النظام وإيران وداعش وهيئة تحرير الشام ..أبرز اللاعبين في تجارة المخدرات بسوريا
منذ عقد من الزمان، كانت سوريا وما زالت غارقة في أزمة متشابكة: التدخل العسكري الأجنبي متعدد الأقطاب، موجات اللجوء الجماعي والنزوح الداخلي، التطرف العنيف ، التضليل الرقمي، تسييس المساعدات، وعجز آليات حل النزاع التقليدية، كل هذه ليست إلا بعضاً من العوامل التي اجتمعت لتجعل من الحرب السورية النزاعَ الحاسم لهذا الجيل.
فضلاً عن هذه التحديات، التصقت بسوريا سمة أخرى من السمات المشينة لما يدعى بالحروب الجديدة إذ أصبحت إحدى أبرز دول المخدرات في العالم.
في الأول من تموز/يوليو 2020، أعلن مسؤولو موانئ في إيطاليا ضبط 84 مليون قرص من المخدر الاصطناعي المسمى بالكبتاجون، قدرت قيمتها بمبلغ 1.1 مليار دولار أمريكي.
كانت المضبوطات على متن ثلاث سفن شحن قادمة من سوريا، وأثار الحادث اهتمام وسائل الإعلام العالمية ، من جهة لأنه كان أكبر عملية مصادرة مخدرات في دفعة واحدة في التاريخ، ومن جهة أخرى لأن المخدرات نُسبت خطأً إلى داعش حيث زعمت السلطات الايطالية أنها قد هرّبت تلك المخدرات “لتمويل الجهاد”.
يمكن القول إن إنتاج المخدرات والاتجار بها لطالما كان أحد الجوانب المبهمة من النزاع السوري.
ففي حين كان الاهتمام كله منصباً على تعاطي المقاتلين للمخدرات، لم تحظ التبعات المجتمعية والفردية للانتشار الواسع للمواد المخدرة خلال النزاع إلا باليسير من الاهتمام.
والأكثر إغفالاً من هذا هو هيكلية و ديناميكية الاتجار بالمخدرات وأثرها على مسار النزاع بحد ذاته، أصبح الاتجار بالمواد المخدرة أكثر اتساعاً وشيوعاً منذ أعادت الدولة السورية إحكام سيطرتها على معظم أرجاء البلاد منذ عام 2018.
وبالتوازي مع ذلك، أدى فناء الأنشطة الاقتصادية التقليدية إلى زيادة جاذبية تصنيع المخدرات كقطاع مربح نسبيا، وهو قطاع صناعي كان يستحوذ عليه ويتحكم به في الغالب أصحاب مشاريع المواد المخدرة أولئك المرتبطين بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الأجانب.
يُعد هذا التقرير محاولة أولية يسترشد بها النقاش الذي تأخر عن دور المواد المخدرة في الأزمة السورية المعقدة رغم عدم تبلور صورة كاملة لهذه الشبكات بعد – ونأمل أن يكون مرشداً لسياق ما بعد النزاع، حيث يمكن الشروع بجهود رادعة لتجارة المخدرات.
وتعتبر سوريا دولة مخدرات، لتضمُّنها نوعين أساسيّين من المخدرات المثيرة للقلق: الحشيش والكبتاجون (المنشط الأمتيفيتاميني).
وهي البؤرة العالمية لإنتاج الكبتاجون، الذي شهد تطوراً صناعياً وتكيفاً وتعقيداً تقنياً أكثر من أي وقت مضى.
وصلت صادرات سوريا من الكبتاجون في عام 2020 إلى قيمة سوقية لا تقل عن 3.46 مليار دولار أمريكي. ومع أن هذا الرقم تخميني، إلا أنه من الممكن جداً وجود سقف سوقي أعلى من هذا بكثير.
مع أن الاتجار بالكبتاجون كان يوماً أحد مصادر التمويل التي استغلتها الجماعات المسلحة المناهضة للدولة، إلا أن نظام الأسد وحلفاؤه الإقليميون الرئيسيون تمكنوا ،من خلال إحكام سيطرتهم على الأرض، من توطيد دورهم كمستفيدين رئيسيين من تجارة المواد المخدرة.
ستُطيل تجارة المخدرات أمد النزاع في سوريا ، وتُقوض حكم القانون، وتُعرقل استعادة الأداء الاقتصادي المتكامل.
علاوة على التبعات الاجتماعية التي يتحملها السوريون أنفسهم، فإن لتجارة المخدرات في سوريا أثراً مزعزعاً على استقرار الدول المجاورة والإقليمية، والتي ستُجبَر بالتالي على حمل أعباء مجتمعية وأعباء في تطبيق القانون.
النقاط العملية
في دولة المخدرات السورية مجموعتين مختلفتين من المشكلات للمانحين الدوليين وصانعي السياسات والجهات المقدمة للمعونات.
هاتان المجموعتان أولهما الاتجار بالمواد المخدرة الذي يسيطر عليه النظام (حيث البرامج الممولة من المانحين بعيدة عن التفاعل مع هذه التجارة)، وثانيهما التبعات الاجتماعية والمجتمعية لتعاطي المخدرات (والتي يمكن البدء بالتصدي لها من خلال استراتيجيات تقليل الأضرار كجمع البيانات ووضع البرامج التي تستهدف بعض الأسباب الجذرية لتعاطي المخدرات).
من غير المرجح الحد من صناعة المخدرات السورية قبل أن ينتهي النزاع بحد ذاته، وقبل أن تتيح الظروف السياسية المجال لتنسيق مبادرات مكافحة دولية مع الحكومة السورية مباشرة. وهذا بلا شك افتراض طويل الأجل.
قد تكون استراتيجية تقليل الأضرار المبنية على الصحة النفسية وبرامج الدعم النفسي الاجتماعي التي تُعالج الصدمات الناتجة عن النزاع نقطة بداية فعالة للحد من الأضرار، ولكنها تبقى حلاً غير كامل لهذه القضية المتعددة الجوانب.
