أخبار الآن| بيروت أ ف ب
ناشطون لبنانيون انتفضوا ولكن…
حين اندلعت التظاهرات الشعبية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كان كل من تيمور وجنيفر وداينا في عداد المتظاهرين الناقمين على السلطة، لكن مسار التغيير الذي بدأوه مع مئات الآلاف من أقرانهم لم يكتمل. ناشطون لبنانيون أصيبوا بخيبة امل كبيرة من جراء الأواشع التي يشهدها لبنان.
خلال عام واحد، شهد لبنان أزمات متتالية من انهيار اقتصادي متسارع فاقم معدلات الفقر، مروراً بقيود مصرفية مشدّدة على أموال المودعين، ثم تفشّي وباء كوفيد-19 وأخيراً انفجار مرفأ بيروت المروع.
أمام فوضى الكوارث المتتالية والمستقبل الذي يبدو قاتماً، تخلّت جنيفر حيدر عن حلمها بالتغيير، وقرر تيمور جريصاتي البحث عن حياة خارج لبنان. أما داينا عياش فلا تزال مصرّة على النضال سعياً نحو بلد أفضل.
وتُظهر مسارات الناشطين الثلاثة التحديات التي يواجهها الحراك الشعبي بعد عام من انطلاقه في كل المناطق اللبنانية، قبل أن يتراجع زخمه تدريجياً إلى أن خفت تماماً.
– ناشطون لبنانيون: لماذا نواصل النضال؟ –
مساء 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، كانت جنيفر (26 عاماً)، العاملة في مجال الإعلانات، تهمّ بالخروج من صالة السينما في وسط بيروت، وإذ بها ترى مشهداً لم تعتده.
وتقول “نظرنا من حولنا ورأينا النيران” جراء الإطارات المشتعلة التي بادر ناشطون لبنانيون إلى إحراقها لإغلاق الطرق الرئيسية في بيروت بعد إعلان الحكومة عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات عبر تطبيق واتساب.
لم تتردد جنيفر. هرعت إلى منزلها، بدّلت ثيابها وانضمت إلى جموع المواطنين الغاضبين في وسط العاصمة.
وتقول الشابة، من منزلها الذي طالته أضرار جسيمة جراء انفجار المرفأ، “لم أفهم حينها فعلياً ما يجري، لكن شعور الغضب كان جميلاً جداً”.
طيلة شهرين، وعوضاً عن الذهاب يومياً إلى مركز عملها، اختارت جنيفر أن تمضي نهارها في ساحات التظاهر.
وتقول “كان حلماً جميلاً عن بدايات جديدة وعن غد أفضل ينتظرنا”.
لم يستمر الحلم كثيراً، إذ سرعان ما بدأت معالم الانهيار الاقتصادي بالظهور. وبات المواطنون ينتظرون في طوابير أمام المصارف للحصول على مبالغ قليلة من ودائعهم بالدولار. ارتفعت أسعار المواد الغذائية تدريجاً، وتعالت الأصوات المحذرة من انهيار أكبر.
لم تجد جنيفر حينها إلا خيار العودة إلى العمل، بعدما استنزفها النضال من أجل بناء دولة لا يأبه حكّامها بحياة مواطنيها.
وتقول “استُنفذت طاقتي تماماً”.
وشكّل انفجار بيروت، الذي عزته السلطات إلى كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم وأسفر عن مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة 6500 بجروح، نقطة التحول في سعيها نحو التغيير خصوصاً بعدما تبيّن أن مسؤولين كانوا على دراية بمخاطر تخزين هذه المادة.
ناشطون لبنانيون انتقدوا الحكومة والتيارات السياسية التي عجزت عن السيطرة عن الاوضاع في البلاد.
ظنت جنيفر بداية أن الانفجار قد يُشعل حماسة المواطنين مجدداً ضد السلطة، لكن سرعان ما خاب أملها. وبعد أيام قليلة، وخلال تظاهرة ضد السلطة، تعرّضت لضرب من عناصر الجيش لدى محاولتها حماية طفل تعرض للضرب.
وتقول “في تلك اللحظة، أدركت ما يحصل.. هم قادرون على إسكاتنا، وحتى على سحقنا، فلماذا نواصل النضال؟”.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، شهد لبنان احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد مكوّنات الطبقة السياسية برمتها، ترافقت مع أزمات متتالية من انهيار اقتصادي إلى انتشار وباء كوفيد-19 وصولاً إلى انفجار دام ومدمّر هزّ بيروت.
