أخبار الآن | ألمانيا – NPR
لم تغب مشاهد التعذيب القاسي الذي تعرّض له عن باله أبداً، بل سردَ تفاصيل أيامه الصعبة وواجه جلّاده داخل المحكمة. ففي ألمانيا، وأمام المحكمة الولائية العليا في مدينة كوبلنز، وقف المخرج السوري فراس فياض يوم 5 يونيو/حزيران الماضي، ليتحدث عن رحلة العذاب التي عاشها في سجن الخطيب بدمشق، وذلك في سياق محكماة مُتهمين إثنين بمزاعم تعذيب في سوريا.
كان فيّاض (35 عاماً)، وهو مخرج أفلام رُشح لنيل جائزة الأوسكار، أول ضحية تبلغ في ألمانيا عن فصول رعب تفوق الخيال، وقد روى ما حصل معه في العام 2011 عندما كان معتقلاً. وعلى بُعد أمتار قليلة منه في قاعة المحكمة، جلس المُتهم، وهو ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان (57 عاماً)، الذي ارتبط اسمه بجرائم ضدّ الإنسانية. كان رسلان مسؤولاً رفيعاً برتبة عقيد، وترأس القسم 251 من المخابرات السورية، وكان مسؤولاً عن أمن العاصمة دمشق، وهو المتهم الرئيسي في هذه القضية، وتشمل الاتهامات جرائم ضد الإنسانية، والقتل (58 مرة)، والتعذيب في 4000 حالة على الأقل، إضافة إلى تهم الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
كان رسلان هو مسؤول الإستجواب في سجن الخطيب بدمشق حيث مكث فياض. في العام 2013، انشقّ الضابط السابق عن النظام السّوري، وانضمّ إلى المناهضين للأخير، ثم جاء إلى ألمانيا مع اللاجئين السوريين الفارّين من الحرب طلباً للجوء. إلا أنّ سنواته الـ18 كضابط مخابرات لم تندثر وبقيت شاخصة أمامه ولم يحذفها الزمن. وعليه، فقد جرى اعتقاله في العام 2019، واتهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.
رحلة العذاب
يقول فياض أنّ “قضيته تتعلق بالعنف الجنسي”، والأمر صعب بالنسبة له. خلال المحاكمة، طلب منه القضاة إعادة سرد الإعتداء الجنسي الذي تعرض له، وهو اغتصاب بواسطة عصا خشبيّة، كما أكد أنه اضطر لإجراء عمل جراحي جراء الإصابات التي تعرض لها بعدما أطلق سراحه في النهاية. يقول فياض لشبكة “NPR” من برلين: “كنت أحمل هذا الألم لفترة طويلة، لكن عليّ أن أبدأ بالتحدث بصراحة”. يشير إلى إنه “فضّل الصمت بسبب الاغتصاب الذي تعرض له، وهو ما يُعتبر وصمة عار في المجتمع السوري”.
في العام 2011، عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا ضدّ النظام، أمسك فياض بكاميرته ونزل إلى الشوارع. وثق المظاهرات السلمية المبكرة، والاعتقالات، وردة فعل قوات النظام العنيفة وإطلاق النار على المتظاهرين في محاولة لقمعهم. وبعدها، جرى اعتقاله، واحتجازه، واتهامه بالتجسس ودعم الأنشطة المناهضة للنظام. كان فياض مقتنعاً أنه سيموت في السجن، حتى أن النزلاء معه قالوا أنه لن يبقى على قيد الحياة. يستذكر المخرج السوري قول بعض السجناء له: “أنت المخرج الذي يصنع فيلماً ضد الأسد.. سيتم شنقك”.
يسترجع فياض فصول التعذيب التي تعرّض لها، حيث كان يتعرض للضرب والركل بشريط حديدي والعصي، كما جرى تعليقه من السقف لتلامس أطراف أصابع قدميه الأرض فقط، إلى جانب وضعه في زنزانة صغيرة جداً. يقول أنه “يتذكر الإستجوابات بينما كان معصوب العينين وجاثياً على ركبتيه”، وكان الرجل الذي يحقق معه هو أنور رسلان الموجود في المحكمة. ويضيف: “كنت نحيلاً وبلا شعر، جسدي ينزف. كنت أشعر بالخوف من النظر في المرآة لفترة طويلة”.
