تزامناً مع ذكرى انتفاضة سيدي بوزيد في تونس عام 2011 تظاهر مئات الأشخاص، الخميس، في وسط المدينة وبالقرب من تمثال العربة ورددوا “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”، والمطالبة بالوظائف من أهم الشعارات التي تم رفعها في ثورة 2011.
ودفعت ندرة الوظائف العديد من الشباب إلى الهجرة عبر البحر بطريقة غير قانونية باتجاه السواحل الأوروبية، وأحياناً تنتهي مغامراتهم بمأساة ويلقون حتفهم في البحر الأبيض المتوسط.
احتجاجات في الشارع الرئيسي في وسط سيدي بوزيد، حيث تزين جدران مبان لافتات كتب عليها “عبّدنا لكم طريق الحرية، فسلكتم المنعرجات” و”العنف سلاح الجبناء” و”لا بد من تحويل الشعارات الى فعل حقيقي”.
وكتب على تمثال العربة “مانيش مسامح” (لن أسامح).
تحول اليوم “التاريخي” للاحتفال بذكرى الثورة إلى مناسبة احتجاجات والتعبير عن غضب سكان المنطقة، وصرخ المحامي فاروق الجزيري “يتجدد ذات مشهد الغضب كل عام، وضع الناس يسوء بعد عشر سنوات”.
أصبحت ذكرى الثورة في المحافظة مناسبة لا لتخليد تاريخ وضع حد للنظام الديكتاتوري وإنما للاحتجاجات ضد النظام السياسي القائم و”العاجز” عن إيجاد حلول للوضع الاقتصادي في المنطقة التي تستقبل عادة الوزراء والمسؤولين بالحجارة وعبارة “ارحل”.
بينما تعيش باقي أحياء المدينة نسق حياة عادية بعدم اكتراث “تام” بما يحصل.
لم يعلن عن زيارات رسمية لمسؤولين كبار في الدولة إلى المحافظة الخميس، وأعلنت رئاسة الجمهورية التونسية أن الرئيس قيس سعيّد الذي جعل من شعار الثورة “الشعب يريد” عنواناً كبيراً لحملته الانتخابية، لن يزور سيدي بوزيد الخميس “لالتزامات طارئة” وفقاً لبيان الأربعاء.
وعبر أحد المحتجين عن “لامبالاة” بزيارة سعيّد وتساءل “ماذا ستضيف لنا؟”.
وكان سعيّد أستاذ القانون الدستوري، انتخب رئيساً للبلاد أواخر 2019 بتأييد واسع خصوصاً من فئة الشباب بعد أن دافع عن مبادئ الثورة.
وأكد سعيّد في تصريحات سابقة أنه مستعد لتقديم اعتذار الدولة “بدون تأخير” لضحايا انتهاكات حقوق الانسان خلال فترة حكم الديكتاتورية، في خطوة مهمة في مسار المصالحة والعدالة الانتقالية.
ويقول الباحث في العلوم السياسية حمزة المؤدب إن “الجو غير ملائم للاحتفال، لا الحكام ولا المحكومين يتوجهون نحو مناخ من الاحتفال لأن هناك حصيلة (تفيد) أن البلاد في وضع سيئ”.
احتجاجات.. فشل
يرى المؤدب أنه بالتأكيد “بنت البلاد ديموقراطية بصعوبة، وبالتأكيد أيضاً هناك تقدم في الحريات السياسية ولكن وبعد عشر سنوات من الثورة هناك حصيلة فشل”.
وتشهد الطبقة السياسية في البلاد انقسامات منذ انتخابات 2019، بينما يزداد الوضع الاجتماعي والاقتصادي صعوبة مع تداعيات جائحة كوفيد-19.
وتتجاوز نسبة البطالة 15 في المئة وتشمل خصوصا الشباب في المناطق الداخلية المهمشة، بينما تدهورت القدرة الشرائية بسبب التضخم؛ في الوقت نفسه، تحول التجاذبات السياسية دون تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى ومقاومة الفساد.
ويرى المؤدب أن “المؤشرات حمراء والتونسيين في حالة من الغضب وهذا ليس التوقيت المناسب لقيام المسؤولين بزيارات ميدانية”.
واستقبل بعض الأهالي من ولاية جندوبة (شمال غرب) رئيس الحكومة هشام المشيشي بهتاف “ارحل” خلال زيارة قام بها منذ أسبوعين بعد حادث وفاة طبيب بسبب عطب في مصعد في مستشفى المنطقة.
وتمثل تزايد الغضب الاجتماعي خلال الأسابيع الفائتة بإغلاق طرقات واعتصامات وتوقيف عمليات إنتاج في مناطق للمطالبة بتأمين وظائف والتنمية وتحسين الخدمات الحكومية.
والطبقة السياسية في البلاد متهمة بإضاعة الوقت في مواضيع غالباً ما تكون وراءها مصالح حزبية ضيقة، حتى أن البرلمان أصبح في المدة الأخيرة مسرحاً لخلافات حادة تصل أحياناً إلى حد الاشتباك بالأيدي.
ويواجه “حزب النهضة” الذي يحتل المرتبة الأولى في عدد المقاعد في البرلمان (54 من أصل 217)، صعوبات لتثبيت غالبية مريحة أمام كتل نيابية مشتتة لتبقى تبعا لذلك حكومة المشيشي ضعيفة ودون دعم سياسي قوي داعم لها.
ويؤكد المؤدب أن “الطبقة السياسية فشلت، وتواجه انتقادات كبيرة”.
ويضيف متسائلاً أنه حتى الرئيس قيس سعيّد الذي انتخب “بأمل كبير بصدد خذلان جزء كبير من الناخبين، لماذا يذهب إلى سيدي بوزيد؟”.
وهو يرى أنه “بعد عشر سنوات على الثورة، لم يعد هناك صبر للناس لسماع الخطابات يريدون الإنجاز الحقيقي والآن”.
إلى ذلك يؤكد مراقبون أن البلاد شهدت انتشاراً للفكر المتشدد وتشكلت تنظيمات متطرفة مسلحة بعد الثورة أربكت الأمن العام في البلاد بهجمات استهدفت سياحاً ورجال أمن وعسكريين، كما هزت الاغتيالات السياسية البلاد.
وفرضت السلطات حالة طوارئ لا تزال سارية إلى اليوم.