تستمر محاولات القاعدة لزعزعة الأمن في أبين لأهمية موقعها الاستراتيجي وامتداد ساحلها على خليج عدن
في شهر آذار/ مارس من العام الحالي (2021)، تبنت القاعدة في جزيرة العرب الهجوم على نقطة أمنية للحزام الأمني في مديرية أحور بمحافظة أبين في اليمن.
بيان “أنصار الشريعة”، الإسم الذي تتخذه القاعدة لها في تلك المنطقة، أشار إلى قتل 8 جنود من أفراد الحزام الأمني واغتنام أسلحة ومبلغ مالي.
لكن ما لم يشر إليه بيان أنصار الشريعة، هو أن اثنين من الجنود قد قتلا ذبحاً، وأن من بين ضحايا الهجوم 6 مدنيين من أسرة واحدة، كانوا يمرون في الحاجز الأمني، وكذلك أصيب 4 مدنيين آخرين.
بيان أنصار الشريعة حول هجمات آذار/ مارس 2021
لطالما كانت محافظة أبين هدفاً للقاعدة في اليمن، لما لموقعها الاستراتيجي من أهمية كبرى، فالمحافظة، فضلاً عن تجاورها الاستراتيجي مع عدن، لها ساحل طويل على خليج عدن، ما يشكل منفذاً مائياً مهماً لمن له السيطرة عليها.
وبالرغم من غنى مواردها الطبيعية، فمحافظة أبين وعاصمتها زنجبار وباقي مدنها وقراها لا تزال تعاني من تبعات الحروب المستمرة للسيطرة عليها، ناهيك عما سبق ذلك من إهمال التنمية بشكل عام إبان عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
تسللت القاعدة إلى المجتمعات اليمنية المعتدلة بالترغيب المضلل باسم الدين أحياناً، وبالترهيب بقوة السلاح أحياناً أخرى، كما بفعل عوامل اقتصادية وقبلية تدخل المصاهرات ضمنها، وتحالفات جيوسياسية تتغير كالرمال المتحركة وفق القواعد التي تفرضها لعبة السياسة والقوى والمال في اليمن.
في أبين، بدأت معاناة الناس من القاعدة وبسببها منذ عشرات السنوات، هذه الحروب المستمرة، بين سيطرة القادعة وعملياتها وحملات الحكومة اليمنية لتطهير المحافظة ودحر التنظيم، أدت إلى تدمير كبير للبنى التحتية والقطاعات الحيوية في المدينة بما في ذلك القطاع الصحي والتعليمي وغير ذلك.
انهارت القطاعات الحيوية في أبين عندما وقعت بيد أنصار الشريعة عام 2011
بعد كرّ وفرّ في السنوات التي سبقت عام 2011، وقعت محافظة أبين تحت سيطرة القاعدة بشكل كامل تقريباً أواخر شهر أيار/ مايو من عام 2011، بعد أن سيطرت جماعة أنصار الشريعة على زنجبار عاصمة المحافظة.
اتخذت القاعدة لها هذا الاسم في تلك المنطقة في محاولة تجميلية لصورتها بهدف استقطاب تعاطف المواطنين وقياداتهم القبلية، متبعة استراتيجية إيديلوجية بهدف “تحويل تحكيم الشريعة من عمل نخبوي إلى عمل شعبوي”، وفق المنظّر الديني للقاعدة في جزيرة العرب آنذاك عادل بن عبدالله العباب الملقب بأبي الزبير، الذي قتل لاحقاً في تشرين الأول/ أكتور عام 2011، في غارة أميركية بطائرة من دون طيار.
لكن أنصار الشريعة لم تستطيع إبقاء قناع العسل الذي لبسته أمام أهالي محافظة أبين وجنوب البلاد عموماً، وسرعان ما بدأت في انتهاك حقوق المواطنين في أبين، وتضييق الخناق عليهم، وفرضت قيوداً على الحق في التعليم والطبابة والعمل، وأكثر من تضرر من جراء ذلك النساء والأطفال.
سنة وبضعت شهور أحكمت فيها أنصار الشريعة قبضتها على محافظة أبين، ودارت المعارك بينها وبين القوات الحكومية التي كانت تشن الحملات العسكرية لاسترداد المحافظة، أدت الحروب هذه لنزوح أكثر من 200 ألف من مواطني أبين.
وخلال المعارك التي نشبت إبان العمليات العسكرية التي شنتها الحكومة لاستعادة هذه المحافظة الاستراتيجية، اتخذت أنصار الشريعة من منازل المواطنين والمستشفيات والمراكز الطبية مقرات لها معرضة حياة المواطنين للخطر الكبير والموت ضحايا في القصف الجوي لمقار عملياتها.
ولأن القطاع الصحي مهم جداً للمجتمعات، وكان الأسوأ حالاً بعد سيطرة القاعدة على أبين، تلقي أخبار الآن الضوء على أبرز ما صار إليه الوضع الصحي إبان سيطرة القاعدة في جزيرة العرب على المحافظة، وعلى وضعه الحالي بعد سيطرة السلطات اليمنية وجهودها للحد من تبعات الدمار والنهب الذي لحق بالقطاع الصحي، وكذلك نزوح الكفاءات الطبية والمهنية من أبين نتيجة الحروب والمعارك التي استعرت في ذلك الوقت، والأشهر والسنين التي تلته.