وبعد مرور شهرين ونصف على الإعتقال، جرى إطلاق سراح فياض من دون أي تفسير، وبعدها حثته عائلته على مغادرة البلاد لاقتناعها أنه لن ينجو من اعتقال آخر. وبعد فترة وجيزة، هرب من سوريا.
في حديثه، لفت إلى أن “مهمته كانت مواصلة عمله في الأفلام الوثائقية”. دخل إلى تركيا، ثم عاد وتسلل عبر الحدود السورية إلى مدينة حلب لتوثيق حياة المدنيين السوريين تحت القصف. وفي العام 2018، حصل فياض على إذن للدخول إلى الولايات المتحدة بعدما جرى ترشيح فيلمه “آخر الرجال في حلب” لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي. وفي فبراير/شباط من هذا العام، جرى ترشيح فيلمه “الكهف” لجائزة أوسكار، عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وهو يسرد قصة فريق طبي تقوده النساء في مستشفى تحت الأرض يسمى “الكهف”، جرى من خلاله اسعاف وعلاج أهل الغوطة الشرقية أثناء القصف المتواصل الذي تعرضت له المدينة من قوات النظام السوري.
العدالة حقيقية
ومع هذا، يرى فياض أن المُحاكمة التي تحصل هي الخطوة الأولى في شفائه، وقال: “عندما ذهبت إلى المحكمة، بدأت أشعر أن شيئاً ما تغير تماماً بعد ذلك. بالطبع، هناك ألم جسدي، لكنني بدأت أعتقد أن العدالة شيء حقيقي. إنها ليست مزيفة”.
وخلال وقوفه داخل قاعة المحكمة، أذهل فياض القضاة عندما أخبرهم أنه يمكن أن يغفر للمدعى عليه رسلان. ويضيف في المقابلة: “إذا اعترف بحدوث هذه الأشياء، فعندئذ يجب أن أغفر له. أشعر أن التسامح هو الطريقة الوحيدة التي أعيش بها بسلام”. غير أن رسلان نفى كل التهم الموجهة إليه، منكراً مسؤوليته عن أي فعلٍ حصل، لا سيما حالة الاغتصاب التي تعرض لها فياض.
وحالياً، فإن المخرج يعمل على فيلم وثائقي جديد يوثق تفاصيل اعتقاله وتعذيبه، وعن المحاكمة في ألمانيا. وقال: “أحاول أن أجعل ذلك رسالة لعائلتي لأنني لم أخبرها من قبل بما مررت به”. وختم: “أخطط أيضاً لإخبار عائلتي لماذا قررت الإدلاء بشهادتي، وذلك من أجل التاريخ وإرسال رسالة إلى أولئك الذين ما زالوا مسجونين في سوريا، بأنهم غير منسيين”.
Feras Fayyad was the first witness to testify in a trial examining state-sponsored torture in President Bashar Assad’s Syria. His case involves an alleged rape.
“We need to know who is committing these crimes,” he says. “There is no way to stay silent.” https://t.co/aPjL0iiJbg
— NPR (@NPR) July 2, 2020
لماذا يتخوف مواطنو هونغ كونغ من قانون الأمن القومي؟
أقرَّت الصين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ بهدف لجم أيّ حراك مُطالب بتغيير الوضع القائم على مبدأ دولة واحدة ونظامان، وتالياً قمع الاحتجاجات في الإقليم الذي يشهد اضطرابات منذ عام.. لماذا يتخوف سكان هونغ كونغ من القانون؟
مصدر الصور: getty
للمزيد:
اليابان تطلب من أمريكا تسليم رجلين تتهمهما بمساعدة كارلوس غصن على الهرب