موجات الجفاف تهدد المحاصيل الزراعية والمراعي
في هذه الغابة التي تقع جنوب منطقة الكلاكلة الواقعة بجنوب ولاية الخرطوم في السودان تظهر أثار التغيير المناخي وتبعاته بشكل كبير. فبعد أن كانت روضة غناء عند ضفة نهر النيل، تصدح بين أغصان أشجارها العصافير، جفت أوراق أشجارها ويبست جذوعها، وطالتها الممارسات البشرية الخاطئة، ما زاد من تدهور وضعها البيئي.
ليست حالة هذه الغابة بجديدة، بل ظهرت عليها آثار التغيير المناخي منذ سنوات عديدة. فالسودان واحد من الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية وفي وضع هش على الرغم من غنى موارده الطبيعية ومرور نهر النيل فيه. إذ يشهد موجات متكررة من الجفاف الذي صار ظاهرة تهدد الموارد الزراعية، إحدى أهم ركائز الاقتصاد السوداني.
كما تسبب الفيضانات المتكررة والتغيرات في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار ضررًا كبيرًا بالمحاصيل الزراعية، وتدهورًا في البيئة والموارد الطبيعية والمراعي التي تعتمد عليها مناطق شاسعة بالسودان لرعي الأبقار والأغنام، فالثروة الحيوانية في السودان، مصدر رئيس آخر في اقتصاد السكان.
يُعزى جفاف هذه الغابة جنوب منطقة الكلاكلة إلى أزمة التغيير المناخي التي بدأت نتائجها السلبية تظهر في دول العالم أجمع . ومن الأسباب البشرية في جفاف هذه الغابة، القطع الجائر من قبل إنسان المنطقة وإشعال النيران فيها للاستفادة بعد إطفاء النار من أخشابها، فضلًا عن فيضان نهر النيل بقوة وانحساره، ما أثر سلبًا على نمو الأشجار وجفافها.
يعتمد ملايين الأشخاص حول العالم على المنتوجات والخدمات التي توفرها الغابات من أجل كسب معيشتهم. وسوف يبدل تغيير المناخ قدرة الغابات على إنتاج سلع وخدمات أساسية، ويتوقع أن يتأتى عن ذلك ضغوطًا كبيرة علي المجتمعات المحلية المعتمدة على الغابات. لهذا السبب يعتبر تغيير المناخ قضية وموضع اهتمام كبير لدى المشرعين وصانعي القرار والمانحين والمهتمين بالغابات والأشجار.
لمزيد من المعلومات حول تبعات التغير المناخي في السودان، التقى مراسل “تطبيق خبّر” الميداني في السودان وليد محمد مختار، مع خبيرة علوم الغابات الدكتورة نعمات سليم التي أكدت له أن تأثر السودان بأزمة تغيير المناخ يضعه في وضع هش.
وأضافت د. نعمات أن نتيجة تغيير المناخ تظهر في انخفاض كمية الأمطار وإنتاجية المحاصيل الزراعية كالذرة والدخن بنسبة كبيرة، وكذلك انخفاض مستوي رطوبة التربة ما أدى بدوره إلى تدني الإنتاج، وهذا بدوره أثر على اقتصاد البلاد ككل.
كما بيّنت د. نعمات أن تفاقم ظواهر الجفاف والتصحر ونقص الغذاء بدأت في الظهور في منتصف السبعينات، ووجد حينها أن السبب الأساسي لهذه الظواهر هو إزالة الغابات.
التشجير الزراعي من الحلول الموصى بها
وعليه، تابعت خبيرة علوم الغابات، أوصت دراسة أجريت بواسطة المركز العالمي لبحوث التنمية الكندي بضرورة إيجاد نظام إنتاجي يدمج زراعة الأشجار مع المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني، أي ما بعرف بالتشجير الزراعي، كنظام بيئي يساهم في حل مشكلة تدني الإنتاج وزيادة عدد الأشجار التي بدورها تساهم في تحسين المناخ المحلي وخصوبة التربة.
كذلك ذكرت د. نعمات سليم لمراسل “تطبيق خبّر” أنه بالنسبة للسودان، تم إلزام المشاريع المروية والمطرية بزراعة ما نسبته 5% إلى 10% من مساحاتها على التوالي بالأشجار كأحد الحلول لمشاكل تدهور الغابات، إلا أن هذه النسبة لم يتم تطبيقها بنسبة مرضية.
أما بخصوص ما يتوجب على السودان القيام به، فأوضحت أن من الأولويات هو العمل بشكل حثيث على إنشاء المزيد من الغابات وتأهيل المراعي بزراعة الأشجار، وتخفيف الضغط على الغابات باستخدام بدائل الطاقه عوض عن قطع الأشجار، فضلًا عن تشجيع المزارعين على استخدام بذور مقاومة للجفاف، وتقديم خدمات الإرشاد الزراعي والغابي.
وحول الوعي البيئي لدى السودانيين، شددت د. نعمات على أهمية الوعي البيئي ودوره الكبير في التخفيف من آثار التغير المناخي، من خلال توعية المجتمع بأهمية الأشجار في حماية البيئة وزيادة الإنتاج، وحث المواطنين على ترشيد استهلاك المياه وتوعيتهم بالأثار السلبية لتغيير المناخ والتقليل من الأشياء التي تضر بالغابات.
بينما ينتظر العالم أجمع حلولًا جذرية تساهم في خفض الانبعاثات الكربونية، ما تزال أشجار كثيرة في الغابة بمنطقة الكلاكلة صامدة بالرغم من الجفاف الكبير الذي يعتريها، وما تزال تشكل متنفسًا للأسر التي تأتيها لقضاء أوقات يسعدون فيها بجمعة العائلة، متغاضين عن جفاف الأشجار، وفي كثير من الأحيان تاركين وراءهم مايؤذيها.
يذكر أن السودان يواجه التغير المناخي بالمشروع الوطني للتصدي لمخاطر المناخ التابع للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، وهو يعتبر من أبرز المشاريع لديه لوضع حلول للتدهور البيئي وأفضل ممارسات تكييف إدارة الأراضي والمياه، بهدف تخفيف التبعات على صغار المزارعين والرعاة. ويتم تمويله بمشاركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومة السودانية.
كما قدم صندوق المناخ الأخضر العام الماضي منحة مالية للسودان بقيمة 25.5 مليون دولار، لمواجهة التغير المناخي، من خلال قطاعات الزراعة والصحة والأمن المائي والغذائي.