عناقيد الفلفل الأحمر تُزين المدينة كل صيف
فهذه البلدة التونسية الصغيرة ذات النشاط الفلاحي، تشتهر بزراعة الطماطم والفلفل الأحمر على مر العصور، ودائمًا ما يختار مزارعوها مشاتل الفلفل الأحمر من نوعية ممتازة ليقوموا بزراعتها في فصل الربيع بعناية وسقاية واهتمام ليجنوا خلال فصل الصيف مع دخول شهر تموز/ يوليو من كل عام.
العم خميس، وهو مزارع أصيل مدينة منزل حر، يبدأ نهاره في جني الفلفل فجرًا يقوم وتنتهي العنلية مع العصر، كما أخبر مراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في تونس ليلى بن سعد. ولا يعمل العم خميس وحده في قطف الفلفل، بل تعاونه بعض النسوة من العاملات الفلاحيات، كما بعض الرجال، وكذلك يشارك الأطفال في صنع عناقيد الفلفل الاحمر “القلايد” التي يتم تجفيفها فيما بعد وترويجها بالأسواق.
عملية تجفيف الفلفل الأحمر الذي يميز المطبخ التونسي بشكل عام، ومطبخ محافظة نابل بشكل خاص، ليست بالأمر السهل. وقد أوضح الفلاح والتاجر حسين المهذبي لمراسلة التطبيق عن مراحل تجفيف الفلفل الأحمر. إذ بعد قطفه وشكّه في قلائد، توضع هذه القلائد في غرفة ويتم إشعال كوانين الحطب تحتها.
وبيّن المهذبي أن عملية التجفيف تستغرق 48 ساعة، ثم يتم وضع الفلفل الأحمر المجفف تحت أشعة الشمس في المرحلة الأخيرة من العملية. وأشار إلى نسبة الإنتاج تؤثر على أسعار البيع، فهذه السنة يباع الكيلغرام الواحد من الفلفل الأحمر المجفف بـ 10دنانير تونسية (حوالى 3 دولارات).
وكان المزارعون قد أشاروا كذلك إلى الصعوبات التي يعانون منها، خاصة ارتفاع تكلفة الإنتاج وغلاء أسعار سماد الامونيتر والكهرباء والماء فضلًا عن عدم توفر اليد العاملة.
إعداد “العولة” من الفلفل الاحمر الشايح
كما في كل الدول العربية التي تنتظر الصيف لتبدأ بتحضير مؤونتها، كذلك هي مدينة منزل حر التي لا يخلو أي منزل من منازلها من الفلفل الأحمر كل موسم صيفي، وحينها تقوم النسوة بإعداد المؤونة أو العولة كما تسمى في تونس، من الكسكسي والمحمص والفلفل الشايح.
والفلفل الشايح هو الذي يتم وضعه تحت أشعة الشمس بالمنزل ورحيه لاستعماله في الطبخ أو إعداد الهريسة التونسية بداية من شهر آب/ أغسطس، وقبل نزول أمطار الخريف، وهي طريقة تقليدية طبيعية حدثتنا عنها الخالة روضة الحري. أما الأهالي بالجنوب التونسي، فيقبلون خاصة على شراء الفلفل المجفف بنيران الحطب وإعداده للهريسة واستعماله في أكلاتهم الشعبية.
الخالة حسناء مرزوق، وهي مزارعة من المنطقة، أخبرت مراسلة “تطبيق خبّر” أنها تشارك في عملية جني أو قطف الفلفل الأحمر وتشكيكه في شكل عنقود “قلادة”، وتتمكن خلال كامل اليوم من إعداد 10 إلى 12 قلادة منه مقابل 15دينارًا (حوالى 5 دولارات)، أي أنها تقبض 1500مليمًا ثمن شكل القلادة الواحدة من الفلفل الأحمر.
مطالبات بإعادة إحياء مهرجان الفلفل بمنزل حر
كما كان لمراسلة التطبيق الميدانية ليلى بن سعد لقاء بإبن البلدة ماهر بونني، الذي شغل منصب كاتب عام مهرجان الفلفل على امتداد أربع دورات، وهو حدثها عن تاريخ المزارعين أجدادهم وكيفية اختيار المشاتل وبذور الفلفل الأحمر البلدي.