التضييق على النساء العاملات في القطاع الطبي
خلال سيطرة أنصار الشريعة على محافظة أبين، جرى التضييق على عمل الأطقم الطبية النسائية ومنعهن من الاختلاط خلال عملهن في المستشفيات والمراكز الطبية، وتخويفهن بالتعرض لهن.
وبحسب شهادة لامرأة من العاملات في مجال الرعاية الطبية، نشرتها منظمة العفو الدولية في تقريريها الذي أصدرته عام 2012، تحت عنوان “النزاع في اليمن، أحلك الأوقات في أبين”، ووثقت فيه شهادات لمواطنيين يمنيين وتقييمها للوضع في أبين بين عامي 2011 و 2012، فإن أحد أفراد أنصار الشريعة ظهر في العيادة التي كانت تعمل فيها، وأخبرها بعدم جواز تواجدها مع الطبيب لوحدها أثناء الإجراءات الطبية.
وأضافت المرأة، وفق تقرير منظمة العفو الدولية، فقد لاحقها هذا الشخص بدراجته النارية خلال عودتها وشقيقتها في أحد الأيام إلى المنزل، وبالرغم من أنهما كانتا ترتديان النقاب، فإنه هددهما قائلاً، “هذه آخر مرة أقولها… لا يجوز لكما السير في الشارع وأنتما تكشفان عن وجهيكما، يجب أن تغطياه، وإلا فإننا سنفعل بكما ما لا تتوقعانه”.
من تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 2012
انهيار خدمات مستشفى الرازي بعد جعله مقراً لعمليات القاعدة ما أدى لقصفه
مستشفى الرازي العام في مدينة جعار، ثاني أكبر مدن محافطة أبين، التي حولت أنصار الشريعة اسمها إلى وقار إبان إحكام قبضتها على المدينة وجعلتها واحدة من إماراتها، أصابه الدمار وتردي شديد في خدماته الصحية خلال سيطرة القاعدة على المحافظة.
إذ إلى جانب التضييق على النساء العاملات في القطاع الطبي، والخوف والقلق الذي أدى إلى نزوح كثير من الأطباء والممرضين، سيطرت القاعدة على بعض المؤسسات الطبية.
أبرز هذه المؤسسات، مستشفى الرازي الذي كانت الكويت قد أهدته لليمن وافتتح عام 1989م، محتوياً على معدات طبية حديثة ومنظار عمليات ومركز للأشعة المقطعية ومختبر مجهز وقسم للطواريء، وهو أكبر المستشفيات في محافظة أبين، ويستقبل حوالى 30 ألف مريض سنوياً من كافة أنحاء المحافظة، كما من محافظتي شبوة والبيضاء.
سيطرت أنصار الشريعة مستشفى الرازي لعلاج جرحاها وتقديم الإسعافات الأولية لهم عن طريق أطباء عراقيين وإيرانيين، استقدموهم لهذا الغرض وفق ما أفادت به مصادر طبية لاحقاً، كما اتخذتها مقراً لعملياتها، ما أدى إلى استهداف المستشفى بضربة جوية في 5 أيلول/ سبتمبر عام 2011 خلال حملات الحكومة اليمينة لاستعادة المحافظة.
أدت الضربة الجوية إلى الانهيار التام في خدمات مستشفى الرازي الصحية، ومن ثم نهبه وسرقة معداته من قبل مسلحي القاعدة ومواطنين خارجين عن القانون، وتوقف عن العمل فترة قاربت السنة، قبل أن يتم ترميمه وتأهيله من جديد ويعود للعمل صيف عام 2012، عقب دحر القاعدة بالمنطقة بمساندة من اللجان الشعبية.
وعلى الرغم من أن القاعدة هزمت في أبين، فإنها وبسبب أهمية محافظة أبين الاستراتيجية، تستمر في محاولاتها للسيطرة على مدنها الرئيسة أو استهدافها بعمليات حتى يومنا هذا.
د. امذيب: أعدنا 90% من المنشآت الصحية للعمل والآن 70% من أطقمنا الطبية نساء
في سياق إلقاء الضوء على حال القطاع الصحي في أبين عقب دحر القاعدة منها، التقت أخبار الآن مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في أبين د. جمال ناصر امذيب مرتين متواليتين بسبب مشاغل طارئة خلال لقائنا الأول، وقد شرح لنا حال القطاع الصحي، ومواطن التحسن والاحتياجات بعد تضرر القطاع بنسبة 80 في المئة منه جراء حروب الكر والفر والسيطرة والدحر بين القاعدة والسلطات اليمنية.
وقال د. امذيب إنه “جراء ما خلفه العدوان والسيطرة على محافظة أبين من عام 2008 حتى يومنا هذا، وتحولها هي لساحة حروب، منذ السيطرة عليها في 2008 و2011، فإن أكثر من 80% من المنشات الصحية في المحافظة تعرضت للتدمير، سواء كان في المباني أو نهب المعدات الطبية أو استهداف منشآتها الصحية”.
