الفانوس الصيني شوه التراث المصري ودمر صناعة فوانيس رمضان
على مدار سنوات طويلة، مثل الفانوس الصيني، تهديدا كبيرا لصناعة فوانيس رمضان في مصر، حيث أن مصر هي مهد وأساس صناعة تلك الأداة التي يستخدمها المصريون، ابتهاجا بقدوم شهر رمضان الكريم، وكادت الصين أن تقضي على تلك الصناعة. غير أن جولة في الأسواق المصرية، وورش صناعة فوانيس رمضان، تبشر بعودة جديدة لصناعة الفوانيس، وإحياء تلك الصنعة، لتكون نسبة المصنوع محليا من الفوانيس، طاغية على غيرها، وسط احتفاء كبير من أصحاب الورش والباعة.
عمال الورش: تخلصنا من تهديد الفانوس الصيني لصناعة فوانيس رمضان هذا العام
أمام مسجد السيدة زينب في القاهرة، شوادر كثيرة ممتلئة بمختلف الأنواع والأشكال من فوانيس رمضان، تصدح مكبرات الصوت بتلك الشوادر بأغاني رمضان، ويتحرك بينها مئات المواطنين الراغبين في شراء فوانيس لأطفالهم، أو حتى لوضعها داخل منازلهم، وخلف كل ذلك الصخب هدوء شديد لا يخترقه إلا صوت المطارق وأدوات الصناعة في أيادي الصنايعية، حيث تقبع ورش لصناعة الفوانيس منتشرة في الشوارع الجانبية تكثف العمل لانتاج فوانيس رمضان، وتغذي تلك المحال بما تصنع: “خلال السنوات الماضية، كان الفانوس الصيني يمثل تهديدا كبيرا لتلك الصناعة، كنا ننتج الفوانيس لكن عملية البيع لم تكن على أفضل وجه” يقولها علي سيد الذي يعمل في إحدى الورش منذ 9 سنوات، وكان الحال متغيرا فيها وفق حالة الطلب والشراء.
موسم جديد يحمل بشرى لأصحاب الورش المصرية بدون البلاستيك الصيني
“الفانوس أصله مصري.. ولذلك كنا نشعر بخيبة حين نرى الأسر تقبل على الفانوس الصيني، رغم رداءة المنتج” يقولها الشاب وهو يجمع قطعا من الصاج، ويقوم بربطها مع بعضها بأدوات لحام، فيما يجلس آخرون لتقطيع أجزاء من الفانوس الصاج، ويقوم آخرون بتجهيز الزجاج الذي يدخل في صناعتها، ومن ثم تجميع ذلك كله في فانوس واحد، ليكون في النهاية فانوس رمضان الذي يمثل مصدرا لبهجة الأطفال والكبار على حد سواء: “الورشة يعمل فيها نحو 15 شخصا، وهذا عدد جيد، في السنوات الماضية كانت الأعداد أقل، لكن مع زيادة الطلب على الفانوس المصري كان لزاما علينا أن نجمع أكبر قدر من العمال”. وكان الشاب والعاملون معه في الورشة، يخشون فيما سبق أن تندثر تلك الصناعة شيئا فشئيا نتيجة توغل الفانوس الصيني في الأسواق.
فانوس رمضان ..البداية كانت من مصر
ويعود أصل الفانوس بحسب مؤرخين، إلى العصر الفاطمي، حين كان يوضع على أبواب المنازل والشوارع، ترحيبا بالشهر الكريم، وكان يضاء بالزيت والفتيل، ويصنع من الزجاج ليعكس ألوانا مختلفة تسر الناظرين، لكن ومع السنوات الأخيرة، كان الفانوس الصيني، يجذب الأطفال والأسر، نظرا لرخص سعره، وكونه يشبه اللعبة، وهو أمر يراه الشاب الذي يعمل في صناعة الفوانيس لا يمت لرمضان بصلة: “الفانوس شكله مختلف، ما كان يستورد من الصين يشبه اللعبة، والفارق كبير بين هذا وذاك”.
قرار حظر الفانوس الصيني يمنح بارقة أمل للصناعة المصرية
بالرغم من قرار حظر استيراد الفانوس الصيني، منذ 5 سنوات، بقرار من وزير التجارة والصناعة، منير فخري عبد النور، وحمل رقم 232 لسنة 2015، إلا أن فانوس رمضان الصيني كان يجد لنفسه مكانا بين البائعين، بالتحايل وتصديره باعتباره لعبة، ثم تضاف إليه أسطوانات الأغاني بعد دخوله مصر، وخلال العام الماضي، وتوقف حركة الطيران والسفن حول العالم، كانت البضائع الصينية مكدسة ولا تدخل البلاد، وحين تم استئناف حركة الطيران والسفن دخلت الفوانيس، لكن أسعارها ارتفعت بشكل كبير، بحسب ما يوضحه أحمد عبد الخالق، أحد بائعي الفوانيس بميدان السيدة زينب بالقاهرة: “وفي تلك الفترة، وجد المصريون أن أسعار الفانوس الصيني تكاد تكون أغلى من المحلي، فعاد الناس إلى الفانوس المصري، وحينها أدركوا أنهم كانوا على خطأ حين اشتروا الصيني قبل ذلك”.
