ارتفاع حركة الشراء منذ بداية محرم
يحتفل المغاربة في العاشر من شهر محرم الهجري من كل عام بمناسبة عاشوراء، التي تستمر يومين متتاليين يتم فيها تبادل الزيارات العائلية ،ويلتقي الأطفال خاصة في الأحياء السكنية للعب بالألعاب التي اشتروها، فيما تجتمع الفتيات الأكبر سنًا رفقة النساء ويتم قرع الطبول والغناء.
هذه المناسبة تشكل أيضًا فرصة استثنائية للتجار العاملين في التجارة الموسمية لتحسين دخلهم اليومي، من خلال بيع ألعاب الأطفال كالدمى والمسدسات المائية والسيارات، وكذلك بيع الطبول والدفوف و”الطعاريج” (نوع من آلات الموسيقى) التي تستخدمها الفتيات والنساء للترفيه عن أنفسهن.
كما يبيع التجار الفواكه الجافة، كالتمر والزبيب والجوز واللوز والبندق والفول السوداني، وبعض أنواع الكعك التي تباع في الأسواق، فيما يلجأ بعضهم إلى بيع المفرقعات النارية التي تعرف إقبالًا في هذه المناسبة من طرف الأطفال.
يختار كل بائع إحدى هذه السلع لعرضها في الأول من شهر محرم إلى غاية انتهاء أيام عاشوراء أي في 11 من شهر محرم، وهذا حفاظًا على التقاليد والعادات المغربية التي ما تزال حاضرة لحدود اليوم داخل كل أسرة مغربية.
يتهافت الزبائن خصوصًا الآباء والنساء على هذه الأنواع من السلع التي تفرض وجودها في الأسواق الأسبوعية وأسواق الأحياء الشعبية مع اقتراب يوم عاشوراء. وعلى سبيل المثال، قد عرف حي أناسي بالدار البيضاء على مدار الأيام العشر الماضية رواجًا واقبالًا ملحوظا لشراء الأنواع المختلفة من السلع التي تشتريها العائلات المغربية في هذه المناسبة.
هذا الرواج جعل الباعة يتنفسون الصعداء أخيرًا بعد مرور الأشهر الماضية بدون إقبال يذكر بسبب تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، التي جعلت القدرة الشرائية للمواطنين ضعيفة بالرغم من أن ما عرضوه آنذاك من سلع كان لها علاقة بمناسبات أخرى كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.
في هذا الصدد، قال صلاح الدين أكزول، بائع الدفوف والطبول والطعاريج، لمراسلة “تطبيق خبّر” في المغرب هدى لبهالة، إن الإقبال من طرف الزبائن في هذه الأيام كثيف على سلعته الموسمية، خاصة النساء والفتيات اللواتي يتحضرن للاحتفال يوم عاشوراء.
وأشار إلى أن توفر هذا النوع من السلع بثمن مناسب وفي متناول الجميع، يدر عليه في نهاية اليوم أرباحًا جيدة قادرة على تأمين مصاريفه الشخصية واحتياجات أسرته اليومية.
ونظرًا لموجة الحر التي شهدتها مدينة الدار البيضاء منذ أسبوع، أشار صلاح الدين اكزول الذي يعمل رفقة شقيقه، إلى أن الزبائن يتوافدون عليهما أكثر في الساعة الخامسة مساءً حيث يستمر البيع بدون توقف إلى غاية الساعة التاسعة ليلًا.
كما ذكر بأن مناسبة عاشوراء تعد الأكثر رواجًا بالنسبة لجميع التجار العاملين في التجارة الموسمية، مُرجعًا السبب إلى توفر العرض بأثمان في متناول الجميع، ما يجعل الطلب مرتفعًا، مشيرًا في ذات السياق إلى أن ما يعرضه رفقة شقيقه من طبول وطعاريج وآلات موسيقية شعبية من مختلف الأحجام والأشكال بما فيها المتعلقة بالأطفال، تتراوح أثمانها بين درهم مغربية ولا تزيد عن 20 دولارًا.
