شابات وعجائز يخيّطن الأحذية أملًا بتوفير لقمة العيش
نظمت ورشة تدريبية بإشراف لجنة المرأة والحرف اليدوية التابعة للمجلس البلدي ببلدة حفّوز بولاية القيروان بتونس لفائدة الملتحقات الجدد في مجال خياطة الأحذية، بمشاركة حوالي 15 امرأة من مختلف الأعمار.
تهدف الورشة إلى تأهيل النساء العاطلات عن العمل وصاحبات الدخل المحدود من أجل توفير مورد رزق يعولهنّ وأبنائهن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقَة التي ألمّت بالبلاد إثر تبعات جائحة فيروس كورونا المستجد.
حول هذه الدورة، أبرزت رئيسة لجنة المرأة نجوى الرويني لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في تونس رامي جبنوني أن اللجان البلدية تقوم بتكوين وتأهيل النساء في مجالات مختلفة ودمجهن في سوق الشغل، وذلك في إطار برنامج إنمائي لفائدة المرأة الريفية بالشراكة مع منظمات دولية.
وأضافت الرويني أنه في الغالب تكون المتدربات من النساء الأميات أو ذات التحصيل العلمي القليل، لكن مؤخرًا بدأت الشابات الخريجات من الجامعة بالالتحاق بهذه الدورات لعدم حصولهن على وظيفة.
من بين هؤلاء الشابات، “سوسن كسابي”، وهي حاصلة على شهادة الأستاذية في اللغة العربية، التي أكدت لمراسل “تطبيق خبّر” أنها تعاني البطالة منذ إتمامها الشهادة الجامعية سنة 2012.
وكشفت أن مهنة خياطة الأحذية أصبحت ملجأ خريجات الجامعات اللائي مللن الجلوس مكتوفات الأيدي ينتظرن منذ سنوات وظيفة قد لا تأتي، خاصة بعد توقف الانتداب في سلك الوظيفة العمومية بقرار من الحكومة التونسية بسبب العجز الاقتصادي وتضخم كتلة الأجور.
كما أكدت سوسن أن هذه الحرفة أنقذت مئات العائلات بالرغم من قلة مواردها المالية، مشيرة إلى ارتفاع نسبة الفقر الشديد والاحتياج لدى العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل.
تعتمد بعض الماركات الأجنبية في صناعة الأحذية على نساء القرى في أرياف تونس من أجل خياطة الأحذية يدويًا، وهذا ما يجعل المنتوج باهظ الثمن عند البيع والتسويق في الأسواق الأوروبية.
تقوم هذه الشركات بتوفير كل المواد الأساسية من نعال وجلد وخيوط مع ترقيمها وضبط ملامحها حتّى تُحافظ على “براءة الانتاجِ” وتضمن حُسن الجودة والترويج بحسب المواصفات التّي تضبطها.
تقاعس من الرجال على امتهان هذا العمل لتدني متدني الأجر
الخالة لطيفة، تنحني بظهرها وسنواته الخمسة والسبعين سنة على حذاء بين يديها تخيطه باحتراف وهي تخبر مراسل “تطبيق خبر” كيف تصارع شيخوختها من أجل الاستمرار في العمل خاصة وأن خياطة الأحذية تؤثر بشكل كبير على سلامة البصر وفق قولها.
أما أحلام التي تشارك حماتها الحاجة لطيفة نفس المهنة، فقالت إن وكلاء الشركات المشغلة لا يعطونهن حقهن بالكامل إذ يصل ثمن بعض أكياس الأحذية التي يحتوي كل كيس منها على 20 حذاء إلى أقل من أربعة دينارات تونسية (1.5 دولارًا) بالرغم من أن هذا النوع من الأحذية ثمين ويدر على أصحابه أرباحًا طائلة.
وأشارت أحلام إلى أنها مجبرة على العمل من أجل إعالة أبنائها بعد تعرض زوجها لحادث شغل، لافتة النظر إلى انتشار ظاهرة تقاعس الرجال عن العمل في القرية بسبب عدم الرضا على الأجر اليومي المقترح من قبل أرباب العمل مع ندرة فرص الشغل هناك.
لا يمكن أن يمر أي حذاء دون أن تفحصه راضية جيدًا، كما تؤكد لمراسل “تطبيق خبّر” وتبيّن له أنها أول من امتهن هذه الحرفة في القرية إلى أن أصبحت تعمل كوسيطة بين الشركات وبقية العاملات.
وفيما تدفع بالإبرة عميقا في جلد الحذاء، قالت راضية، “أتلقى عشرات الوخزات كل يوم من هذه الإبرة حتى فقدت الشعور بأصابعي، ولكن ذلك لا يعني شيئًا أمام وخزات الزمن وطعناته لو تخليت عن هذا العمل”.
كما أضافت أنها لم تجد من يعيلهم بعد أن انقطعت بها السبل وضاقت بها الحياة بسبب مرض زوجها وبطالته التي أصبحت مزمنة مثل مرضه.
من جهة رسمية، أكد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار لمراسل “تطبيق خبّر” أن النصوص القانونية التي تضمن حقوق العاملات الفلاحات أو الريفيات ضعيفة ومنقوصة، وأن أغلب العاملات دون تغطية اجتماعية.
وقد حمّل الزار الحكومات المتعاقبة على تونس مسؤولية انتشار الفقر والخصاصة في الأوساط الريفية ما دفعهن إلى قبول منظومات التشغيل الهش.