أعلنت الحكومة اللبنانية في 17 تشرين الأول/أكتوبر عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب.
فجّر ذلك غضب لبنانيين، كانوا بدأوا قبل أسابيع تلمس مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار، مرددين شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. ناشطون لبنانيون قرروا عدم التزام الصمت امام هذه الاوضاع.
تراجعت الحكومة برئاسة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت. واستمر ناشطون لبنانيون في مسيرتهم نحو التغيير.
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر، أغلقت المدارس والجامعات والمصارف والمؤسسات العامة أبوابها.
وفي 20 منه، بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد.
وطالبت التظاهرات برحيل الطبقة الحاكمة، التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة.
– الهرب –
خلال 292 يوماً، تخلّى تيمور جريصاتي (33 عاماً) عن اهتماماته وعمله ليركز جهوده على التظاهر وتنظيم مجموعات ناشطة فيها. سلّم إدارة شركة المفروشات التي أسّسها قبل عشر سنوات إلى شريكه، وبدأ حياة جديدة كناشط في الحراك الشعبي. وحوّل مكتبه في
بيروت إلى مركز تجمع للناشطين لبحث وتنظيم الخطوات المقبلة. ويقول “بالكاد كنت أرى طفليّ”.
وتعرض تيمور للضرب مرات عدة على يد القوى الأمنية، ما استدعى نقله مرتين إلى المستشفى. كذلك، وصلته رسائل تهديد من مناصري أحزاب في السلطة، على حدّ قوله، جاء في إحداها “سنطعنك من الخلف ولن تعرف من أين سيأتيك السكين”.
ويوضح أن رسالة واحدة كانت كفيلة بتغيير مساره ورد فيها “نعرف مدرسة ابنك” مضيفاً “استطاعوا تحطيمي بهذه الطريقة”.
في مطلع حزيران/يونيو، بدأ تيمور يُعدّ نفسه للسفر إلى فرنسا، ليس فقط خشية على عائلته بل لأن شركته كانت ترزح تحت عبء الانهيار الاقتصادي الأسوأ في لبنان منذ الحرب الأهلية (1975-1990).
قبل أسبوع فقط من انفجار المرفأ، وصل تيمور وعائلته إلى مدينة نيس الفرنسية، لكنّ تفكيره لم يفارق لبنان.
حين عرف بالانفجار، شعر أن “الحظ حالفه” هذه المرة. ويرى أنه “لا يجدر بأي انسان أن يعيش ما يعيشه الشعب اللبناني اليوم”.
– ناشطون لبنانيون : مستمرون” –
لم تتردد داينا (31 عاماً) لحظة واحدة عن النزول إلى الشارع حين وصلتها المشاهد الأولى للتظاهرات في بيروت. وتقول “كان غضباً محقاً”.
لم تكتف الشابة، التي أسّست منظمة غير حكومية لدعم الفنانين في لبنان والشرق الأوسط، بالتظاهر والهتاف ضد السلطة الحاكمة، بل انضمت إلى صفوف شبان وشابات عمدوا بشكل شبه يومي إلى قطع طريق رئيسي يؤدي إلى وسط بيروت.
وتقول إنها شعرت في تلك اللحظة بتحدي “وهم” مفاده أنه لا يمكن المساس بالنظام القائم في لبنان.
ناشطون لبنانيون يؤكدون استمرار احتجاجاتهم ضد الاوضاع في لبنان.
خلال أشهر، تحولت داينا إلى وجه معروف في دوائر منظمي التظاهرات. وكرّست جهودها لدعم قضايا عدة وجدت في التظاهرات متنفساً لها من بينها حقوق النساء والعاملات المهاجرات أو المثليين.
وتقول “أكثر ما أثّر بي هو معرفتي أنني لست الوحيدة التي لديها الكثير لتناضل من أجله”.
تقرّ داينا بتراجع زخم التظاهرات، لكنّها تصرّ على أن الحراك لم ينته. وتقول إنّ الأزمات المتتالية التي تصفها بـ”إعصارات”، تزيد من إصرارها على الاستمرار.
وتقول “لا يمكننا أن نحدّد ما الذي سيدفعنا إلى الاستسلام، لأنهم أذونا كثيراً، لكننا مستمرون”.