برغم وصمة العار المرتبطة بتعاطي المخدرات إلا أنه أحد الآثار الطويلة الأمد للنزاع السوري و أكثرها انتشارا. إن جمع البيانات وإجراء التحليلات الدقيقة من أجل تحديد وفهم طبيعة ونطاق تعاطي المخدرات في سوريا من أهم العوامل اللازمة لتنفيذ برامج هادفة.
تصدير المواد المخدرة من سوريا هي إحدى النتائج المباشرة للنزاع طويل الأمد فيها. يمكن من خلال زيادة التنسيق بين هيئات الجمارك وحرس الحدود وأجهزة تطبيق القانون الإقليمية تخفيف الأثر الإقليمي للأزمة السورية المزعزِع للاستقرار.
غير أنه من المهم عدم خلط مبادرات إنفاذ قوانين مكافحة المواد المخدرة مع عمليات مكافحة الإرهاب ذات الطابع الأمني المُشدد، أو تمكين ممارسات رجعية وقمعية اجتماعياً لمكافحة المخدرات.
في نهاية المطاف ينبغي لواضعي السياسات ومنفذي مشاريع المساعدات تفرقة اهداف برامجهم الرامية للعمل على التمويل غير المشروع للمواد المخدرة عن البرامج الهادفة للعمل على تداعيات الآثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات. فالأولى هي اعتبارات استراتيجية متجذرة في تمويل المواد المخدرة والصلة بين الجريمة والنزاع بينما الثانية هي ضرورات أخلاقية وإنسانية ناشئة عن عدم التقدم نحو حل مستدام للنزاع..
الاقتصاد السوري في حالة حرب
يستحيل وضع تصور لنشوء دولة المخدرات السورية دون تحديد جذورها أولاً في حملات مكافحة المخدرات في أوروبا.
لقد بدأ إنتاج الكبتاجون في سوريا، وهو مخدر ترفيهي مستجد، كنتيجة غير مباشرة لتصعيد حملات مكافحة المخدرات في أوروبا، خاصة في بلغاريا، في بداية الألفية الجديدة.
أدى استئصال صناعة الكبتاجون في أوروبا إلى انتقال الإنتاج إلى بلدان هشة وأقرب إلى أسواق المستهلكين الرئيسية لهذا المخدر الترفيهي في شبه الجزيرة العربية.
في لبنان، توسعت صناعة الكبتاجون سريعاً في أواسط العقد الأول من الألفية حيث لم يكن للدولة المركزية الضعيفة سيطرة أو حتى قدرة على اتخاذ تدابير لمنع الاتجار.
ويقال إن القوات الإيرانية قد أعطت زخماً للصناعة اللبنانية من خلال تقديم معدات تصنيع المخدرات إلى حلفائها المحليين بعد حرب تموز في عام 2006.
اكتُشف أحد مختبرات الكبتاجون غير الشرعية في لبنان عام 2007 وكان أول مختبر يُبلَغ عنه إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في إقليم بلاد الشام كله.
لم تُبلّغ سوريا حتى عام 2011 رسمياً عن اكتشاف أي مختبر للكبتاجون، على الرغم من إقرار الحكومة السورية بوجود “طلب كبير” على المخدرات محلياً، وارتفاع عمليات مصادرة الكبتاجون المحلية إلى قرابة الضعف بين عامي 2008 و 2009، ثم انتهى هذا الإنكار القابل للتصديق فسقطت ورقة التين مع اندلاع الصراع المسلح في البلاد.
ما هو الكبتاجون؟
لسوريا تاريخ طويل في إنتاج الحشيش، غير أن المخدر الأكثر لصوقاً بالأزمة الطويلة في البلاد هو الكبتاجون المنشط الأمفيتاميني الذي لا يزال قليل الشيوع خارج الشرق الأوسط. الكبتاجون هو الاسم التجاري لعقار طوِّر في ستينات القرن الماضي، وكان يوصف لعلاج اضطراب نقص الحركة وفرط الانتباه، والنوم القهري، والاكتئاب. تختلف الآثار السريرية للكبتاجون قليلاً عن آثار عقاقير أشهر منه لا تزال شائعة الاستخدام لعلاج اضطراب نقص الحركة وفرط الانتباه، مع أن استخدام الكبتاجون في الأوساط الطبية توقف بحلول ثمانينات القرن الماضي.
يحسن الكبتاجون وعي من يتعاطونه بحالة محيطهم ويعطيهم دفعة من الطاقة، ويساعد في رفع التركيز وكبت الشهية والتخفيف من القلق. و كشأن بقية الأمفيتامينات والمنشطات الأخرى المستخدمة في كافة النزاعات المعاصرة تقريباً، فإن المقاتلين الذين يتولون مهاماً تتطلب قدرة طويلة على التحمل، أو الذين يريدون طرد التعب والسآمة اللتان تطغيان في مناخات النزاعات، يتناولون هذا العقار لمضاعفة قوتهم.
وقد انتشرت تقارير إعلامية على نطاق واسع تصف الكبتاجون على انه “الشجاعة الكيميائية” وتُصوِّر متعاطيه على أنهم “يشبهون الزومبي”، الموتى الأحياء، أو أنهم “جنود خارقون” لا يخشون شيئاً. هذه التقارير هي عبارة عن مبالغات وخيالات استشراقية لا ترتكز على حقائق سريرية.
أفضل مفهوم للكبتاجون في سوريا اليوم هو أنه ليس عقاراً محدداً بل صنفاً عاماً من المنشطات الصناعية. ونادراً ما تحتوي الحبوب المُباعة على أنها كبتاجون على الفينيتيلين، المادة الفعالة المستخدمة في العقار المسجل تجارياً باسم الكبتاجون.
عوضاً عن ذلك، تحتوي الحبوب المنتجة في سوريا اليوم عادة على خليط من مواد أكثر شيوعاً مثل الكافيين والأمفيتامين والثيوفيلين. يتم تكييف التركيبات حسب الموارد المتاحة، كالمستحضرات الصيدلانية المحوَّلة، والمركبات الجاهزة التي تُنقل براً وتُغلف في كبسولات في سوريا.