ويؤكد عبدالخالق، أن فانوس رمضان المصري عاد للصدارة من جديد، لأنه الأساس، وكان الأطفال قديما لا يعرفون غيره، وكان يتم إضاءته بالشموع، ويلهون به في الشوارع، كما توضح الأغاني والأفلام المصرية القديمة، ولذلك كانت رغبة الناس في العودة إلى ذلك الطابع الذي اعتادوا عليه سببا في عودة فانوس رمضان المصري المصري لمكانه مرة أخرى: “كثير من الأسر يأتون إلي، ويخبرونني برغبتهم في الفانوس الصاج أو الصفيح، ذلك الذي اعتادوا قديما على اللعب به، وذلك أمر مبشر بشكل كبير لتلك الصناعة في مصر”.
وعي المصريين جعلهم ينبذون الفانوس الصيني ويعودون للمصري
يأتي ذلك في ظل تشديد ورقابة كبيرة على تلك الألعاب التي يتم إدخالها باعتبارها تشبه فوانيس رمضان، وذلك ما منح للعمال في مصر فرصة كبيرة لتطوير الفانوس، وإخراجه بأشكال مختلفة، فظهر الفانوس الخشبي، والفانوس المشكل من الخيامية، إلى جانب الصفيح أو الصاج. والموجود في الأسواق المصرية ما هو إلا بقايا ما تم استيراده في الأعوام الماضية، بحسب ما توضحه منى سيد التي تبيع الفوانيس منذ سنين طويلة: “أصبح لدى المصريون وعيا بضرورة شراء المنتج المحلي، لأنه الأصل، وكثير من الآباء حين يأتون إلي يطلبون الفانوس المصري كما ترى”.
إلى جوارها، كانت أسرة مصرية تختار عددا من الفوانيس، مختلفة الحجم والأشكال والأسعار أيضا، تبدأ من 25 جنيها وصولا إلى 800 جنيه، وبحسب ما يطلب المشتري، وكان الأب، محمود عبد الخالق، يترك الحرية لأطفاله شراء 3 فوانيس بحسب ما يريدون. يقول الأب إنه اعتمد في السنوات الماضية على الفوانيس المستوردة، لكن العام الماضي لم تكن موجودة بشكل كبير، وحين اشترى المصرية، أعجب أطفاله بها، فقرر أن يشتري لهم هذا العام مثلها: “وحين أتيت إلى هنا وجدت الفوانيس التي تربينا عليها في صغرنا هي المنتشرة، الصينية لم يكن لها وجود يذكر”.
مبيعات فوانيس رمضان المصري هذا العام وصلت ٥٠ مليون جنيه
وتقدر مبيعات الفوانيس هذا العام بضعفي الموسم الماضي، وقيمة الإنتاج السنوي للفوانيس تصل إلى 50 مليون جنيه، بحسب تصريحات لبركات صفا نائب رئيس شعبة لعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية، والذي يوضح سبب انخفاض أسعار الفوانيس هذا العام، بما أحدثه فيروس كورونا في عامه الأول بمصر، ووجود مخزن لدى الباعة: “ويصل إنتاج القطع في مصر إلى نحو 4 ملايين قطعة، ما بين إنتاج الورش والمصانع”.
فيما يرى محمد حسن، وكيل شعبة لعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية، أن هذا العام مبشر بشكل كبير لصناعة الفوانيس في مصر: “كل العمال وأصحاب الورش في حالة فرحة كبيرة لرواج أعمالهم، وكانت هناك تصميمات مختلفة للفوانيس، وكلها تباع على نحو كبير”. ويرى الرجل أن القبض على الحاويات التي تهرب الفوانيس باتت منتشرة بشكل كبير، ولذلك اتجه أصحاب الورش في مصر، للاعتماد على أنفسهم في ذلك الفن: “وأصبحت لدينا أفكارا مختلفة، ولأول مرة نرى صناعة فوانيس على هيئة شخصيات يتم إنتاجها في مصر، والصيني تراجع بشكل يصل إلى 95%”. ويقول الرجل إن هذا الموسم شهد إقبالا كبيرا على شراء الفوانيس، بشكل لم يعهده خلال 5 سنوات ماضية.