محمد القريفي ورجاء بنحاجي شابان مغربيان قررا قهر البطالة المتأتية من تبعات الحجر الصحي الذي فرضته جائحة فيروس كوفيد 19على العالم، والمغرب من ضمنه.
يواظب محمد القريفي ورجاء بنحاجي منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، على دخول المطبخ بحي المسيرة 3، بمقاطعة المنارة في مدينة مراكش لتحضير وصفات غير تلك التي تعد في مطابخ المنازل.
فبعيداً عن وصفات الأكل المتنوعة، اختارت رجاء بنحاجي أن تحول مطبخ العائلة بالدور الثاني من منزل عائلتها، إلى مصنع صغير لصناعة منتوجات تجميلية نسائية خاصة بالبشرة، تتميز بمكوناتها الطبيعية، دون إضافة لمواد كيماوية أو مواد حافظة.
أوضحت رجاء التي تبلغ 28 عاماً، لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في المغرب هدى لبهالة، أن فكرة مشروعها الصغير بشراكة مع زميلها محمد القريفي البالغ من العمر 27 سنة، هي وليدة تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
وقالت إن تبعات الجائحة أثرت بشكل سلبي على وظيفتها السابقة في التسويق الرقمي بإحدى الشركات. فقد اضطرت الشركة إلى تقليص عدد العاملين بها، ومن بينهم رجاء.
لكن رجاء قررت تحويل خسارتها لوظيفتها من حدث سلبي إلى إيجابي، مستغلة الوقت الطويل المتوفر للعمل على حلمها في إنجاز مشروع مستقل، وإن كانت الإمكانيات محدودة.
أكدت بنحاجي أن الإمكانيات المحدودة ليست حاجزاً لخطو أولى خطوات النجاح ، والهرب إلى الأمام من شبح البطالة الذي زج بالكثيرين في خندق مظلم خلال السنة الحالية.
محمد القريفي شريكها في مشروع “إليانا كوزمتكس” هو أيضا من ضحايا البطالة الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا المستجد. قال القريفي، لمراسلة “تطبيق خبّر”، إن فكرة تحويل مطبخ منزلي إلى مكان لصنع منتوجات تجميلية خاصة بالنساء كانت تبدو في بادىء الأمر غريبة، لكن خوض غمار التجربة غير نظرته كلياً.
وأوضح أنه قام رفقة رجاء بحضور دورة تكوينية تضم شقاً نظرياً وشقا تطبيقياً لمدة شهرين بإحدى مدارس صناعة المنتوجات التجميلية الطبيعية، و اتفقا بعدها على إسم المنتجات التي سيصنعونها.
وبيّنت بنحاجي أنها رأت إسم إليانا، اليوناني الأصل، أكثر ملاءمة لمنتجاتهم للعناية بالبشرة، لمعناه الذي يدل على جمالية إشراقة الشمس، وهو الهدف حسب رجاء من خلال مشروعهما، لتمكين النساء المغربيات وغيرهن من بلدان أخرى، من الحصول على وجه وبشرة مشرقة عن طريق استخدام هذه المنتجات التجميلية الطبيعية.
بمدخرات مالية من وظيفة رجاء سابقاً، وباجتهاد وبحث مرهق من طرف محمد القريفي، تمكن الاثنين من الوصول إلى مصدر الحصول على المواد الأولية اللازمة لبداية المشروع.
قاما بالتعامل مع جمعيتين تعاونيتين؛ الأولى بمدينة الصويرة، مختصة ببيع زيوت الأركان والتين الشوكي، أما الثانية المتواجدة بمنطقة وريكة نواحي مراكش، فتختص ببيع الطين الأخضر والأحمر والأبيض، والزيوت الأساسية، كزيت الحامض، وزيت إكليل الجبل، والخزامى، إضافة إلى الأعشاب.
وتمكن الشابان من الحصول على كميات مناسبة من هذه المواد، وشراء روائح عطرية وألوان غدائية و قنينات زجاجية وعلب صغيرة، وآلة لطحن بعض الزيوت الأساسية كاللوز والسمسم والحبة السوداء، لتبدأ مرحلة التصنيع وإنتاج كميات لا بأس بها.
واستكمل الشابان قصتهما، فتحدثا عن عزمهما على النجاح، حتى رأت منتوجات تجميلية نسائية النور في مطبخ العائلة، وتنوعت بين مقشرات طبيعية للبشرة مصنوعة من ملح الهملايا وأخرى من حليب جوز الهند المجفف.
كما صنّع الشريكان صابوناً طبيعياً للوجه والجسم، وكرات الحمام الفوارة التي اتخذ بعضها أشكال قوالب دائرية، وأخرى بقيت على شكل مسحوق، تنوعت روائحها العطرية الطبيعية بين الورد والخزامى والفانيليا. كذلك، تم صنع مزيج من الزيوت الخاصة بعلاج مشاكل البشرة وزيوت أخرى خاصة بالشعر.
في هذا الصدد، أشارت رجاء إلى أنها تقوم بمساعدة محمد في طحن بعض الزيوت كالسمسم والحبة السوداء واللوز في البيت، أما باقي الزيوت الأخرى فيتم طحنها في مختبر خاص، يتم التعامل معه ويتكلف بوضع تركيبات الزيوت بنسب محددة داخل القنينات الزجاجية.
كذلك، صنعا الشامبو الصلب المصنوع بأعشاب ومواد طبيعية وملونات غذائية، بتركيبات مختلفة لعلاج مشاكل الشعر المتقصف والجاف وفروة الرأس الحساسة.
وبعد عملية تصنيع كميات مناسبة من المنتوجات وتغليف بعضها ووضع البعض الآخر في قنينات وعلب صغيرة خاصة، وإضافة ملصقات تحمل إسم العلامة التجارية ومكونات وفوائد المنتوج، ينتقل شريكا المشروع إلى مرحلة التسويق الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقي طلبيات الزبائن وتمكينهم من الحصول عليها.
وفر المشروع أيضا فرصة لبعض النساء الباحثات عن العمل، واللواتي كلفن بمهمة تسويق المنتجات لمعارفهن والحصول في المقابل على عائد مادي.
يطمح كل من محمد و رجاء إلى توسيع مشروعهما الصغير والتعامل مستقبلاً مع شركات معروفة والإنتاج بكميات كبيرة. كما يهدف الشريكان إلى الضلوع في المسؤولية المجتمعية عبر تخصيص صندوق خاص لجمع مبلغ مالي مكوّن من درهمين مغربيّن على كل منتوج يتم بيعه.
أما المبالغ المتأتية من ذلك، فسيتم من خلالها التكفل بدراسة أحد الأطفال من أسرة معوزة لمدة 12 سنة، بما فيها مصاريف رحلاته المدرسية وساعاته الإضافية إذا ما كان يعاني ضعفاً في بعض المواد الدراسية.
جدير بالذكر، أن عدداً كبيراً من الشباب الذين فقدوا عملهم بسبب فيروس كورونا المستجد، اختاروا نفس طريق بنحاجي والقريفي، وقاموا بمشروع صغير مدرٍ للدخل، من أجل خلق مصدر للعيش وتأمين الحاجيات اليومية الشخصية والأسرية.