تشهد منطقة “الولجة سلا” في المغرب إغلاقاً نهائياً لعدد كبير من ورشات تصنيع وعجن الطين المستعمل في صناعة الفخار بعد فائض كبير في الإنتاج وقلة الطلب، إثر الركود السياحي نتيجة كوفيد 19.
وما زالت تداعيات جائحة فيروس كوفيد 19 تعصف بالعديد من القطاعات المهنية والحرف التقليدية، كتلك التي أرخت بظلالها على صناعة الفخار والخزف بالمنطقة الحرفية الولجة بسلا ضواحي العاصمة الرباط.
تعد منطقة “الولجة” واحدة من أكبر المجمعات الحرفية أهمية في إنتاج المشغولات الفخارية والقطع التقليدية من أواني ومزهريات وغيرها.
ويتم توزيع هذه المشغولات على أهم البازارات والمحلات الوطنية من أجل عرضها قبل وصولها لبيوت المغاربة، لكن الظرفية الوبائية التي يشهدها البلد زادت من الركود الاقتصادي للسوق، وعمقت معاناة العاملين بالقطاع بشكل كبير.
وتشهد “الولجة سلا” لحد الآن فائضاً في الإنتاج، بعد أن كانت تعاني أصلاً من بداية اندثار حرفييها والعاملين فيها.
أدى فائض الإنتاج وتوفر العرض مقابل قلة الطلب إلى أن تتوقف الكثير من أوراش التصنيع وعجن الطين المستعمل بالصنع، ما دفع ببعض العاملين إلى مغادرة المجمع الصناعي لمزاولة أنشطة أخرى أكثر رواجاً.
وعن هذه الأزمة التي خلفتها الجائحة، تحدث إدريس التزارني، صاحب ورشة للفخار التقليدي في منطقة الولجة الصناعية لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في المغرب جواد الأطلس موضحاً الخسائر التي أصابته.
وأشار التزراني إلى أن الإغلاق كبّد التجار خسائر غير متوقعة، ولا يزالون يؤدون تداعيات فاتورته لغاية اللحظة، “ولا سيما أن قطاع الصناعة التقليدية لم يستفد من الإعانة المالية التي تقدمها الدولة”.
وأضاف التزارني أن عملية الإغلاق التي نهجتها السلطات لم تُراعِ ظروف الصُّناع التقليديين، فأغلبية هؤلاء الذين غادروا مصانع الفخار من أيام الحجر الصحي، كانوا يعتمدون على ما ادخروه في أيام ما قبل زمن الجائحة.
وأكد التزارني أن فئة منهم حاولت تغيير النشاط مُكرهة، خاصة أن “التعويضات التي كانت موجهة للفئات الهشة اجتماعياً تعتمد على انخراط في صندوق الضمان الاجتماعي أو الحاصلين منهم على بطاقات التغطية الصحية”.
وإثر استفسارنا من الصانع إدريس حيال تحركات وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، أشار إلى “إن الوزارة الوصية سبق وزارت المُجًّمع في بداية الموسم قبل جائحة كوفيد 19”.
وأضاف أن “الوزارة وقفت على حجم المعاناة التي يعيشها الصناع التقليديون، خاصة تلك المتعلقة بالتأمين وغياب تقاعد يضمن العيش للصانع بعد مسيرة مهنية طويلة”.
ورأى أنه “من البديهي أن يكون للوزارة علم بأن الصانع التقليدي سيعاني بحلول أزمة كورونا والإغلاق الذي عرفه البلد في كل قطاعاته المهنية”.
وبيّن إدريس التزارني أن “نسبة المبيعات تناقصت بنسب مهولة، فإذا ما أجرى التاجر عملية حسابية فإن القطع التي يتم تسويقها لا يمكن أن تسدد حتى تنقلاته من البيت إلى الورشة يومياً”.
وأردف القول إنه بعد الحركة التجارية التي وصفها بالمتوسطة قبل وباء كوفيد 19، صارت المحلات لا تبيع إلا قطعتين أو ثلاث في 15 يوماً.
وأوضح التزارني أنه “مع الإجراءات المشددة على المطارات وغلق الخطوط الجوية مع العديد من الدول التي يأتي مواطنوها للسياحة في المغرب، فقد تضاعفت حدة الكساد التجاري لدى الصانع التقليدي وتجار البازارات الذين كانوا يشترون منتوجات المجمع بالجملة من أجل عرضها في أسواق المدن المجاورة”.
ولفت التزارني النظر إلى أن تجار منطقة الولجة في سلا لا يستفيدون حتى من عملية مقننة لتصدير منتوجاتهم الحرفية إلى خارج المغرب.
وقال إن هكذا عملية ربما تخفف عليهم حدة الأزمة بسبب توقف حركة المطارات، “لا سيما أن نسبة كبيرة من زبائن هذه القطع التقليدية هم من السياح الأجانب القادمين من أوروبا وآسيا، اللهم بعض المهاجرين المغاربة الذين يقتنون بعض القطع القليلة حسب رغبة أو طلب من أصدقائهم الأجانب”.
وعبّر الصانع التقليدي في ختام حديثه لمراسل “تطبيق خبّر”، عن أسفه حيال ما يجري.
ووجه نداءً للمسؤولين بضرورة التحرك بخطوات عملية لإنقاذ الصُّناع التقليديين وكذلك التجار في هذه الظرفية الصعبة، “لا سيما أن موجة من سلالة فيروس كورونا المستجد بدأت تلوح في الأفق، والسلطات باشرت إجراءات جديدة متمثلة في إغلاق المحلات ساعات الذروة التجارية ابتداءً من الثامنة مساءً”.
تجدر الإشارة إلى أن منطقة الولجة سلا تقع بمحاذاة نهر أبي رقراق الذي يفصل بين مدينتي سلا والعاصمة الرباط.
وتتوزع فيها عشرات المعامل الصغيرة لإعداد الطين الخاص ومحلات عرض الفخار الجاهز.
وتعود ملكيتها للمملكة، فيستغلها التجار بسومة كرائية شهرية تتفاوت حسب المساحة المستغلة، لكنها زادت من ضائقتهم المالية إثر الإغلاق المفروض.