أخبار الآن | القلمون – سوريا (خاص)
رغم مرور أكثر من سنتين ونيف على إبرام صفقة القلمون المثيرة للجدل بين تنظيم داعش وحزب الله اللبناني، إلا أنها ما زالت تثير العديد من التساؤلات حتى الآن وتلقي بتبعاتها ونتائجها كذلك على مناطق في سوريا والعراق، لتشكل وفق مراقبين نقطة تحول “علني” في تعامل خفي جرى بين حزب الله ومن خلفه إيران وبين داعش رغم الحروب المعلنة بينهما.
قيادي سابق في التيار الصدري لأخبار الآن: تأثيرات صفقة حزب الله وداعش لا تزال مستمرة
الانتشار العسكري ما قبل الصفقة
كانت منطقة “جرود القلمون الغربي” نقطة التقاء للفصائل المسلحة التي تركت مناطقها بعد حروبها مع النظام السوري ومليشيات حزب الله اللبناني. ومنذ مارس 2013، تمركز مقاتلو تنظيم داعش في جرود قارة ومنطقة الجريجير، وقاموا بحفر الخنادق والدشم معززين من نفوذهم العسكري في تلك المناطق بالتزامن مع اندلاع مناوشات بين الفينة والأخرى بين الفصائل المسلحة، والنظام وحزب الله اللبناني.
النظام وحليفه حزب الله رغم حروبهما مع الثوار وفصائل مسلحة أخرى إلا أنهم غضا الطرف عن وجود داعش في بعض مناطق القلمون، وتعمد الحزب في بعض الأحيان القيام ببعض المناوشات بين الحين والآخر مع التنظيم.
في غضون ذلك، كانت هيئة تحرير الشام بقيادة ابو مالك التلي، تسيطر على طرق الإمداد والطرق الفرعية التي تصل بين جرود قارة بجرود فليطة. وكان هناك عدة اشخاص مسؤولين عن العمليات اللوجستية في مناطق القلمون ويعرف منهم، “ابو بكر طرابلس” وهو لبناني الجنسية، في الوقت الذي لم يكن لداعش أي تعامل علني مع حزب الله.
نقطة التحول
ما غير من المعادلة السابقة، عملية أسر التنظيم في عام 2014 لتسعة جنود لبنانيين في منطقة “البكارات” المطلة على مشاريع القاع في لبنان مع ذخيرتهم خلال هجوم على حاجز للجيش على الحدود اللبنانية.
تلك العملية دفعت حزب الله ليكون طرفاً في مفاوضات تهدف إلى استرجاع رفات الأسرى اللبنانيين بعد قتل تنظيم داعش لهم، وكان من ضمن المفاوضين المعروف “ابو البراء الجريجيري” من بيت العبد والشرعي الأول “نبيل القاري”، حيث كانت هذه البداية للوساطة الإيرانية او للتدخل الايراني في تنظيم داعش.
ومن ذلك الوقت، استمرت الاشتباكات في تلك المناطق بين تحرير الشام وحزب الله إلى أن شن الحزب هجومه الأخير في عام 2017 على جرود الجبة وراس المعرة وفليطة وجرود الجريجير وقارة وسيطر على معظم تلك المناطق، واخرج فصائل الثوار منها وتفاوض مع هيئة تحرير الشام على الخروج من المنطقة إلى الشمال السوري بتفاهمات مشتركة بين الهيئة والحزب ومبلغ مادي يدفعه حزب الله لقائد الهيئة ابو مالك التلي وقدره 40 مليون دولار.
قائد الجيش: باسم #لبنان والعسكريين المختطفين ودماء الشهداء الأبرار، وباسم أبطال #الجيش_اللبناني العظيم، أطلق عملية #فجر_الجرود
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) August 19, 2017
بعد مغادرة مقاتلي هيئة تحرير الشام مناطق تمركزها في القلمون إلى الشمال السوري وفق تفاهمات مع حزب الله، لم يبق في تلك المناطق إلا حزب الله والنظام السوري وتنظيم داعش، بالتزامن مع مواصلة الجيش اللبناني ومدفعيته ضرب المواقع التي يتحصد فيها مقاتلو التنظيم على الحدود اللبنانية.
تقدم وحدات #الجيش_اللبناني للسيطرة على مراكز تنظيم داعش الإرهابي.#فجر_الجرود pic.twitter.com/hFEjng62d2
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) August 19, 2017
وعلى مدة شهر كامل، حاصرت قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني والجيش اللبناني التنظيم من اربع جهات، إلى حين تم الاعلان عن اتفاق ينص على تسليم مناطق الجرود التي يتحصن بها داعش، مقابل خروج مقاتليه إلى البادية السورية ومناطق شرق البلاد.
عرابو الاتفاق
شهدت المفاوضات 3 جولات، وكان أبرز المفاوضين فيها “ابو العبد” و”ابو البراء” و”ابو السوس”، وكان الاتفاق ينص على خروج التنظيم من المنطقة مع حصانة لبعض الاشخاص من ضمنهم ابو البراء الجريجيري، بالتزامن مع قيام قادة داعش بالقضاء على حالة العصيان والتمرد بسبب معارضة بعض المقاتلين إيرام “إتفاق مع العدو”، عبر عمليات تصفية واغتيالات وقتل جماعي.
