تساؤلات عميقة طرحها الشارع الأردني وإشادة بموقف الملك في حل الأزمة
في 48 ساعة ارتفع منسوب القلق عند الأردنيين إلى أعلى مستوياته، ثم انخفض؛ وكأنما حدث من عاصفة “اعتقالات تمس أمن الأردن”، البلد المحاط بأزمات الإقليم كانت بمثابة “زوبعة في فنجان”، وكل هذا كما يرى أردنيون بفضل الحكمة التي يتمتع بها البيت الهاشمي، الذي أسسه باني الأردن الحديث الحسين بن طلال على الحكمة والتعاضد، كما يقولون.
وهو ما تكرس في تدخل الأمير الحسن بن طلال، ولي العهد السابق للأردن لعقود طويلة، بطلب من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الأمر الذي اعتبره إعلاميون أردنيون التزاماً بتقاليد العائلة المالكة، كما رصدت “أخبار الآن“.
ففي الثالث من أبريل، صدم الأردنيون بخبر مقتضب على وكالة الأنباء الأردنية “بترا” يقول فيها إنه “جرى اعتقال رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، وآخرين على خلفية قضية أمنية”.
صدمة كبيرة
وبرغم الصدمة التي غلفت مواقع التواصل الاجتماعي الأردنية، وذلك بسبب انتقاداتهم الواسعة منذ زمن لسياسة عوض الله المتهم بالخصخصة للعديد من مؤسسات الدولة الأردنية، وعدم معرفتهم بالشريف حسن بن زيد، إلا أن عبارة “وآخرين” أثارت لغطاً كبيراً بينهم.
ثم تداول عدد منهم رسالة مفادها أن المعتقلين الآخرين هم من الدائرة المقربة من الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، والذي يعتبره كثيرون قريبا من سياسة والده الراحل الملك الحسين بن طلال، المستقر في وجدان الأردنيين منذ عقود.
بيانات وتسجيلات
وبعد أقل من ساعة من تداول العديد من الشائعات التي تمس الأمير حمزة شخصياً، خرج رئيس هيئة الأركان المشتركة ببيان مقتضب لم يوضح حقيقة ما جرى، لكنه أشار بوضوح إلى ان هناك استغلال لزيارات سموه ولقاءاته المجتمعية من أجل المس بأمن الأردن وضربه، وهو ما لن تسمح به الأجهزة الأمنية، مشدداً على قوة المؤسسة العسكرية في مواجهة أي تحديات قد تمس بأمن الأردن، الذي يقطنه نحو 10 ملايين نسمة.
حينها ارتأى الأمير حمزة بن الحسين أن يخرج بفيديو مسجل باللغتين العربية والإنكليزية يوضح فيه حقيقة اللقاء الذي جرى بينه وبين رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي زاره في بيته وطلب منه عدم التواصل مع الناس وهو ما رفضه الأمير رفضاً قاطعاً، مستنداً إلى إرث والده الكبير في تأسيس الدولة الأردنية، ومخاطباً رئيس هيئة الأركان “أنت في بيت الحسين”، وهو ما اتضح من خلال تسجيل ثالث بثته مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً.
بيان مُحكم
لكن الأردنيون صدموا مرة ثانية، قبيل صدور هذا التسجيل، عندما أعلنت الحكومة الأردنية في بيان وصفه وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال صخر دودين وقدمه وزير الخارجية الأردني ونائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي بـ “المُحكم”، تفاصيل ما جرى.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن الصفدي قوله في مؤتمر صحافي “محدود” إنه “تم إجراء تحقيقات شمولية مشتركة على مدى فترة طويلة حول نشاطات وتحركات الأمير حمزة بن الحسين والشريف حسن بن زيد وباسم إبراهيم عوض الله، وأشخاص آخرين تستهدف أمن الوطن واستقراره كانت تجري مراقبته منذ فترة.”
وتابع أن “ذلك توازى مع نشاطات للأمير حمزة مع العشائر لتحريضهم ودفعهم للتحرك في نشاطات من شأنها المساس بالأمن الوطني”، وتابع أن التحقيقات تجري منذ فترة طويلة وأن السلطات تحركت بعد أن انتقل المشتبه بهم من مرحلة التخطيط والنوايا إلى تحديد وقت التحرك.
وتابع الصفدي أن “الأجهزة الأمنية رصدت تواصل شخص له ارتباطات بأجهزة أمنية أجنبية مع زوجة الأمير حمزة، ويعرض عليها تأمين طائرة فوراً للخروج من الأردن إلى بلد أجنبي”.
وأضاف وزير الخارجية الأردني أن “الأمير حمزة قام ببث رسالتين مسجلتين باللغتين العربية والإنجليزية في محاولة أخرى لتشويه الحقائق ولاستثارة التعاطف المحلي والأجنبي”، وأشار إلى أنه “تمت السيطرة على هذه التحركات ومحاصرتها وتمكنت أجهزة الدولة من وأدها في مهدها”.
وأكد الصفدي أن “أمن الأردن يتقدم على أي اعتبار والتحقيقات ما تزال مستمرة وسيتم التعامل معها وفقاً للمسار القانوني”، موضحاً أن “الأجهزة الأمنية رفعت توصيتها إلى الملك عبد الله الثاني بإحالة هذه النشاطات لمحكمة أمن الدولة والملك فضّل بداية الحديث مع الأمير حمزة في إطار الأسرة الهاشمية، مشيراً إلى أن “هناك جهوداً لاحتواء الموقف داخل الأسرة الهاشمية لكن لا أحد فوق القانون”.
وأكد الصفدي أن “محيطين بالأمير حمزة كانوا يتواصلون مع جهات تصنف نفسها بالمعارضة”، مشيراً إلى أن الأشخاص المعتقلين عددهم بين 14 و16 عدا عن باسم عوض الله، والشريف حسن بن زي.
الأمير حمزة يعلن ولائه للعرش الهاشمي وإرث آبائه وأجداده
وفي اليوم التالي (أمس الإثنين) صدر بيان عن الديوان الملكي الهاشمي الأردني، جاء فيه: “بعد أن قرر جلالة الملك عبدالله الثاني التعامل مع موضوع سمو الأمير حمزة بن الحسين في ضوء تطورات اليومين الماضيين ضمن إطار الأسرة الهاشمية، وأوكل جلالته هذا المسار إلى سمو الأمير الحسن بن طلال، تواصل الأمير الحسن مع الأمير حمزة، الذي أكد بأنه يلتزم بنهج الأسرة الهاشمية، والمسار الذي أوكله جلالة الملك إلى الأمير الحسن.
واجتمع الأمير الحسن وأصحاب السمو الأمراء هاشم بن الحسين، وطلال بن محمد، وغازي بن محمد، وراشد بن الحسن، اليوم الاثنين، مع الأمير حمزة في منزل الأمير الحسن، حيث وقع الأمير حمزة رسالة تاليا نصها:
“بسم الله الرحمن الرحيم
كرس الهاشميون عبر تاريخهم المجيد نهج حكم أساسه العدل والرحمة والتراحم، وهدفه خدمة الأمة ورسالتها وثوابتها. فلم يكن الهاشميون يوما إلا أصحاب رسالة، وبناة نهضة، نذروا أنفسهم لخدمة الوطن وشعبه.
ويحمل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين اليوم الأمانة، ماضيا على نهج الآباء والأجداد، معززا بنيان وطن عزيز محكوم بدستوره وقوانينه، محصن بوعي شعبه وتماسكه، ومنيع بمؤسساته الوطنية الراسخة، وهو ما مكن الأردن من مواجهة كل الأخطار والتحديات والانتصار عليها بعون الله ورعايته.
ولا بد أن تبقى مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وأن نقف جميعا خلف جلالة الملك، في جهوده لحماية الأردن ومصالحه الوطنية، وتحقيق الأفضل للشعب الأردني، التزاما بإرث الهاشميين نذر أنفسهم لخدمة الأمة، والالتفاف حول عميد الأسرة، وقائد الوطن حفظه الله.
وفي ضوء تطورات اليومين الماضيين، فإنني أضع نفسي بين يدي جلالة الملك، مؤكدا أنني سأبقى على عهد الآباء والأجداد، وفيا لإرثهم، سائرا على دربهم، مخلصا لمسيرتهم ورسالتهم ولجلالة الملك، وملتزما بدستور المملكة الأردنية الهاشمية العزيزة. وسأكون دوما لجلالة الملك وولي عهده عونا وسندا.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : 59]”.
اختفاء التوتر ودعم دولي للأردن
حينها هدأ التوتر الذي لف حياة الأردنيين لمدة يومين، خصوصاً بعد أن أعلنت دول شقيقة وصديقة ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات ومصر دعمها للأردن بقوة، والوقوف إلى جانبه في كل ما يمس أمنه واستقراره، وتقديم الدعم المطلق لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الذي فاز بجوائز عالمية حول الدور الذي يقوم به من أجل إرساء السلام في المنطقة.
لكن تعليقات الأردنيين حول الحادثة، كانت بضرورة جمع الكلمة ومواجهة التحديات التي قد تعصف بالوطن، كما أثنوا على حكمة العاهل الأردني في احتواء الأزمة، معلنين ولائهم وانتمائهم لقيادتهم التي وصفوها بالقادرة على صد أي عدوان قد يهدد أمن الأردن والأردنيين، كما نشروا صوراً للعاهل الأردني مع جميع أشقائه ومنهم الأمير حمزة بن الحسين.
دعوات للحفاظ على المملكة والالتفاف حول العرش
الناشط الشبابي سلطان الخلايلة، كتب على صفحته في فيسبوك “يسعد صباحكم ،،، لا يظن أحد أن الصمت سيسود، سيبحث الحاقدين عن أي شيء لإيجاد خلافات وفُرقة بين الناس لأن منفعتهم من الخلاف أكبر، ولا تعتقدوا أن الباحث عن الخراب وعن الفتنة سيفرح بما جرى يوم أمس .الأحداث الآن دخلت دائرة المعالجة عبر إطار العائلة الهاشمية بهدوء فعلينا أن لا نوقظ ضجيج الحاقدين ليرتفع ضجيجهم المقيت ..وليبقى أردننا العظيم عصياً على الفتن”.
الإعلامي فتح منصور، قال: “الأزمة كانت لخروج الخلاف للعلن خارج إطار العائلة الهاشمية.. وتم احتواء هذا الجانب.. سيكون هناك عمل بالتاكيد لاحتواء أسباب المشكلة ضمن العائلة وهذا أمر مهم.. لأن تلك هي قواعد الأسرة الهاشمية تاريخيا في التعامل مع الاختلاف في الرأي داخلها”.
وأضاف “ما زال هناك جانب يتعلق بما أعلن عن أعمال تهدف لزعزعة استقرار البلد.. وارتباط ذلك بجهات خارجية.. وهنا يجب أن يكون هناك مكاشفة.. فهناك تحقيقات تم الإشارة لها وهناك أشخاص تم توقيفهم مما يعني أن هناك قضية..هذا المسار يجب أن يكتمل لنفهم الصورة ونطمئن على بلادنا.. ويأخذ القانون مجراه”.
الكاتب المعروف باتر وردم كتب: “ما يحدث حاليا ليس مباراة كرة قدم نختار فيها فريقا نشجعه ونحن نتناول المكسرات. هذا مستقبل بلد على المحك وهنالك عشرات الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة وعشرات المشاكل التي تحتاج حلول حاسمة ومستدامة. اتركوا العاطفة جانبا ودعونا نركز على تعزيز استقرار نظام الحكم والدولة والذي آخر ما يحتاجه هو تسريب تسجيلات حساسة، وبالمناسبة سلموا لنا على الولاية العامة”.