ورغم هذه الظروف فإن الحبوب المخدرة التي يُتّجر بها في سوريا توسم عادة بطبعة الهلال، العلامة التجارية للكبتاجون الأصلي، ويوجد في البلد صنفان من الحبوب المسمّاة بالكبتاجون: حبوب صفراء رديئة الجودة، وحبوب بيضاء عالية الجودة، والأخيرة أغلى ثمناً وعادة ما يتم تصديرها.
يمكن تصنيع حبة كبتاجون واحدة بتكلفة منخفضة جداً، ومنشآت التصنيع سهلة التنقل ولا يتطلب تصنيع هذا العقار إلا القليل من المعدات ومعرفة بدائية بالكيمياء. ولسهولة تعبئة 5,000 حبة داخل علبة أحذية لا تزن جميعاً أكثر من كيلو غرام واحد، فإن إخفاء العقار لتصديره بكميات كبيرة أمر في غاية اليسر.
أصبح استهلاك الكبتاجون داخل سوريا سمة عامة للحياة اليومية في أرجاء البلاد، حيث بلغت القيمة السوقية لحبة الكبتاجون الواحدة في عام 2021 ما بين نصف دولار أمريكي إلى دولار أمريكي واحد، حسب مصادر محلية. إلا أن السوق الأجنبي الأساسي للكبتاجون هو شبه الجزيرة العربية – خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – حيث يُستخدم الكبتاجون كعقار ترفيهي، وتصل قيمة الحبة في دول الخليج الغنية إلى 20 دولار أمريكي أو أكثر.
تنامي دولة المخدرات السورية
تنقسم تجارة المواد المخدرة في سوريا في زمن الحرب بسبب ديناميكيات النزاع إلى مرحلتين زمنيتين متمايزتين، وإن بصورة ضبابية، استمرت أولاهما من بداية اشتعال الأزمة في عام 2011 وحتى قرابة عام 2018. خلال هذه الفترة، تصاعدت أنشطة اقتصاد الحرب حيث قاتلت المجموعات المتنوعة التي شكلت المعارضة الناشئة الحكومة السورية وتقاتلت فيما بينها بشتى الصور.
وبالتوازي، فإن الميليشيات الموالية للحكومة، كالفصائل المسلحة المدعومة من إيران، ثبتت مواطئ قدم استراتيجية لها في الوقت الذي تشظّت فيه الدولة المركزية السورية.
وبحلول ربيع عام 2013، انسحبت الدولة المحاصَرة إلى بؤرة يمكن الدفاع عنها، متنازلة إلى خليط من الجماعات المسلحة عن محافظتي إدلب وحلب بكاملهما تقريباً، ومعظم مناطق شرق الفرات، وجيوباً واسعة من وسط وجنوب سوريا.
ثم ازدهرت الاقتصادات غير المشروعة في المساحة التي أخلتها الدولة، وبرزت سوريا على أنها “عاصمة الكبتاجون العالمية” إذ أصبحت السيطرة على إنتاج المواد المخدرة وحركتها مصدر دخل مهم لمختلف الجماعات المسلحة.
تغير الوضع بحلول عام 2018، العام الذي يمكن وصفه بأنه نقطة انعطاف في النزاع.
أحرزت الحكومة السورية في عام 2018 سلسلة من الانتصارات العسكرية المهمة إذ استعادت السيطرة على جيوب المعارضة في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب سوريا.
أقصت هذه الحملات بمجموعها المعارضة المسلحة والسياسية إلى مناطق هامشية على طول الحدود السورية-التركية وأعادت بسط سلطة الدولة على شبكات الطرق الرئيسية والحدود الدولية الاستراتيجية والمعابر التجارية النشطة.
كان لأحداث ذلك العام أثر على تحول سوريا إلى دولة مخدرات ليست بأقل أهمية. تزامنت استعادة الدولة للسيطرة مع تحول كبير في تدفق المواد المخدرة من سوريا، وازدادت عمليات اعتراض الكبتاجون والحشيش السوري في الخارج منذ عام 2018 مع ازدياد شحنات المواد المخدرة على نطاق تجاري.
إضافة إلى نمو صادرات المخدرات السورية، يبرز أيضاً تغير نوعي بالغ، فقد أصبح إخفاء شحنات المخدرات أيضاً أكثر تطوراً من الناحية التقنية.
تدل مجموعة متزايدة من الأدلة على تورط رموز مرموقة من النظام السوري وحلفائه الإقليميين في تجارة المخدرات الإقليمية، وهي تجارة متقلبة تتركز في سوريا.
وفي حين كانت تجارة المواد المخدرة في أزمنة سابقة تُنسب إلى جماعات مسلحة كان يشكل بعضها تهديداً صريحاً للدولة السورية، حصلت طفرة في تجارة المخدرات منذ عام 2018 حين أصبحت عوائدها شريان مالي حيوي لنظام الأسد وحلفائه الدوليين.
الدوامة السوريّة (2011-2018)
قد تكون تجارة المواد المخدرة أحد أكثر جوانب اقتصاد الحرب السوري وضوحاً وظهوراً، ذلك الاقتصاد الذي صعد صعوداً حادّاً مع تآكل سيادة القانون في أعقاب اندلاع النزاع.
يشمل هذا الاقتصاد أنشطة متنوعة كتجارة الأسلحة والابتزاز والاتجار بالبشر والبغاء القسري وتهريب الأعضاء ونهب القطع الأثرية والخطف مقابل الفدية.
أصبحت هذه الأنشطة ضرورة مالية للمجموعات المسلحة المتمردة وغير الحكومية بشكل رئيسي، إذ إن الموارد المتاحة لها للحفاظ على عملياتها العسكرية هي موارد محدودة.
إن نزوع أنشطة اقتصاد الحرب إلى الالتقاء مع مصالح أطراف النزاع هو أحد الجوانب المهمة لما يعرف بالصلة بين الجريمة والنزاع، والتي تَفترض أن النشاط الإجرامي يمكن أن يتحول بنفسه إلى أحد دوافع النزاع.