بعد ذلك، شهد “وادي الزمهراني” توافد سيارات الحزب إلى المنطقة للتفاوض مع “احمد وحيد” الملقب ابو العبد، الذي ظهر بتسجيلات مصورة له مع الحزب مقابل الحماية وعدم التعرض له، وكان الوسيط الفعلي بين الحزب والتنظيم عضو مجلس الشعب السوري “خضر الصالح” الملقب بـ”ابو بشار”.
في ختام المفاوضات التي أدارها أيضا ابو البراء الجريجيري، تم التوصل إلى اتفاق بين داعش وحزب الله، ونص على خروج مقاتلي التنظيم إلى البادية، وتسليم جثث الجنود اللبنانيين، وإعطاء الحصانة والحماية من قبل الحزب لابو البراء الجريجيري ومقاتلين يتبعون له، وتم ذلك، رغم نقض هذا الاتفاق فيما يتعلق بالجرجيري الذي اعتقل في وقت لاحق.
الصفقة جرت بمباركة قاسم سليماني و بعلم ابو مهدي المهندس
ماوراء الاتفاق
ولفهم دوافع إيران حول إبرام ذلك الاتفاق رغم الحروب بين ربيبها حزب الله وبين داعش، أجرت أخبار الآن مقابلة مع العقيد علي ناصيف، وهو ضابط عسكري منشق عن النظام السوري، وهو أحد أبناء مناطق القلمون وعلى دراية بحيثيات تلك المنطقة والانتشار العسكري فيها منذ اندلاع الثورة عام 2011.
ويقول علي ناصيف: “إن حزب الله حاول إيجاد مظلة لقتاله في سوريا، بسبب رفض الكثير من اللبنانيين لانخراطه في المستنقع السوري، فوجد ضالته في ذلك عبر داعش، وكانت عملية أسر الجنود اللبنانيين نقطة التحول في ذلك”.
ناصيف اعتبر أن إطلاق الجيش اللبناني لعملية “فجر الجرود” في منتصف 2017، بهدف القضاء على داعش على الحدود السوري اللبنانية، شكلت “إحراجاً” لحزب الله وحليفه نظام الأسد، فسارع الحزب إلى إبرام صفقة مع داعش بدأت أهدافها تتكشف لاحقا بعد وصول مقاتلي التنظيم إلى البادية السورية ومناطق في شرق البلاد.
ويؤكد أن العلاقة بين داعش وحزب الله لم تكن وليدة “لحظة الاتفاق”، وإنما كانت سابقة له، ويضرب مثالاً على ذلك عندما انضم أمير الطرقات المعروف بـ”مازن خلوف” إلى حزب الله وكان قبلها منسق تحركات داعش، إضافة إلى انضمام مقاتلين أخرين من التنظيم إلى الحزب، وهو أمر لا يمكن أن يتم وفق ناصيف في يوم وليلة، بل هو وليد تراكمات من التعاملات بين الجانبين.
ويلفت الضابط السوري، إلى أن حزب الله أراد أيضا من ذلك الاتفاق إحكام قبضته على مناطق القلمون والجرود بين سوريا ولبنان، وإحكام قبضته كذلك على ممرات التهريب وإبعاد الجيش اللبناني عنها.
ويطرح ناصيف تساؤلاً عن “معقولية” إبرام حزب الله لاتفاقه الشهير مع داعش بحجة أسرى ورفات بعض مقاتليه، في مقابل وصول أكثر من 600 منتسب لداعش إلى البادية ومناطق بشرق البلاد، كان منهم أكثر من 300 مقاتل.
ومن أبرز أهداف حزب الله من صفقة القلمون، ما تحدث عنه العقيد علي ناصيف حول تجارة المخدرات التي يبرع فيها الحزب، وأكد أن ميليشيا حزب الله استماتت لابعاد الجيش اللبناني عن الحدود بين سوريا ولبنان، وذلك للإشراف على شبكات التهريب التي يديرها الحزب والتي تمتد من داخل لبنان إلى مرافئ اللاذقية لشحن المخدرات إلى الخارج.
ويقول ناصيف، إنه بعد فرض العقوبات الأمريكية على إيران، حاولت طهران إيجاد مصادر تمويل جديدة، فكان ذلك عبر ربيبها حزب الله في سوريا، وقيامه بإدارة شبكات التهريب بين سوريا ولبنان، وصولاً إلى دول أخرى، وهو الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد من الصدامات الشهيرة في مناطق القلمون بين ميليشيا الدفاع الوطني التي أسسها النظام السوري وبين حزب الله، حول تقاسم الغنائم وتوزيع الحصص من المخدرات.
خلاصة الصفقة
ما سبق يؤكد أن صفقة القلمون لم تكن صدفة ولم تأتي وليدة اللحظة، بل تم التخطيط لها ورعايتها من قبل طهران واستخدام حزب الله في ذلك. وانفردت أخبار الآن بنشر تقارير عدة عن ماهية هذه الصفقة ومصلحة إيران منها، وخاصة بعد أن أضحت مناطق شرق سوريا ذات الغلبية العشائرية السنية، مرتعاً للحرس الثوري الإيراني، وسط تواطئ من الحشد الشعبي في العراق مع حزب الله وغض طرف منه على تلك الصفقة التي مازال أبناؤه وأبناء شرق سوريا يحتسون مرارتها حتى الآن.
ما هي تداعيات صفقة القلمون بين داعش وحزب الله؟ المتحدث الرسمي باسم العشائر العربية مزاحم الحويت يشرح نتائج هذه الصفقة
أقرأ أيضا:
بين حزب الله وداعش في القلمون: صفقة للحزب وصفعة للعراق