فن الرقص والغناء الجماعي
نظمت
جمعية شباب تغمرت للتنمية المحلية، يوم السبت 11 أيلول/ سبتمبر الجاري، بقرية تغمرت المغربية التابعة لجماعة تفني دمنات بإقليم أزيلال، النسخة الأولى من فلكلور
“أحواش”، الذي يعد أحد فنون الرقص والغناء الجماعي الاستعراضي الأمازيغي.
أدى هذا الاستعراض شباب وأطفال تغمرت الذين بلغ عددهم 30 شخصًا، مرتدين لباسًا تقليديًا محليًا، ومستخدمين آلات موسيقية تنوعت بين المزامير والطبول والدفوف.
تم إحياء الفلكلور في سهرة جماعية انطلقت على الساعة الثامنة من مساء يوم السبت وانتهت على الساعة الرابعة من صباح يوم الأحد، وحضرها جميع أهالي قرية تغمرت وسكان القرى المجاورة في جو طبعه الرقص والغناء، وهو ما عكس التفاعل الإيجابي مع هذا النوع من الفلكلور الذي يدخل في التراث الفني والشعبي المحلي.
للمزيد حول هذا الاستعراض الجماعي الذي يسمى محليا ب “أحواش”، التقت مراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في المغرب هدى لبهالة أمين المال بجمعية شباب تغمرت للتنمية المحلية عبد الرزاق تكنطوط الذي أوضح أن حرص الجمعية على حماية الموروث الثقافي والفني جعل أعضائها يتحدون لإعادة إحياء “أحواش”.
أحواش فن رقص وغناء جماعي أمازيغي تراثي
وقال تكنطوط إنهم يتجهون نحو جعله محور الاحتفالات والمناسبات المحلية، كالأعراس وحفلات الخطوبة والنجاح، وخلال فصل الصيف للاحتفاء بالعائدين من المهجر لقضاء عطلتهم الصيفية كما كان عليه الحال قديمًا.
ولفت إلى أن هذا الموروث الفني الذي يمزج بين الرقص والغناء هو إنتاج أمازيغي صرف، وحاضر لدى جميع السكان الامازيغيين أينما تواجدوا، لكن هجرة الشباب وبعض السكان من مناطقهم الأصلية كما هو الشأن بالنسبة لقرية تغمرت، وإدخال أشكال حديثة من الغناء والرقص على المناسبات الخاصة، أزاح “أحواش” من تمركزه في الصدارة وجعله في مرتبة ثانوية.
20 شخصًا من جمعية شباب تغمرت للتنمية المحلية شاركوا في تنظيم الفعالية
ضرورة حماية الموروث الفني
كما قال في ذات السياق، إذا استمر الحال كما هو عليه، فإن هذا الموروث الفني سيتلاشى كليًا، لذلك كان من الواجب علينا كمجتمع مدني مهتم بالشأن المحلي توحيد الجهود لحمايته وإعادته لمكانته الأولى التي كان يحظى بها لدى أهالي تغمرت”.
وأضاف أن فكرة إطلاق فلكلور أحواش كانت تراودهم منذ السنة الماضية، لكن جائحة كوفيد 19 وفترة الحجر الصحي حالت دون ترجمتها على أرض الواقع، وبعد تخفيف الإجراءات الاحترازية المفروضة ونجاح أحد ممثلي قرية تغمرت في انتخابات 2021 قرروا تنظيم حفل الفلكلور.
أمام سيطرة الحداثة، هناك ضرورة لحماية الموروث الفني
كذلك شرح عبد الرزاق تكنطوط لمراسلة التطبيق مراحل التحضير لإطلاق النسخة الأولى من إحياء هذا الفن، فقال إن أولى المراحل كانت بتخصيص لجنة مكونة من 20 شخصًا تضم بعض أعضاء الجمعية وشباب القرية، تم تقسيمها إلى ثلاث فرق.