وأضاف مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في أبين أن “هنالك مستشفيات احتلت كهيئة مستشفى الرازي التي كانت غرفة عمليات للقاعدة، فاضطر الطيران لضرب هيئة مستشفى الرازي ما أدى إلى مغادرة الطاقم للمستشفى، وبالتالي تعرض المستشفى للنهب الذي وصل لأسرّة المرضى، ناهيك عن المعدات والأجهزة الطبية”.
وأشار د. جمال امذيب إلى أن “مركز البرنامج الوطني لدحر الملاريا تعرض للقصف، كما للنهب وتفريغه من كل محتوياته حتى النوافذ والأبواب، وإلى يومنا هذا يبقى شاهد عيان على ما تعرض له قطاع الصحة”.
وعن تقييمه للقطاع الصحي حالياً، قال د. امذيب، “حقيقة القطاع الصحي في محافظة أبين، حاله كحال أي قطاع من قطاعات المحافظة التي تعرضت للتدمير والنهب والاقتحام نتيجة لما مرت به هذه المحافظة من ظروف، سواء كانت الظروف العسكرية أو الحربية التي فرضت على أبناء المحافظة”.
وأوضح أنه “منذ عامي 2017 و2018 أعيدت المباني الصحية بدعم من السلطات المحلية في المحافظة، ممثلة بالمحافظ اللواء الركن أبو بكر حسين، فضلاً عن المنظمات الصحية ووزارة الصحة، وحالياً نقدر أن نقول إنه أعدنا قطاع الصحة إلى العمل بنسبة 90%، لكن بعضاً منها يحتاج إلى تقييم البنى التحتية، والبعض الآخر يحتاج إلى استكمال التجهيزات الطبية، فيما البعض الآخر محتاج إلى الكادر الطبي”.
وبسؤاله عما يقومون به لحماية الأطقم الطبية لئلا يتكرر التعرض لهم ومضايقاتهم أو قتلهم، بيّن د. امذيب أنه “في هذه الفترة هنالك بعض المستشفيات والمراكز لديها حراسات أمنية لحماية المستشفات والمراكز وحماية موظفيها وأجهزتها ومعداتها الطبية من التسريب”، مشيراً مرة أخرى إلى اتخاذ مسلحي القاعدة من بعض المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية مقرات لهم، ما أدى إلى تدميرها ونهب معداتها وأجهزتها”.
أما النجاح الأبرز في عودة القطاع الصحي، فقد رسم ابتسامة على وجه د. امذيب حين أجابنا رداً على سؤال حول عودة النساء العاملات في القطاع الطبي للعمل، إذ قال، “حقيقة نقدر نقول أنه الآن القطاع النسائي يشكل أكثر من 70% من العاملين في المستشفيات والمراكز الصحية، مثل مراكز الطوارىء والتوليد العامة حيث تقدر تقول أن المراكز هذه يشغلها كادر نسائي 100%”.
وعند سؤاله إن كان هناك من الكوادر الطبية من انضم للقاعدة وما إذا كانت قد اتخذت بحقهم إجراءات عقابية بسبب لك، أكد د. امذيب أن “لا أحد من العاملين في قطاعنا الصحي قد كان منضماً للقاعدة أو حتى موالٍ لها، وبالتالي لا نستطيع أن نقول أن هنالك أحد من قطاعنا وكوادرنا الصحية له علاقة بهذا التنظيم وغيره”.
وبشأن ما سيفعلونه في حال وصول مصابين من القاعدة إلى المستشفيات والمراكز الصحية، قال د. امذيب “نحن نتعامل مع ذلك بحكم عملنا الإنساني، نتعامل مع الجميع بدون استثناء”.
د. السقاف: نطمح لترميم البنية التحتية للمستشفى بالكامل وأناشد المنظمات الدولية لتقديم الدعم
في سياق الموضوع نفسه، التقت أخبار الآن، رئيس هيئة مستشفى الرازي في أبين، دكتور حسين عبد الباري السقاف، الذي شرح مدى تضرر المستشفى خلال سيطرة القاعدة وطالب الهيئات والمنظمات الدولية بدعم المستشفى لرفع مستوى خدماتها بما يليق بالناس، كونه الهيئة الصحية الوحيدة في محافظة أبين.
وقال د.السقاف إن “مستشفى الرازي تعرض لقصف طيران أيام حرب القاعدة تضرر فيه أربعة أقسام، منها المختبر وقسم العيادات الداخلية وقسم العيون ومركز الطواريء التوليدية، وأعيد ترميمه من قبل وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، ونطمح بإعادة الترميم للبنية التحية كون البنية التحتية هي نفسها من عام 1989 ولم يتم إعادة تأهيلها بشكل كامل”.
وناشد د. السقاف الهيئات والمنظمات الدولية “لدعم هذه الهيئة الصحية الوحيدة، هيئة مستشفى الرازي، فدعمكم لمستشفى الرازي ودعمكم لأبناء محافظة أبين ككل هو السبيل لنا لتقديم الخدمة الصحية اللائقة التي يستحقها أبناء محافظة أبين”.