كان تمويل الجماعات المسلحة في غالب النزاع السوري يتمحور بصورة كبيرة حول تحقيق الدخل من خلال السيطرة الفعالة على المناطق.
وتجلى هذا الأمر في أشكال عديدة (وما يزال إلى حد ما)، فقد احتكرت الجماعات المسلحة، حيثما أمكنها، الموارد المحلية كالنفط والمحاصيل الاستراتيجية و حتى المساعدات الإنسانية، وفي أحيان أخرى استغلت الفصائل العسكرية أو رجال الأعمال وأصحاب المصلحة المحليين التابعين لها ثغرات الاقتصاد المحلي.
تربّحت الفصائل المسلحة في العموم من النظم الضريبية الاستغلالية كالإتاوات، ورسوم نقاط التفتيش، ورسوم العبور المفروضة على حركة الناس والسلع والبضائع غير المشروعة كالمواد المخدرة.
حتى دون قيامها بدور فعال في إنتاج المواد المخدرة حينئذ ، كانت الجماعات المسلحة قادرة على استغلال ما يسمّى باقتصاد نقاط التفتيش المتعلق بتجارة المواد المخدرة عبر خطوط التماس. ومع أن كل أطراف الصراع وجهت لغيرها تهماً بالاتجار بالمخدرات، إلا أن الأدلة السردية تشير إلى أن أيديولوجيات الجماعات المسلحة وتحالفاتها ليس لها علاقة ملحوظة بمشاركتها في تجارة المخدرات – بغض النظر عن الصورة التي تسعى إلى إبرازها عن نفسها. على سبيل المثال، أعلنت المجموعة الإسلامية جبهة النصرة في عام 2012 أن قواتها قد اكتشفت وأتلفت حقولاً للقنّب ومختبرات للكبتاجون في المناطق التي استحوذت عليها من الحكومة السورية في جبال القلمون.
بُعيد ذلك أعلنت وسائل إعلام إيرانية عن اكتشاف مختبر للكبتاجون في المناطق التي استحوذت عليها من جبهة النصرة ومقاتلي الجيش السوري الحر. ومن المفارقات أن الجماعة المسلحة التي غالباً ما يُعتقد أنها أكثر الجماعات صلة بتجارة الكبتاجون -وهي الدولة الإسلامية – هي في الواقع من بين جهات النزاع القليلة التي ليس لها صلة مؤسسية ملموسة بتجارة هذا العقار (انظر أدناه: النشوة، الكبتاجون والدولة الإسلامية).
النشوة: الكبتاجون وداعش
لم يرتبط اسم أي مجموعة بتجارة الكبتاجون في سوريا كما ارتبط اسم تنظيم داعش. وقد استمرت هذه الصلة إلى حد كبير بسبب إثارة التغطية الإعلامية الأجنبية.
إن التقارير الأولية الخاطئة التي أفادت بأن هدف شحنة الكبتاجون الهائلة التي تم اعتراضها في إيطاليا في تموز/يوليو 2020 كان تمويل داعش لهي إشارة إلى مدى تفشي هذا الربط الخاطئ. غير أن الدلائل الموجودة تشير إلى أنه، باستثناء بعض الحوادث المحلية الصغيرة نسبياً، فإن صلات داعش المباشرة بتجارة المخدرات لم تكن إلا صلات محدودة.
إن أسباب عدم ضلوع داعش المشار إليه تُعد تفسيراً لاقتصادات الاتجار بالمواد المخدرة في سوريا بنطاقها الأوسع.
فمن المرجح أن تنظيم داعش امتنع عن الاتجار بالمواد المخدرة على نطاق واسع لأسباب مالية وليس بسبب ايديولوجيته المتشددة، إذ وبكل بساطة، كانت لدى داعش وسائل أخرى لتمويل أنشطتها.
وعلى خلاف الغالبية العظمى من الجماعات المسلحة في سوريا، نجحت داعش في إقامة جهاز حكومي جيد التمويل، وتشير التقديرات إلى أن العوائد السنوية لداعش في ذروة امتدادها كانت تتراوح بين 1.2 إلى 2 مليار دولار أمريكي.
وقد تدفقت الأموال إليها من مبيعات النفط والغاز، والابتزاز والإتاوات والضرائب و الخطف مقابل الفدية والسطو والتبرعات الأجنبية. أتاحت مصادر التمويل هذه للجماعة تمويلاً طغى إلى حد كبير على الموارد المتاحة لأطراف النزاع المنافسة لها، والتي قد نشأ الكثير منها في البداية من مجموعات حماية محلية ووحدات عسكرية منشق،وغالبا لم تسيطر هذه المجموعات على مناطق ذات موارد استراتيجية وفيرة. أدى التمويل المنخفض إلى تقليل الضغوط عن تنظيم داعش للدخول بفعالية في تجارة المواد المخدرة.
غير أن الظروف كانت متباينة على مستوى المجتمعات المحلية. إذ يقال إن مقاتلي داعش تساهلوا مع المهربين الذين كانوا يتّجرون بالمخدرات كالحشيش والسجائر و فرضوا عليهم الضرائب.
ومن المرجح أيضاً وجود اتجار بالكبتاجون في مناطق سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فتشير مصادر محلية على سبيل المثال إلى أن هناك مناطق كانت زراعة القنّب فيها أكثر ازدهاراً في ظل داعش منها بعد انهزامها، غير أنه وبرغم ما سبق ذكره فإنه ليس هناك دلائل كبيرة تشير إلى إنتاج داعش للكبتاجون أو اتجارها به كجزء من حتمية التمويل المؤسسي واسع النطاق.
كذلك فبقدر ما استهلك مقاتلو داعش الكبتاجون أو المواد المخدرة الأخرى فإن هذا الاستهلاك كان في الغالب خياراً شخصياً وليس نتاجاً لتوجيهات قتالية مؤسسية.