كُلف الفريق الأول بشراء الملابس الخاصة بفرقة أحواش، والتي كانت عبارة عن جلابيب بيضاء وعمامات الرأس وخناجر فضية وشرائط ملونة توضع فوق الجلباب بعد ارتدائه، فيما انضم للفريق الثاني بعض النسوة وشباب آخرين أشرفوا على تحضير الطعام والشاي وتقديمه للحاضرين من الجمهور الذي تمت دعوته في وقت سابق.
أما الفريق الثالث فقام بتجهيز ساحة الاستعراض بالمعدات اللازمة لفرقة أحواش، كمكبرات الصوت والآلات الموسيقية ومصابيح الإنارة.
حضرت قرية تغمرت بكاملها وحضر جيرانها إلى السهرة الجماعية لأحواش
وذكر تكنطوط أن الحاضرين استمتعوا بالرقصات والموسيقى والأغاني التي قدمتها الفرقة، والتي حرصت على تنسيق القصائد الشعرية والحركات التعبيرية مع الإيقاع الذي يبدأ منخفضًا ثم يرتفع وتتسارع معه حركات الفرقة لتعكس تجربة إنسانية معينة.
فأحواش، كما أشار عبد الرزاق، ليس مجرد رقص وغناء، بل هو أيضًا لوحة فنية شعرية وتعبيرية بدءًا بلباس موحد مرورًا باصطفاف الراقصين وانضباطهم في الوقوف والحركة، فضلًا عن أن عليهم أن يكونوا على قدر من الخبرة بشتى أنواع الحركات، كما على علم بالألحان والأوزان.
كذلك يجب على قائد الفرقة أن يكون على دراية بالأوزان والايقاعات والألحان لضمان التناسق الإيقاعي مع الإنشاد، وهذا لتجسيد صورة حية تعكس مدى تفاعل الإنسان الأمازيغي مع محيطه الطبيعي وجماعته.
فالإطار الجماعي الذي تمارس فيه رقصة أحواش أوضح تكنطوط، “يعبر عن الحياة الجماعية الفكرية والوجدانية، وينمي الوعي الاجتماعي لدى الأفراد ليطغى على سلوكهم وتعاملهم اليومي مع بعضهم البعض انطلاقًا من القضايا والأفكار التي يطرحها الراقصون في شعرهم ورقصاتهم”.
قصائد أحواش تجسد مواضيع اجتماعية مهمة
من جهته، قال عبد الواحد مهاد، وهو كاتب عام في جمعية تغمرت للتنمية المحلية، إن فلكلور أحواش الذي نظم يوم السبت، كان عبارة عن رقصات صاحبتها قصائد شعرية ممزوجة مع الموسيقى، وجسدت مواضيع مختلفة تحث على الحب والتآلف وضرورة التأزر بين السكان.
تلقى قصائد غنائية خلال فولكلور أحواش لها علاقة بالتآزر والقيم الاجتماعية
وأكد لمراسلة
“تطبيق خبّر” أن أحواش هو تراث محلي يعبر ويرمز للمنطقة، ما جعل إحياء هذا التراث الشعبي من ضمن الأهداف الأولى التي وضعتها جمعية تغمرت في برنامجها السنوي لهذا العام، مشيرًا إلى أن أحواش كان قديمًا الشكل الفني الوحيد المعتمد في القرية، سواءً في مناسبات النجاح أو الأعراس وحفلات الخطوبة وحفلات العقيقة.
وأضاف أن أحواش كان أيضًا ينظم في بعض المناسبات ذات الرمزية الفلاحية، فيقام حفل خاص يحضره سكان القرية والقرى المجاورة احتفالًا بانتهاء عملية جني المحاصيل الزراعية، لكن مع تطور المجتمع المغربي، “وظهور الحداثة وانتشار عادات جديدة واتباعها، جعل استعراض أحواش ثانويًا في مناسباتنا المحلية بعد أن كان رئيسيًا في القدم”.
واعتبر عبد الواحد مهاد أن خصوصيات المنطقة لا تسمح بجلب عادات دخيلة والعمل بها والاستغناء عن العادات الأصيلة والمحلية، وهو ما دفع شباب الجمعية وشباب قرية تغمرت إلى خطوة إحياء ” أحواش” وجعله فلكلورًا صيفيًا يحتفى به في شهري أب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من كل عام.