أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)
علامات الخيبة التي ارتسمت على وجوه أهالي مدينة طرطوس الساحلية، كانت واضحة كالثلوج التي تكسو المدينة. لكن أهل المدينة لم يستطيعوا أن ينظروا للثلج دون أن تخالط بياضه حمرة دم أبنائهم الذين قضوا أثناء وجودهم في جيش النظام يقتلون إخوانهم في الوطن.
قرار الخدمة الاحتياطية الجديد
اعتاد أهل مدينة طرطوس وكل القابعين تحت سقف الأسد، أن ينتابهم الشعور بالخوف والقلق إثر كل قرار يصدره النظام، لأن هذه القرارات ومنذ ست سنوات لم تكن إلا "فرمانات" عسكرية ضد الشعب، كما يقول المواطنون. وآخر تلك القرارات كان بخصوص الخدمة الإلزامية، يقضي برفع سن الاحتياط إلى خمسين عاما، وإلغاء إعفاء أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات من الخدمة الاحتياطية.
"محمد ابراهيم"، مواطن من مدينة طرطوس قال لأخبار الآن: "إن هذا القرار سيجعل مدينة طرطوس خالية من الرجال، فأغلب شبابنا أصبحوا مجرد نعوات وصور على حيطان المدينة، أو عاجزين بعد بتر أحد أطراف، أو مهاجرين".
حواجز النظام المنتشرة بكثرة استلمت بحسب ناشطين قوائم جديدة بأسماء مواطنين طلبوا مؤخرا للاحتياط. وكان تشكيل "الفيلق الخامس" وترويج إعلام النظام ورجال الدين الذين حثوا المواطنين للانضمام لهذا الفيلق الجديد، ليبقى "علم الوطن مرفرفا في السماء" كما قال خطيب الجامع الأموي.
هذا القرار لاقى امتعاضا و تنديدا شعبيا صامتا، لأن الصمت هو القانون رقم 1 في دولة الأسد، لكن ذلك لا يجدي نفعا في دولة اعتاد القانون فيها أن يكون آلة موسيقية بيد المتنفذين، وسوطا على ظهور الشعب.
"علي" طالب جامعي وأخ لجنديين قضيا في صفوف الأسد، يقول: "هذا القرار كغيره من القرارات، لا ينطبق إلا على الذين لا يملكون المال ليدفعوا "رشوة" لشعبة التجنيد، أما أبناء المسؤولين والتجار، فهم
بمنأى عن تطبيق أي قانون، فهم القانون بحسب رأيهم".
نقص في العنصر البشري
لم تخل آراء الناس من التهكم، و تحميل مسؤولية ما يحدث لضباط فاشلين، بحسب ما قالوا، فالمعارك التي يخوضها النظام قبل أن تنقذه إيران وروسيا بالجيوش والعتاد، كانت تنتهي بخسارة فادحة، وهروب عشوائي، يسمونه "انسحابا تكتيكيا".
"باسل الجردي" جندي احتياط في جيش الأسد يقول لأخبار الآن: "هذا القرار يدل على نقص حاد في أعداد قوات الأسد، وسبب ذلك أن الضباط الذين يصدرون الأوامر لا يملكون أي حس وطني أو أخلاقي، فهم يرمون الجنود إلى الموت، ما الذي يمنعهم من ذلك فأبناؤهم ليسوا في صفوفنا".
يدل القرار الجديد على نقص كبير في صفوف جيش الأسد، الذي مازال يضحي بجنوده ليحصل على نصر ولو كان مؤقتا؛ يضع مئات العوائل من طرطوس وغيرها في دائرة الخسارة والحداد على أبناء لم يبق منهم إلا صورة على جدار.
"أم حسن" خسرت ولديها الجنديين في صفوف جيش الأسد، تقول: "فقدت ولدي حسن وكريم، ولم يبق للبيت معيل سوى زوجي، البالغ من العمر 47 عاما، ووفقا لهذا القرار سيأخذونه للخدمة، ويصبح بيتنا بلا رجل وبلا سند". أم حسن وجهت سؤالا وهي لا تريد الجواب، لأنها تعرفه جيدا، : لماذا لا
يشارك أبناء المسؤولين في خدمة الوطن؟ هم يأكلون شهد الوطن في بيوتهم، ونحن نأكل عجره في الجبهات ونموت.
أساتذة الجامعات في خضم المعارك
أما أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات فقد ألغى القرار الصادر إعفاؤهم من خدمة الاحتياط وهذا ما سينعكس سلبا على الجامعات، التي تفتقر بالأساس إلى الكوادر التدريسية، فأغلب أساتذة الجامعات بين قتيل و معتقل و مهاجر، فلم يشفع للأساتذة الجامعيين قيمتهم العلمية.
"سارة" طالبة في كلية الآداب تقول: لكل إنسان في هذه الحياة دور، ودور أساتذة الجامعة هو التعليم للنهوض بالمجتمع الذي بات على شفا حفرة من الانحلال، وهذا القرار يجب أن يشمل المغنين والممثلين، بدل أساتذتنا، لأننا نعاني أصلا من نقص في كوادر التدريس. النظام ليس معنيا بالعلم الذي تحارب الأمم لأجله، فهو طريقها للوصول إلى المجد، لكن نظام الأسد مستعد لزج الرجال والنساء والأطفال، علماء وغير علماء في أتون حربه على شعبه الذي طالب بالحرية، غير آبه بعدد الضحايا، وبانهيار المجتمع، فالسوري إلى القبر والأسد في القصر، كما يقول السوريون".
الفيلق الخامس وما قبله من رابع وغيره، وقرارات التعديل التي تطال قانون الخدمة الاحتياطية والإلزامية، كلها ستجبر السوريين للخروج من دائرة الوطن، الذي لا يقبل بهم إلا جنودا، يضحي بهم حيث شاء، ويكرمهم بتابوت من أجل بقاء الأسد.
اقرأ أيضا:
خروج مركز الدفاع المدني في حي الوعر المحاصر بحمص عن الخدمة