أخبار الآن | دمشق – سوريا – (قيس الدمشقي)
شكل احتلال داعش مدينة تدمر والسيطرة عليها وعلى محيطها ضربة قاسية لنظام الأسد على مختلف الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وإن كان الاهتمام بحلب محليا وعربيا وعالميا قد جعل من التأثيرات السياسية والعسكرية لخسارة تدمر تتراجع إلى مرتبة متأخرة من الأخبار والتحليلات، فإن الخسارة الاقتصادية الكبيرة أرخت بظلالها من اليوم الأول على حياة السوريين وبانت آثارها جلية في قطاع الطاقة والنقل وأسعار السلع.
فالمدينة الأثرية الاستراتيجية في منتصف البادية السورية محاطة بحقول الغاز والنفط التي كانت آخر مايملكه النظام من ثروة باطنية للطاقة مثل حقل الشاعر وحقل حجار والمهير وجزل.
وكانت هذه الحقول تمد محطات توليد الطاقة الكهربائية بنصف حاجتها من الغاز على الأقل وخاصة في دمشق وحمص وحماة والساحل، إضافة إلى تأمين الغاز المنزلي وعشرات آلاف البراميل من النفط يوميا التي تساعد في تكرير بعض المشتقات من ديزل وبنزين ضمن مصفاتي حمص وبانياس.
من اليوم التالي للهجوم الذي شنه داعش على حقول الغاز ارتفعت ساعات التقنين في العاصمة دمشق من 3 ساعات إنقطاع مقابل ثلاث ساعات تشغيل، إلى أربع ساعات مقابل ساعتين، لتنخفض في بعض المناطق العاصمة ساعات الكهرباء إلى ساعة واحدة فقط مقابل خمس ساعات انقطاع.
وفي مناطق من الريف الدمشقي القريب لم يعد هناك أكثر من ساعتين متقطعتين للكهرباء طوال اليوم.
والأمر ذاته في مدن وريف الساحل الذي يعد معقل النظام الرئيسي وخزانه البشري.
وقد صرحت وزارة الكهرباء علنا بأنها لجأت إلى احتياطي مادة الفيول لتشغيل محطات توليد الكهرباء، فيما يقدر اقتصاديون سوريون أن كميات الاحتياطي المتوفرة لم تعد تكفي أكثر من شهر على الأكثر وفق برنامج التقنين المعتمد حاليا.
كل ذلك جاء في أصعب الظروف المناخية مع اشتداد وطأة الشتاء في البلاد، التي تعاني بالأصل نقصا كبيرا في المشتقات النفطية ووسائل التدفئة، فقد ارتفع سعر لتر المازوت " إن وجد " بين 200 و 400 % في السوق السوداء، كما تواجه السوق فقدانا كبيرا في الغاز المنزلي حيث ارتفع سعر الجرة من 2700 ليرة سورية إلى 10 آلاف أو أكثر في السوق السوداء أيضا. فيما يحتكر عناصر مايعرف بالدفاع الوطني المتطوعين على حواجز النظام معظم الجرات التي يتم توزيعها خاصة وأنهم يشرفون على عمليات التوزيع، ومن ثم يبيعون تلك الجرات للمواطنين بأسعار مضاعفة.
وعليه فإن جميع السلع والمواد الغذائية المرتبطة بالغاز والكهرباء ارتفعت بشكل جنوني بعد أن اضطر أصحاب المحال إلى دفع مبالغ مضاعفة لتشغيل المولدات أو تحضير بعض الأطعمة.
وهنا يقول أحد الحمالين الذين يتواجدون بالقرب من سوق الخضار في دمشق (صار قرص الفلافل ب 20 ليرة – صار بدي احمل السوق كلو لحتى آكل سندويشة فلافل أنا وأولادي – على شرط تكون السندويشة فيها 3 أقراص مو أكتر – لأنو أي قرص فلافل زيادة بينخرب بيتي ) ويبتسم ابتسامة صفراء ويذهب متمتما ( قال قرص الفلافل ب 20 ، إي أنا كلي مابجيب بسوق الغلا 20 ليرة).
هذه الخسارة المباشرة التي لمسها السوريون من فقدان حقول الغاز والنفط ، لها تداعيات كارثية على النظام الذي سيضطر إلى رفع نسبة الاستيراد من الفيول والغاز المسال والديزل، وهو ما أعلنه مجلس الوزراء منذ أيام لسد العجز في موارد الطاقة.. وبالتالي فإن النظام سيستنزف ماتبقى من قطع أجنبي يتحفظ كثيرا على استخدامه، وكذلك لم يعد برميل النفط رخيصا بعد ارتفاع أسعاره من 45 دولارا للبرميل إلى 65 بعد قرار أوبك خفض إنتاجها، ناهيك عن المبالغ الإضافية التي يدفعها النظام للسماسرة وشركات التأمين للالتفاف على العقوبات الدولية وتأمين تلك المواد بسرعة.
كما أن النظام سيضطر حتما إلى الاستدانة مجددا أو تجديد الاتفاقية مع إيران بفتح خط ائتمان جديد لاستيراد النفط ومشتقاته بعد أن استنزف الاتفاق السابق والبالغ قيمته مليار دولار. وهذا أمر يسعد طهران التي تفرض هيمنة اقتصادية على سوريا بسبب هذه الاتفاقات التي تسهل للنظام من طرف بينما تكبل الاقتصاد السوري في الحاضر والمستقبل بشروط استغلالية واحتكارية.
ومن المعروف أن النظام وإعلامه كان يعوّل من خلال سيطرته على حلب وإعادة تأهيل مطارها والمدن الصناعية في الشيخ نجار وهنانو إلى تحريك الركود الاقتصادي وإعادة إنتاج السلع المحلية وتعزيز التجارة الداخلية، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تشجيع عودة رؤوس الأموال والكف عن استيراد بعض السلع وإغراق السوق بالمنتوجات وتصدير الفائض. وبالتالي رفع قيمة الليرة أمام الدولار بعد أن فقدت أكثر من عشر اضعاف قيمتها خلال سنوات الحرب الستة.
لكن ذلك يبدو بعيد المنال على مايبدو مع التقدم الذي أحرزه تنظيم داعش من تدمر وحتى 60 كلم شرق مدينة حمص وماتحتويه المنطقة من مكامن وثروات، كل ذلك أعاد الأمور إلى المربع الأول وعزز عدم الثقة بقدرة النظام على الحفاظ على أكثر المناطق أهمية اقتصاديا وعسكريا.
اقرا أيضا: