أمام بيتها في أحد أحياء مدينة الموصل القديمة، تقف الدكتورة مكارم، لتنتظر طفلتها زينب التي لم تتجاوز الـ13 من عمرها بعد، قبيل المشاركة في ماراثون “التحدي” بالدراجات الهوائية الذي أقامته منظمة “جسر إلى… معا السلام”، بمشاركة عدد من نساء نينوى، وذلك من أجل تعزيز السلام
تستعيد مكارم ذكرى السنوات الماضية، وكيف استطاعت أسرتها عبور تواجد تنظيم داعش الإرهابي، داخل الموصل، مشيرة إلى أن ما تمارسه ابنتها اليوم كان أحد ضروب الخيال قبل سنوات قليلة.
وتقول مكارم: “من الواجب علينا كأولياء امور تعليم أبنائنا قيادة الدراجة الهوائية من أجل إنقاذ حياة الآخرين، مضيفة أن هذه الرياضة هي غاية لا وسيلة خصوصا ونحن نعيش في زمن المفاجآت وبظروف استثنائية”.
وتكمل: “مع دخول تنظيم داعش تعرضت عائلتنا لصدمة وهذا ما دفعني لتشجيع زينب على قيادة الدراجة، في يوم سقوط مدينة الموصل 9 / حزيران /2014”.
وشهدت مدينة الموصل العديد من النشاطات الثقافية والفنية مؤخراً التي تدعو الى محاربة ما تبقى من الأفكار الظلامية وإعادة نينوى إلى سابق بريقها الثقافي والفني، حيث يواصل الشباب في المدينة العمل على المشاريع هذه , من فنون موسيقية ومسرحية وعروض مختلفة ونشاطات مختلفة هدفها الانسان والبنيان.
حكايات وقصص عديدة للمشاركات من بينهن إلهام سعد وهي مشاركة من الموصل، التي تقول إنها شاركت في الحدث حتى تشجع الأهالي على دفع أبنائهم لتعلم هذه الرياضة.
وتضيف سعد: “نحاول نشر هذه الفكرة لتكون دارجة وأتمنى في يوم من الأيام أن أصبح بطلة لهذه الرياضة من أجل تمثيل الموصل والعراق في المحافل الدولية “.
وينتظر هذا الفريق بعض الإجراءات القانونية ليسجل مع أحد النوادي المحلية ليصبح متاحا للمشاركة القطرية والإقليمية بهذه الرياضة.
ماراثون نينوى
نساء التقين سوية، من أعمار مختلفة، من قوميات وأديان مختلفة، تجمعن وتدرّبن لأكثر من أسبوع حول قيادة الدراجات الهوائية وإجراءات السلامة أثناء القيادة بعد التدريب في ثلاثة مراكز “منتدى بعشيقة، منتدى الأندلس ومنتدى الموصل” تعلّمن ركوب الدراجة بحرفية، وشاركن صباح الإثنين الموافق 12 نيسان 2021 في ماراثون “التحدي” بالدراجات الهوائية الذي أقامته منظمة “جسر إلى… معا للسلام” وبالتعاون مع مديرية الشباب والرياضة / المركز الوطني للعمل التطوعي في نينوى، وبمشاركة عدد من نساء مكونات نينوى، وذلك من أجل تعزيز السلام وتفعيل دور المرأة في عملية بناء السلام والتماسك الاجتماعي ودعما للحركة الرياضية النسوية في محافظة نينوى.
انطلق الماراثون بمشاركة أكثر من 30 امرأة من مختلف مكونات نينوى، في الجانب الأيمن من مدينة الموصل القديمة وبالتحديد من جامع النوري الكبير الذي استخدمه البغدادي للإعلان عن خلافته المزعومة التي روّجت للقتل والإرهاب والدمار والعنف, وصولا الى شارع النجفي، في حدث يعتبر الأول في محافظة نينوى وذلك من أجل إحياء المدينة القديمة في المحافظة والترويج لحقوق المرأة وللسلام من خلال هذه المظاهر, بعد ما تعرضت له من دمار وخراب من قبل تنظيم داعش الإرهابي.
نساء الموصل.. من إرث داعش إلى قيادة الدراجات في الشوارع
تقول دارين رائد الياس وهي إيزيدية من بعشيقة مشاركة بالمارثون:”أنا سعيدة اليوم لأنني هنا في مدينة الموصل المكان التي كانت منطلقا لقتل المدنيين والأبرياء, المكان الذي أعلن منه البغدادي خلافته”.
وتضيف:”أتذكر عندما دخل التنظيم المتطرف إلى نينوى حيث قالوا لنا رجال القرية، يجب علينا أن نخرج من القرية لأن هذا التنظيم سوف يقتلنا ويقتص منا، وكانت كل الطرق بيدهم ونحن شبه محاصرين في القرية”.
” خرجنا في يوم كان الجو ممتلئا بالخوف والجوع والعطش, لأننا خرجنا عبر الجبل ومشينا لمسافات طويلة حتى نصل المنطقة الآمنة”.
وتتابع دارين: “بقينا ثلاث سنوات في المخيمات مشردين في مناطق مفتوحة بدون رعاية صحية أو تربوية، تأكلنا الثلوج والعواصف في الشتاء ويقتلنا حر الصيف، وفي المخيمات حياة أشبه بالسجن الكبير حيث لا دخول ولا خروج”.
تضيف دارين بسعادة: “اليوم بعد أكثر من ثلاثة سنوات، أعتبر منطقتي جنة ورجعنا للسكن وممارسة هذه الرياضة في المنطقة, وهذه الرياضة ليست محددة للذكور إنما للجميع. وفي منطقتنا يوجد بعض الحرية حيث شكلنا جماعات أنا وبعض من صديقاتي وعددهم ثمانية من أجل التمارين بعض الأحيان والتنزه في أحيان أخرى”.
ويطمح المدرب عبد الرحمن العجيلي الذي أشرف على تدريب الفريق، بالوصول الى بطولات قطرية وإقليمية في هذه الرياضة التي
تشكل نوعاً من التحدي داخل المجتمع العراقي والموصلي بالتحديد، لكن يرى عبد الرحمن أن قيادة الدراجة الهوائية للمرأة ليس فقط
لأجل الرياضة, وإنما لكسر الحواجز النمطية المعروفة لدى الجميع , ومساعدة الآخرين من خلال هذه الرياضة.