وذكر بونني أن المزارعين قديمًا كانوا يختارون نوعية ممتازة من البذور لزراعتها والاعتناء بها، وكانت عملية السقي بطريقة تقليدية، مشيرًا إلى زن الإنتاج قديمًا كان وافرًا نظرًا لعدم استعمال المواد الكيمياوية.
وأضاف، “أجدادنا كانوا على مر العصور يزرعون الفلفل الأحمر البلدي ثم يقطفونه ويشككوه أي يضعوه في شكل عناقيد، ويتم تجفيفه بمحل عبر وضعه بسقف ذلك المحل وتعليقه بالمسامير، وفي الأسفل يتم إشعال النار في ما يسمى بكوانين الحطب”.
بعد هذه العملية، تابع بونني، “كان الفلفل الأحمر ينقل قديمًا أي في الثلاثينات والأربعينات والخمسينيات بالعربات “الكرارط” التي تجر على ظهور الحمير والبغال، ليبيعه مزارعو بلدة منزل حر وباقي منتوجاتهم بسوق نابل”.
منذ سنة 1985، تاريخ تأسيس بلدية منزل حر، ارتأت اللجنة الثقافية في ذلك الوقت أن تقيم مهرجانًا خاصًا بالجهة، هو مهرجان الفلفل بمنزل حر، وبالرغم من ضعف الإمكانيات، فإن المهرجان انتشر صيته بشكل واسع، وكانت فقراته تتضمن استعراضًا لمنتوجات الفلاحين والآلات الفلاحية، ووسط المدينة كانت هناك لوحات حول تشكيك الفلفل، إلى جانب ورشات تكوينية حول معرفة البذور وعملية الإنتاج يشرف عليها مهندسون فلاحيون.
كما كانت وزارة الثقافة التونسية تدعم المهرجان بعدة عروض فنية، لكن المهرجان توقف نشاطه متذ سنة 2010 تاريخ الثورة التونسية. ويطالب أهالي مدينة منزل حر الجهات المعنية بضرورة إعادة إحياء هذا المهرجان وإعادة إحياء الحياة الثقافية بالبلدة .
منزل حر عاصمة الفلفل الأحمر
حول تاريخ الفلفل بالوطن القبلي، التقت مراسلة “تطبيق خبر” مع الأستاذ الجامعي والباحث في التراث أنور مرزوق الذي أكد أن أصل كلمة فلفل تعود إلى اللغة السنسكريتية، وتم تعريبها لاحقًا.
أما الموطن الأصلي للفلفل فهو دولتي الهند والصين، فيما يعود أصل الفلفل الموجود بمحافظة نابل إلى أمريكا حيث جلبه الأندلسيون على أثر وصول أكبر دفعة للمهاجرين الأندلسيين في القرن السابع عشر، حين أحدثوا نقلة نوعية في الغذاء التونسي، وذلك بإدخال زراعات جديدة.
وهم كذلك كونوا مدنًا جديدة، من أهمها تستور من ولاية باجة في الشمال الغربي التونسي، والمدن الأندلسية بالوطن القبلي التي ما تزال تحتفظ بأسمائها إلى اليوم، على غرار منطقة نيانو التي تعني باللغة الأندلسية القصير جدًا ومنطقة بيللا التي تعني الجميل ومدينة باطرو وتعني الأب.
وأضاف مرزوق أن من بين الزراعات التي أتى بها الأندلسيون إلى محافظة نابل، زراعة الفلفل التي دخلت في ثقافة سكان الوطن القبلي.
وتعد منطقة الساحل الشرقي، أي مناطق منزل حر ومنزل تميم وقربة ودار علوش والهوارية، من أهم المناطق التي تزرع الفلفل والخضروات الصيفية بنسبة 93 في المئة من المساحة والإنتاج. ومن سنة 1942 إلى سنة 1961، عرفت زراعة الفلفل قفزة نوعية وكمية بهذه المناطق وأصبحت زراعة تجارية علاوة على الاستهلاك الذاتي، ويوجه الإنتاج فيها نحو الأسواق الوطنية والأجنبية كذلك.
وعرفت زراعة الفلفل تطورًا بنسبة كبيرة جدًا وأصبحت الشوارع والديار تتزين بعناقيد أو “قلايد” الفلفل الأحمر، وثلاثة أرباع المنتوج من الفلفل الأحمر يجفف بالأفران التي يسميها التونسيون “الكوشة”. وتعد مدينة منزل حر من محافظة نابل عاصمة الفلفل الأحمر في البلاد.