سلام العصابات (2018-الآن)
بحلول عام 2018 – وقبله بكثير في مناطق كثيرة – أُعيد تشكيل تجارة المواد المخدرة بصورة حاسمة لمصلحة القوى الموالية للحكومة.
وبرز في هذه الفترة بصورة متزايدة رواد أعمال المواد المخدرة المرتبطين بنظام الأسد.
سجلت العمليات الأجنبية لاعتراض شحنات المخدرات أرقاماً قياسية منذ عام 2018 و تُعد برهاناً على تطور صناعة المخدرات في سوريا، حيث تبين صادرات الكبتاجون والحشيش مستويات جديدة من الإنتاج وعلى نطاق واسع.
عودة الدولة
على الرغم من عبور تجارة المخدرات السورية عبر خطوط الجبهات بسهولة، غير أن مركزها العصبي الذي لا لبس فيه هو مناطق السيطرة الحكومية.
يعتمد إنتاج المخدرات الاصطناعية على واردات المواد الكيميائية الخام المستوردة من الهند وأمريكا الجنوبية وروسيا ومناطق أخرى.
تدخل الواردات إلى مناطق السيطرة الحكومية في سوريا عبر لبنان والأردن والعراق.
من جهة أخرى يمكن تتبع صادرات الكبتاجون التي تم اعتراضها عبر مناطق تخضع صورياً لسيطرة الحكومة السورية، ومنها المعابر (مثل معبر نصيب مع الأردن)، وطرق التهريب (عبر درعا، والسويداء، وريف حمص الغربي)، ومنشآت الموانئ (اللاذقية وطرطوس).
تتركز زراعة القنّب على طول الحدود المليئة بالثغرات مع لبنان.
ومع هذا فإنه من المرجح أن القنب والمخدرات الاصطناعية يتم إنتاجها وإن بدرجات متفاوتة في كل مناطق سوريا.
على الرغم من الانتشار الواسع لمواقع إنتاج المخدرات، تقع تجمعات المخدرات السورية جميعها تقريباً في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وحلفاؤها سيطرة تامة.
جغرافيا تجارة المخدرات السوريّة
تعكس الديناميكيات المحلية في تجارة المخدرات السورية أوجه الغموض في تعدد الجهات المسيطرة على المناطق.
تتركز تجارة المخدرات في مناطق سيطرة الحكومة، ولكنها موجودة في كافة أرجاء سوريا، وتختلف ظروف هذه التجارة حسب العلاقات والموارد المحلية في كل منطقة من مناطق السيطرة الثلاث – مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ومناطق السيطرة الحكومية (المناطق الوسطى والجنوبية والساحلية)، فالقدرة على الوصول إلى عناصر الإنتاج والأسواق وطرق النقل الأساسية تختلف في كل إقليم من هذه الأقاليم.
التجارة الثلاثية: الطرق الأساسية لتصدير المواد المخدرة
تُغادر المواد المخدرة سوريا متجهة إلى ثلاث وجهات رئيسية هي: شمال إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، وأوروبا. وتشير الأدلة المتوفرة إلى أن أوروبا تشكل الآن محطة عبور للمواد المخدرة المتجهة إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
استُخلصت البيانات المستخدمة لتصميم هذا المصور من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، و”الصلة بين النزاع والاتجار غير المشروع بالمخدرات،” المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود (2016)، ومصادر محلية، وتقارير إعلامية.
شمال-شرق سوريا
تتميز المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا عن باقي مناطق البلاد بالمستوى المنخفض نسبياً للاتجار المحلي بالمواد المخدرة فيها.
يُصدّر القنّب المزروع محلياً بصورة حشيش إلى العراق، ولكن يُعتقد أن هذه التجارة محدودة، رغم الحاجة إلى مزيد من البيانات لتأكيد ذلك. بالتالي فإن القنّب المزروع في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا يُستهلك في معظمه داخل مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
يجري الإنتاج على نطاق محدود قرب عامودا واليعربية في محافظة الحسكة، وعلى طول نهر الفرات، وخاصة في المنطقة القريبة من الشحيل في محافظة دير الزور. وحسب مصادر محلية فإن أهم موقع لزراعة المواد المخدرة على نطاق واسع في المنطقة الشمالية الشرقية يقع قرب عين العرب (كوباني) في شمال-شرق محافظة حلب.
وحشيش كوباني رائج في كافة أرجاء المناطق الشمالية الشرقية في سوريا لثمنه المنخفض.
ومن الغريب ما يقال بأن بعض أنواع القنّب تزرع أيضاً في رأس العين – التي تخضع الآن لسيطرة الجماعات المسلحة والتي كثيراً ما تشتبك مع قوات سوريا الديمقراطية – ويتم تهريبها عبر الخطوط الأمامية إلى مناطق الإدارة الذاتية حيث تُستهلك مباشرة أو تُهرب إلى مناطق شمال العراق.
لا تُعرف مناطق شمال-شرق سوريا بإنتاج المخدرات الاصطناعية على نطاق صناعي حسب مصادر محلية. ولكن لأنه لا يُحتاج إلا إلى معدات بسيطة لتغليف المخدرات الاصطناعية في كبسولات فإنه لا يُستبعد وجود منشآت سرّية. تشير المصادر المحلية إلى أن سوق الكبتاجون وغيره من المنشطات المخدرة في الإقليم سوق يتغذى بصورة رئيسية بواسطة المقاتلين. يدخل الكبتاجون والمواد المخدرة الأخرى إلى المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا من مناطق سيطرة المعارضة عبر منبج (انظر: (Syria Update) مستجدات سوريا 25 كانون الثاني/يناير 2021)، فيما تدخل الأمفيتامينات منخفضة الجودة إلى المنطقة الشمالية الشرقية عبر طرق التهريب الموجودة على طول الحدود الواسعة لهذا الإقليم مع مناطق السيطرة الحكومية. تشير المصادر المحلية إلى أن المخدرات تصل إلى المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا من العراق عبر اليعربية على الرغم من عدم وجود تفاصيل أخرى عن نقطة الدخول هذه , ما يشير إلى أن علاقة سوريا بتصنيع و تجارة المخدرات في المنطقة لا تتبع شكلا ثابتا و أنها، إلى حد ما، علاقة ثنائية الاتجاه.
