في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب العاصمة السورية و فور بدء محافظة دمشق تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى المخيم، دوّن عيسى اللوباني إسمه، آملاً أن يتمكّن من إصلاح منزله والعودة للسكن فيه قريباً رغم الدمار وغياب البنى التحتية.
ومع تسلّمهم الموافقة، توجّه اللوباني مع زوجته وابنته إلى شقتهم في أحد المباني السكنية التي خرق الرصاص جدرانها وتبعثر ما تبقى من محتوياتها.
ويقول خلال تفقده المنزل “يحتاج للكثير من العمل، لكن يبقى ذلك أرحم من دفع بدلات الإيجار الشهرية”.
ويضيف “سأعود بأقل الإمكانيات، حتى لو اضطررتُ إلى وضع أكياس من النايلون على النوافذ وباب خشبي مستعمل”.
وعائلة اللوباني واحدة من آلاف العائلات الفلسطينية التي فرّت من مخيم اليرموك العام 2012، مع وصول المعارك إليه إثر سيطرة فصائل معارضة عليه ثمّ حصاره من القوات الحكومية.
وكان يسكنه قبل اندلاع النزاع 160 ألف لاجئ فلسطيني بالإضافة إلى آلاف السوريين. وفي العام 2015، تمكّن تنظيم داعش من التسلّل إليه.
وتسبّبت المعارك وأزمة إنسانية خانقة بفرار العدد الأكبر من سكانه وسقوط ضحايا، قبل طرد التنظيم منه في أيار/مايو 2018.
حين عاد للمرة الأولى الى المخيم، يروي اللوباني كيف أنّه لم يتمكن من تحديد الطريق المؤدية إلى حارته بسبب “غياب ملامح المكان جراء الدمار”.
ويقول “نحتاج إلى الكهرباء والماء وتنظيف الشوارع من الردم (…) أتمنى أن يعود عدد أكبر من العائلات، حتى يصبح ترميم البنى التحتية أمراً واقعاً”.
على جانبي الطريق في المخيمّ، تجمّع العشرات بانتظار تسجيل أسمائهم للحصول على إذن للعودة بعد إثبات ملكية عقاراتهم، التي يجدر أن تكون صالحة للسكن من الناحية الإنشائية، وفق ما أوردت محافظة دمشق ضمن شروط الموافقة على العودة.
وكانت دمشق أعلنت في العام 2018 عزمها إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم.
وسجّلت 600 عائلة أسماءها حتى الآن، وفق ما يشرح رئيس لجنة إزالة الأنقاض في المخيم محمود الخالد .
ويجدر بكل من حصل على الموافقة أن يبرزها للحواجز الأمنية عند مدخل المخيم. ويتحمل العائدون أنفسهم كلفة ترميم منازلهم.
ويُعدّ ارتفاع كلفة المعيشة على وقع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها سوريا، سبباً رئيسياً يدفع عدداً من أهالي اليرموك إلى ابداء رغبتهم بالعودة رغم غياب الخدمات، وفق ما يشرح الخالد.
وعادت عائلات عدة بالفعل إلى المخيم قبل بدء عملية التسجيل الرسمية. إذ تظهر بيانات منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عودة 430 عائلة خلال الأشهر الاخيرة، لأنه لم يعد بإمكانهم تحمل كلفة الإيجارات.
“هنا ذكرياتنا”
بعد نزوحها من المخيم، تنقّلت عائلة اللوباني بين شقق سكنية عدّة استأجرتها في دمشق. وتقول الزوجة إلهام (40 عاماً) “هذا بيتنا وهذه حياتنا وذكرياتنا. العودة بالنسبة إليّ تبقى أخف وطأة من عبء استئجار منزل في دمشق”.
وبينما تتفحّص الركام أمام المبنى، تعثر بين كومة من الحجارة على صور قديمة، بينها صورة زفافها وأخرى تجمع ابنتها شذى (11 عاماً) مع والدها في عيد ميلادها الأول، وترتسم ابتسامة عريضة على وجهها.
ولا تزال أبنية اليرموك ومنازله على حالها منذ انتهاء المعارك. في أحد الأحياء، سقطت شرفات أبنية عدّة وتدمّرت أخرى جزئياً لتقطع الحجارة المتساقطة الطريق تماماً، رغم أن المخيّم كان من أول أحياء العاصمة التي بدأ رفع الركام منها في إطار مشروع موّلته منظمة التحرير الفلسطينية بالتنسيق مع دمشق العام 2018.
قرب شارع جرى تنظيفه حديثاً، يستمع الخالد إلى بعض الأهالي، بينما ينهمك زملاؤه في تفقد بيوت الراغبين بالعودة قبل منحهم الموافقة.
ويشير إلى أن “عشرين في المئة من مباني المخيم مدمّرة كليّاً، وأربعين في المئة بحاجة إلى تدعيم وترميم، وأربعين في المئة قابلة للسكن الفوري بعد إعادة الإكساء”.
“نتدبّر أمورنا”
رغم غياب الخدمات الرئيسية، اختار السوري شهاب الدين بليدي (62 عاماً) العودة إلى منزله الذي بقي سليماً إلى حد كبير، رغم موقعه على أحد خطوط التماس سابقاً.
ويقول “لو انتظرنا عودة البنية التحتية للمخيم لكنا بقينا خارجه لسنوات”، موضحاً أنه أول من عاد إلى شارع فلسطين.
وعند عودته، مدّ بليدي شريط كهرباء من خارج المخيم إلى منزله، يزوّده بالتيار بين الحين والآخر. ويشتري يومياً عبوات المياه لتأمين حاجة عائلته.
ويشرح بينما يجلس مع حفيده “الدمار أكبر من أن يتم استيعابه من أي جهة، وتحتاج عملية إعادة الإعمار إلى جهود دول. والى أن يتمّ ذلك، يجب أن نتدبّر أمورنا”.