“يوم زمزم” من عادات المغاربة في عاشوراء
من جهته، أكد بدر بريني، وهو بائع ألعاب أطفال، لمراسلة “تطبيق خبّر” أن لمناسبة عاشوراء قدسية خاصة لدى التجار العاملين في التجارة الموسمية، لما تعرفه من إقبال من طرف الزبائن.
إذ بالرغم من أنه قضى 15 سنة في التجارة الموسمية، وقام ببيع سلع مختلفة باختلاف المناسبات والاعياد، فإن عمله في بيع ألعاب الأطفال في عاشوراء يجده الأفضل على الإطلاق. فحرصه على جلب أنواع مختلفة من ألعاب الأطفال لكلا الجنسين وبيعها بثمن مناسب يبدأ من 2 دولار، جعله مقصد الأمهات والآباء رفقة أبنائهم لشراء ما ينال إعجابهم.
وبالرغم من الإقبال على الشراء، فقد أشار بدر بريني إلى تضرر حجم مبيعاته هذا العام بسبب تداعيات فيروس كوفيد-19، لافتًا إلى توقف استيراد ألعاب الأطفال من الصين بشكل مؤقت بسبب الجائحة ما جعل أصحاب البيع بالجملة يضاعفون أثمان السلع المتوفرة لديهم من العام الماضي، وهي أيضًا ليست كافية لسد طلب جميع البائعين بالتقسيط إلا لمن استطاع منهم الدفع أكثر.
وأشار بريني إلى أنه شخصيًا اضطر لشراء بعض الألعاب التي تشتغل بالبطاريات بثمن أغلى من السنوات الماضية، لكن يبقى الإقبال على هذه الألعاب ضعيفًا من الزبائن الذين تأثرت قدرتهم الشرائية بسبب تداعيات الجائحة. وبالتالي فإن أرباحه من تجارته الحالية نسبية مقارنة مع السنوات الماضية، لكنها تبقى أفضل من الأرباح التي جناها في المناسبات السابقة كعيديّ الفطر والأضحى.
ولا تختلف أجواء الاستعدادات للاحتفال بعاشوراء بحي أناسي والدار البيضاء عن باقي المناطق المغربية الأخرى، التي تشهد بدورها نفس الاستعدادات والإقبال على نفس السلع، التي جعلت لنفسها مكانًا في الأسواق والأحياء السكنية في هذه المناسبة، منذ عصور حتى غدت عادات تتوارثها الأجيال.
كما يقوم التجار الكبار بدورهم في هذه المناسبة بجمع حساباتهم السنوية وإخراج الزكاة، التي تعتبر عشر الأرباح ليتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين.
جدير بالذكر أن مناسبة عاشوراء التي يحتفل بها المغاربة، هي فرصة لإحياء تقاليد وعادات ذات طبيعة احتفالية يتم الاستعداد لها على مدار أسبوع أو أسبوعين، عن طريق اقتناء الفواكه الجافة وألعاب الأطفال.
وفي 10 محرم من السنة الهجرية، يقوم الشبان والأطفال في المساء بإيقاد النيران وتشكيل حلقة حولها وترديد بعض الأغاني الشعبية واللعب أيضًا بالمفرقعات، فيما تجتمع النساء والفتيات لقرع الدفوف والطبول والغناء.
ويشكل الكسكس طبقًا أساسيًا في وجبة العشاء أو الغذاء لدى معظم الأسر المغربية، كما يفضل البعض الصوم في هذا اليوم. أما في اليوم الثاني فينظم الأطفال والشبان مهرجانًا مائيًا، ويرشون الماء على بعضهم البعض في جو لا يخلو من المطاردات في الأزقة والدروب، إذ يطلق المغاربة على هذا اليوم “يوم زمزم”.