طريق كردستان؟
ليس واضحاً مستوى التهريب بين مناطق الإدارة الذاتية في شمال-شرق سوريا و منطقة حكومة إقليم كردستان في شمال العراق؛ وهذه إحدى أهم الفجوات في بيانات البحوث الحالية في توزيع المواد المخدرة السورية وإنتاجها.
من الواضح أن هناك اتجاراً بالمواد المخدرة على طول الحدود السورية العراقية، ولكن لا تزال هناك جوانب غامضة. وتشير مصادر محلية إلى أن الحشيش يتم تهريبه إلى العراق عبر اليعربية من قبل قوات الصناديد، وهي مليشيا متحالفة مع وحدات حماية الشعب ومقاتلوها ينتمون إلى قبيلة شُمّر، وهي جزء من أكبر اتحاد قبلي في الإقليم ، والذي يمتد حتى الجزيرة العربية.
عرّف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الكبتاجون على أنه أحد ”العقارات المثيرة للقلق” في العراق، وهذه في الغالب إحدى تداعيات تصاعد وفرة هذا المخدر في سوريا.
كما أن إجراءات مكافحة المخدرات المشددة على طول خطوط التصدير الأخرى القادمة من سوريا ستزيد من جاذبية العراق بوصفه ناقلاً بين سوريا وأسواق الخليج. يمكن وجود ثغرات على طول هذا الخط، وكذلك ازدياد تسويق المخدرات في العراق إذا وصلت أسواق الكبتاجون الأعلى قيمة إلى نقطة إشباع.
هيئة تحرير الشام طرف أساسي في تجارة المخدرات
هناك تجارة مخدرات أكثر نشاطاً في شمال-غرب سوريا، وهي سوق للمخدرات المُنتجة في مناطق سيطرة الحكومة، خاصة تلك المنتجة على طول الحدود السورية اللبنانية.
ومع أن القنب يُزرع بكميات قليلة في شمال حلب، إلا أن الزراعة المحلية تقلصت منذ طرد داعش، وذلك حسب مصادر محلية. يدخل الحشيش بالجملة إلى شمال سوريا عبر محافظة إدلب، وعند وصوله إلى نُبّل والزهراء في شمال حلب يُقسّم ويغلّف وتوضع عليه العلامات التجارية.
تعزو المصادر المحلية الحشيش إلى حقول القنّب الموجودة في ريف حمص الغربي ووادي البقاع اللبناني.
يُزعم أن الجماعات المسلحة الشيعية الأجنبية المدعومة إيرانياً تسيطر على خطوط التجارة المتجهة شمالاً عبر سوريا، ويُقال إن جهات مرتبطة بالجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام تسيطر على الاتجار بالمخدرات في داخل الشمال السوري.
ثم بعد ذلك يقوم أصحاب مشاريع المواد المخدرة المستقلون بترتيب التهريب المتجه إلى تركيا، وربما إلى أوروبا.
إن سرّية المنشآت وسهولة التصنيع يجعلان من إنتاج الكبتاجون أكثر انتشاراً من زراعة الحشيش في شمال-غرب سوريا؛ ويشار إلى أن سرمدا وجسر الشغور هما مركَزا الإنتاج المحلي للكبتاغون.
وتشير مصادر محلية إلى أن المواد الكيميائية الاصطناعية اللازمة لإنتاج الحبوب المخدرة تدخل إلى شمال-غرب سوريا بصورة رئيسية بواسطة الجماعات المدعومة إيرانياً والتي تتركز حالياً حول الخطوط الأمامية في الشرق والجنوب الغربي لمحافظة إدلب، لكن التفاصيل الدقيقة لديناميكيات سلسلة التوريد المحلية ليست واضحة، كما أنه ليس واضحاً فيما إذا كانت المليشيات الأجنبية (الإيرانية) تؤمن المواد الكيميائية الأولية الخام أو الأمفيتامين الاصطناعي الجاهز للتغليف في كبسولات.
يقال إن هيئة تحرير الشام كانت في الماضي تُضيق الخناق على صغار تجار المخدرات بحجة مكافحة المخدرات، لكن تشير مصادر محلية إلى أن هذه المناورات صورية وليس لها هدف إلا إفساح المجال لأصحاب مشاريع المخدرات المرتبطين بهيئة تحرير الشام وللجهاز الأمني للجماعة نفسها.
الطريق الشمالي
أوقفت تركيا تدفق المخدرات في الشمال السوري من خلال فرض قيود عبور مشددة، وقد أغلقت السلطات لفترات طويلة من الزمن نقاط التفتيش الحدودية مع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية في اللاذقية ومع المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في شمال محافظتي حلب والرقة.
غير أن الكبتاجون استمر بالتسلل من الحدود التركية عبر طرق التهريب القائمة، في حين نُقلت مشاريع المواد المخدرة الأكثر تطوراً المخدرات التي تنتجها إلى داخل تركيا على نطاق واسع.
وباستثناء حوادث نادرة، يبدو أن مناطق جنوب تركيا أدت بصورة رئيسية دور القناة للأسواق الاستهلاكية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، وليس كمركز إنتاج رئيسي للكبتاجون في حد ذاتها.
مناطق السيطرة الحكومية في سوريا
تقع كافة تجمعات المخدرات الكبيرة وقنوات تصدير المخدرات تقريباً تحت سيطرة الحكومة السورية منذ عام 2018، بل ما قبل ذلك بفترة طويلة في حالات عدة.
كان يُعتقد أن أهمية تأمين طرق التهريب مثل ريف حمص الغربي وجبال القلمون الغربية كانت حافزاً رئيسياً لجهود قوات الحكومة السورية وحزب الله لاستعادة هذه المناطق، وللحزب حضور كبير في مناطق الحدود السورية اللبنانية حيث تشير مصادر محلية إلى أنه يؤمن الاستقرار الاقتصادي والحماية لمنتجي المواد المخدرة.
