أخبار الآن | دمشق – سوريا (قيس الدمشقي) 

تقف العجوز الطاعنة في فقرها بعد ان استجمعت ما تبقى لها من قوة متكئة على سنوات عمرها الثمانين لتلتقط صورة مع الورقة التي جمعت أسماء أولادها الستة الذين ماتوا قربانا للنظام وبقائه. 

لعل هذه الصورة تصل إلى من ينظر في حالها المعدم، من أولئك الذين فداهم أبناؤها بأرواحهم فمنحوهم لقب شهداء وقدموا لهم توابيت وسجوهم بعلم واستكانوا إلى الكراسي التي يسقيها دم الفقراء.

اسمها للمصادفة على إسم بلدها (سوريا حبيب علي) وهي من إحدى قرى مصياف التابعة لريف حماة، الذي يعتبر خزانا بشريا للمقاتلين إلى جانب النظام من الطائفة العلوية.

فتلك القرى معروفة بفقر أهلها وضيق حالهم وكان معظم أبنائها يتطوعون في الجيش أو الأجهزة الأمنية، ومع بدء الثورة في البلاد ارتفعت نسبة التطوع إلى أعلى درجاتها حين أقنعهم النظام بأن الحرب تستهدف وجودهم، فإذا بهم ينساقون إلى المعارك رجالا ونساء.

ويكتشفون بعد فوات الأوان أن النظام قد قام هو بما حذرهم منه حين أفرغ تلك القرى من أهلها أحياء وبقي فيها العاجز والعجوز يتناثرون بين مقابر قتلاهم ويستجدون تلك الجمعيات التي استحدثها النظام لذر الرماد في العيون مثل جمعية "دعم ذوي الشهداء" وصندوق الشهداء وغيرها.

اقرأ أيضا :

 طالبة طب سورية تتفاجأ بأخيها المفقود في مكان لم تتوقعه!

داعش يستخدم النساء.. فإلى أي درجة بلغ يأسه؟

داعش يناقض نفسه ويستخدم النساء في الحروب والقتال
فـ "سوريا حبيب علي" التي قدمت ستة من أبنائها لم تحصل حتى على ما يسد رمقها، فلا تعويض ولا رواتب ولا هم يحزنون.. تنام على فراشها في ذلك المنزل القروي المتهالك ولها أمنية واحدة بأن تلحق بأبنائها حيث تقول (أشرف من هالعيشة – عيشة كلاب).

كما أن هذه المرأة لم تحصل على أدنى رعاية طبية على الرغم من وضها الصحي المتردي، حيث يقول أحد جيرانها (منشوفهم عالتلفزيون بيكذبوا ويكذبوا وبيبكوا على الشهداء، ولا حرامي منهم عطاها قرش واحد تتعالج فيه).

فيما تقول قريبتها وهي ليست أصغر منها بكثير (بتفيق الصبح بتتنقل من قبر لقبر بين ولادها، وبتقول يا أمي وين رحتوا يا أمي – موجوعة – مرضانة – تعالوا يا أمي).

قصة هذه المرأة أثارت أولئك الموالين للنظام قبل معارضيه وكشفت عن الحنق الذي يخفيه أولئك من فساد أسيادهم وسرقة القتلى قبل الأحياء والاكتفاء بالطبطبة على كتف العائلات النازفة أثناء الجنازة والتوجه بعدها إلى تقاسم إرث أولئك المساكين من تعويضات وتكاليف مهرجانات وفعاليات وحلقات دبكة تخليدا "للشهداء".

 

ويحكي المؤيدون للنظام السوري عن تمييز ومحسوبيات بين القتلى. فبعضهم يفتح بموته مغارة علي بابا لذويه ويطلق يدهم باسمه تشبيحا وسرقة في بعض قرى جبلة والقرداحة واللاذقية. فيما يتم التعامل مع أبناء قرى مصياف وطرطوس والعلوييون المنحدرون من قرى الجولان السوري في عين فيت وزعورة – كدرجة ثانية أو ثالثة.

وفي أحسن الأحوال يحصلون على تعويضات شهرية تبلغ قيمتها بين 7 و 15 دولار شهريا عليهم أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا منها أو أنهم يكتفون بطلب الموت مثل العجوز سوريا حبيب علي، بعد أن أصبح معظم معيليهم من سكان القبور ليبقى أولئك في القصور.

"سوريا حبيب علي".. قدمت أولادها الستة قربانا للنظام ولا تجد قوت يومها

"سوريا حبيب علي".. قدمت أولادها الستة قربانا للنظام ولا تجد قوت يومها