا.
وقال الفنان عبد القادر النائب وهو جالس وسط ورشته التي تعج بأنواع مختلفة من معادن الخُردة "نميت موهبتي بنفسي. ما قدرت أدرس بأي مكان أو أطور هاي الموهبة أو أدرس بغير مكان . قدرت أن أشتغل الكثير من الأعمال. اشتغلت تقريبا 22 خامة فنية لحد ما وصلت لخامة السكراب سكراب آرت.. فن الخردة. هذه الفكرة هي إني بعد أن أردت أن أكون مختلف وأردت أن أعمل بخامة تفيد المجتمع. خامة أقدر أخدم بها المجتمع انه أكون صاحب فكرة. صاحب إرادة شفت هذا الفن. شفت هذا الفن عالمي بكل البلدان يحافظون من خلاله. يقدرون يحافظون على البيئة ويقدرون من خلاله ينمون عقل الأطفال من خلال عدم تبذيرهم المواد ومن خلال محافظتهم على البيئة."
ويعمل النائب حاليا في نحت روبوت ضخم عبارة عن نسخة مصنوعة من الخردة لهارفستر أو الصياد القاتل الذي ظهر في فيلم الحركة والخيال العلمي الأمريكي (ذا ترمنيتور).
وتظهر على طاولة بجوار الفنان منحوتة نملة معدنية مصنوعة من الخردة وكاميرا تبدو حقيقية ومنحوتة دراجة نارية وعدة روبوتات صغيرة كلها منحوتة من الخردة أيضا.
ولأن فن الخردة غير معروف على نطاق واسع في العراق فقد كان العراقيون يستغربون ويستنكرون تنقيب النائب عن الخردة في الشوارع ومكبات النفايات الأمر الذي دفعه إلى إنشاء صفحة على موقع فيسبوك يتحدث فيها عن هذا الفن بالتفصيل ويعرض أعماله الفنية فيها أيضا.
فلسطيني في غزة يصنع آلة حفر من المعدن الخردة
ويوضح الفنان الشاب أن هذه الصفحة ساعدته كثيرا في اكتساب قاعدة أتباع عريضة لدرجة أنه بدأ عبرها يتلقى طلبات من عملاء لأن يصنع لهم قطعا فنية معينة.
وقال عبد القادر النائب "قبل سنة ونصف من بدأت بها ماكو (لم يكن) أي مساعدة. الناس مستغربة شنو فن الخردة لحد ما قدرت أأسس أول بيج..أول صفحة اسمها فن الخردة على الفيس بوك تبث من العراق مختصة بهذا الفن بكل تفاصيله وحذافيره. بعد الفكرة الناس طلبت مني أطور الموضوع فصنعت أعمال بروفيشنال (احترافية) شافتها الناس. عُرضت بمعارض عراقية. بأماكن. بالوزارات. بالمدارس. بكل مكان. بالشوارع."
وساعد صديق النائب في الآونة الأخيرة في افتتاح ورشة صغيرة له يعمل فيها ويعرض ويبيع أعماله الفنية. وعلى الرغم من ذلك أكد أنه لا يبيع أعماله لمن لا يُقدر الفن حق قدره.
وأضاف الفنان العراقي "أنا ما كنت أبيع. أنا كنت أنشر الأعمال فقط. أنشرها للعرض لكن من فتحت ورشه وأسست ورشة مع صديق هو داعم لي. فتح لي المكان كله ودعمني بالمواد والعدد وأني وإياه شراكة بالموضوع أصبحت الورشة متعطشة هناك لازم صرفيات (مصاريف). لازم حتى أبقي الورشة هذه مفتوحة للناس. هذا مكان للناس أي واحد يأتي هنا راح يشوف الأعمال يشتريها يأخذها حتى ببلاش. ييجي يشوفها. فقدرت انه أحاول أبيع الأعمال لكن ما أبيعها لأي أحد كان. يعني ما أبيعها لأي إنسان عادي."
ويوضح النائب أن المعادن الخردة مثل قطع اللغز التي يمكن إعادة ترتيبها لتكوين منحوتة فريدة من نوعها.
وتستغرق كل قطعة من الفنان لإخراجها في صورتها النهائية ما بين بضع ساعات إلى أكثر من شهر.
ويبين الفنان الشاب أنه على الرغم من وجود ألوف الأطنان من كل أنواع الخُردة في العراق فإن الوصول إلى حيث توجد تلك الخردة صعب جدا ومرهون بالحصول على تصريح من بلدية بغداد الأمر الذي يجبره على البحث عن الخردة في الشوارع أو في مكبات القمامة.
ويقول النائب إنه يؤمن بإمكانية تحويل الخردة إلى كنز ثمين من أجل خفض التلوث والترويج لاقتصاد صديق للبيئة لا يعتمد كثيرا على بث ثاني أكسيد الكربون في الهواء وابتكار نوع فريد من الفن. ولذلك فإنه يقضي معظم وقته في البحث عن معادن خردة يمكنه الاستفادة منها في فنه على الرغم من التعليقات الساخرة من كثير من الناس.
وأضاف الفنان "أروح ألم مواد سيارات مستهلكة موجودة بالشارع. أبحث عن المواد بنفسي. أروح ألم المواد. أجمعها بنفسي. أنزل بالكاع. ألم نفايات. الناس انتقدوني :شو تسوي (ماذا تفعل)..عيب. لكن أنا ما خجلت ولا ترددت ثانية واحدة."
ويوضح النائب أنه يعتزم الاستمرار في صناعة منحوتات من معادن الخردة ويأمل في إقامة أول معرض شخصي له في المستقبل القريب.