إن زراعة القنّب شائعة في أرجاء المناطق الجنوبية والوسطى من سوريا، حيث تتاخم حقول القنب وادي البقاع، كما تنتشر حقول أخرى في أرجاء الإقليم الساحلي ذي الغالبية العلوية، وخاصة في جنوب محافظة طرطوس وشمال محافظة اللاذقية.
وفي الجنوب السوري هناك حقول في منطقة اللجاة في درعا وفي شمال محافظة السويداء.
وسواء كان منتجاً من القنّب المزروع في سوريا أو في المناطق المحاذية لها في وادي البقاع اللبناني، فإنه يُقال إن الحشيش المُتجر به في سوريا يتم استهلاكه في السوق المحلي ويُصدر أيضاً إلى خارج البلاد، خاصة إلى الأردن.
إن عملية إنتاج الكبتاجون عملية مرنة للغاية، ويُعتقد أنها تحصل على نطاق محدود في مختبرات تحت الأرض و على نطاق واسع في منشآت صناعية في المناطق الصناعية والمراكز الحضرية.
لا يُعرف عدد المختبرات الصغيرة، لكن تقارير استقصائية سورية تشير إلى وجود 15 مصنع كبير على الأقل تنتج الكبتاجون إلى جانب مخدرات اصطناعية أخرى.
وهذه المصانع تقع في الغالب على طول طريق دمشق-حمص وفي مناطق صناعية أخرى. فعلى سبيل المثال يقال إن هناك مواقع إنتاج كبيرة في محافظة حمص؛ وفي البصة، وهي منطقة مُهملة على أطراف مدينة اللاذقية؛ وفي مصنع تديره الفرقة الرابعة.
ولأنه يُعتقد أن تهريب الكبتاجون عبر الحدود عملية كثيرة التغير فينبغي النظر إلى سوريا على أنها بؤرة التجارة الإقليمية كما أنها نقطة عبور وسوق استهلاكية قائمة بذاتها؛ فبالإضافة إلى الحبوب المصنوعة محلياً، تتداول الحبوب المستوردة أيضاً – سواء للاستهلاك أو لإعادة تصديرها إلى أسواق أعلى ربحاً.
طريق القلمون
تمتد سلسلة جبال القلمون على طول الحدود السورية-اللبنانية المليئة بالثغرات وتُسهل التهريب ثنائي الاتجاه للمواد المخدرة وغيرها من البضائع غير المشروعة.
ورغم أن السلطات اللبنانية التي تتلقى دعماً غربياً لمكافحة المواد المخدرة كانت تسعى إلى كبح إنتاج المواد المخدرة في وادي البقاع، إلا أن مبادراتها لم تحظ بنجاح كبير. ويقال إن جهود المكافحة في الماضي قد دفعت بعملية الإنتاج للانتقال إلى داخل سوريا، وهي خطوة زادت يُسراً مع تهالك حكم القانون باشتداد النزاع السوري.
وتشير التقييمات السردية إلى أن إنتاج الكبتاجون في وادي البقاع انحدر بنسبة 90 بالمئة بين عامي 2011 و 2013، وذلك بسبب انتقال الإنتاج إلى داخل سوريا.
ورغم أن المصادر المحلية تشير إلى أن هذه النسبة معقولة، إلا أنه يستحيل إجراء تقدير كمّي مستقل لها. ومن نفس المنطلق، يقال إن إنتاج الكبتاجون انتقل من سوريا إلى داخل لبنان خلال فترات ازدياد العمليات العسكرية في محافظة ريف دمشق وغرب محافظة حمص.
إن انتشار طرق التهريب الحالية و السيطرة المحكمة لحزب الله، بدلاً من السلطات الرسمية اللبنانية أو السورية، هي عوامل أساسية أتاحت للاقتصادات غير المشروعة ومنها اقتصاد المواد المخدرة القفز عبر الحدود استجابة للديناميكيات المحلية المتغيرة.
وفي حالة لبنان، تزيد الدوافع الاقتصادية جاذبية تجارة المخدرات. يقال إن ارتفاع مداهمات القوى الأمنية على مختبرات المخدرات في وادي البقاع والمناطق الحدودية اللبنانية، وخاصة منذ بدء معاناة البلاد من الاضطرابات الاقتصادية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، مما يشير إلى أن الاتجار بالمواد المخدرة سيبقى مصدر قلق مع استمرار انهيار الدولة اللبنانية ونظامها الاقتصادي تدريجياً.
وتشير إلى أن مطار بيروت هو نظرياً نقطة عبور صادرات الكبتاجون القادمة من سوريا – على الرغم من أنه يستبعد أن يكون هذا الطريق ذا قيمة عالية نظراً إلى خطورة اكتشاف الصادرات وإلى توفر طرق برية بديلة.
الطريق الجنوبي
كانت المنطقة الجنوبية في سوريا، حتى استعادة السيطرة عليها من قبل الحكومة السورية بالتعاون مع القوات الروسية في عام 2018، من بين أكثر المناطق تشظياً في البلاد. أدت أعمال العنف والاشتباكات المتفرقة مع أفراد قوى الأمن الأردنية إلى تسريع إغلاق معبر نصيب الحدودي في عام 2015، الأمر الذي شكل ضربة قاصمة للصناعات الإقليمية المعتمدة على التجارة البرية (انظر: (ٍSyria Update) مستجدات سوريا 18-24 تشرين الأول/أكتوبر 2018).
مع ذلك تبقى المنطقة الجنوبية في سوريا نقطة خروج حيوية للمواد المخدرة السورية، وتشمل طرق التهريب عبر المناطق الصحراوية النائية المحاذية للأردن مستجدات سوريا 25 كانون الثاني/يناير 2021). والأهم من كل ذلك أن الطريق البري عبر الأردن يؤمن مدخلاً إلى الخليج العربي من خلال المملكة العربية السعودية.
وباستثناء محافظة السويداء، كانت كثير من مناطق جنوب سوريا تحت سيطرة العديد من جماعات المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة حتى صيف عام 2018. تشير البيانات الأردنية عن ضبوطات الأمفيتامينات إلى أنه كان هناك تدفق ثابت نسبياً من المخدرات المهربة عبر البلاد، وهو ما يمكن ربطه منطقياً بوسطاء سوريين.
المخدرات ونظام الأسد
على المستوى المحلي، يبقى إنتاج المخدرات وتهريبها مسألة تابعة للسيطرة والتأثير على الأرض، فشتى الهيئات العسكرية ذات الخلفيات والانتماءات المختلفة متورطة في سلاسل التوريد والنقل والإتاوات ومنها فرق من هيئات عسكرية وطنية (كالفرقة الرابعة والمخابرات الجوية والحرس الجمهوري وفرع المخابرات العسكرية 215)، والميليشيات المحلية والشركات الأمنية الخاصة (مثل قوى الدفاع الوطني، وصقور الصحراء، وكتائب البعث، وسرايا العرين)، والجماعات الأجنبية المسلحة بمختلف الانتماءات (كالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، ومجموعة فاغنر).
ومع ذلك فإن الإنتاج مجزأ جغرافياً ويحصل ضمن تسلسل هرمي محدد ويُفهم الاتجار بالمواد المخدرة في مناطق سيطرة الحكومة – وهي بؤرة صناعة المخدرات على المستوى الوطني في سوريا – على أنه احتكار يسيطر عليه نظام الأسد وحلفائه المقربين على أعلى المستويات؛ ويُعتقد عموماً أن هناك شبكتين متداخلتين.
شبكة نظام الأسد
يُقال إن الشبكة الأولى تقع تحت سيطرة نظام الأسد مباشرة، وهذا برهان على قدرة النظام السوري على التكيف حيث إنه ليس هناك اتفاق عام على تعريف قاطع لماهية النظام بحد ذاته. حتى بعد عقد من انطلاق الانتفاضة في شهر آذار/مارس 2011. وبلا شك فإن الدائرة الداخلية المحيطة بشخص الرئيس بشار الأسد وعائلته هي دائرة مركزية بالنسبة للنظام.
ومع ذلك يمكن القول إن النظام السوري أيضاً يضم ما أصبح يوصف بعبارة “مجموعة لا مركزية” واسعة “من الشبكات المتداخلة” تتألف من الجهات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية ذات السلطات المستقلة المختلفة.
يؤدي كلا جزئي النظام دوراً في تجارة المخدرات السورية، ومن بين أهم أصحاب مشاريع المواد المخدرة في سوريا شخصيات من الدائرة الداخلية منهم ماهر الأسد ووسيم بديع الأسد ومحمد شاليش وسامر الأسد. ويقال إن الأخير، وهو أحد أبناء عمومة بشار البعيدين، يشرف على إنتاج الكبتاجون في اللاذقية وله تأثير كبير على الاتجار به في أرجاء منطقة الساحل السوري.
وتشير مصادر إلى أنه لكي يعمل أصحاب مشاريع المواد المخدرة الصغار محدثي النعمة في المنطقة فإن عليهم أن يدخلوا في “شراكة” مع سامر، ويقبلوا دفع ما يصل إلى 40-60 بالمئة من عائداتهم مقابل الحصول على عناصر الإنتاج وقنوات التصدير والحماية. غير أنه يستحيل التأكد من التفاصيل الدقيقة عن هذه الشراكات.
الشبكة المرتبطة بإيران
ثاني أكبر شبكة تهريب مخدرات تعمل من خلال القوات المسلحة المدعومة إيرانياً، كحزب الله وأصحاب مشاريع المخدرات المؤثرين والعديد من المليشيات الأخرى المدعومة إيرانياً والتي يعتقد أنها من بين المصادر الرئيسية للمواد الكيميائية الأولية المُستخدمة في مختبرات المخدرات الاصطناعية في أرجاء سوريا.
يُعتقد أن هذه الشبكات ذات تأثير أعظم على “منح امتيازات” إنتاج المخدرات في المناطق الوسطى والجنوبية في سوريا، حيث ما تزال سلطة الدولة هشّة، وكذلك في جيوب أخرى معزولة في البلاد.
إنهاء حرب المخدرات السورية
من المعلوم أن هناك “ترابطاً وثيقاً بين المخدرات والنزاعات”. وعلى الرغم من أن المحللين المختصين بالشأن السوري بحثوا كثيرا في الكيفية التي يُغذي الصراعُ فيها تجارةَ المخدرات، ولكنهم نادراً ما لاحظوا النتيجة الطبيعية وهي أن تجارة المخدرات ستستمر في زعزعة الاستقرار في البلاد . فالتجارة المحظورة بالمواد المخدرة في البلاد الرازحة تحت الأزمات تُغذي العنف وتُطيل الاقتتال وتعيق الاستقرار والانتقال السياسي بعد النزاع.
ويمكن القول إنه من المستحيل فهم المسار المستقبلي للنزاع في سوريا دون الاعتراف بضخامة صناعة المخدرات في البلاد وأهميتها الاقتصادية. غير أنه من المهم أيضاً لصانعي السياسات والمانحين والجهات الفاعلة في مجال تحقيق الاستقرار أن يعترفوا بعدم توفر أدوات كافية لمكافحة اقتصاد المخدرات السوري طالما أن النزاع نفسه لم يُحلّ بعد.
ستبقى حالة الحكومة السورية -المنبوذة في المستقبل المنظور- عائقاً في وجه التنسيق الوثيق الذي غالباً ما يكون مطلوباً لتقويض قدرة شبكات تجارة المخدرات العابرة للحدود و المتجذرة في البلاد بشكل فعّال. ونتيجة لتلك الحالة يستمر اقتصاد المخدرات السوري في تغذية النزاع وإثراء نظام الأسد وحلفائه وزيادة عبء تطبيق القانون والتكاليف الاجتماعية المفروضة على المنطقة المجاورة.
مال أقل ومشاكل أكثر
إن الأسباب الرئيسية لاستعصاء اقتصاد المخدرات السوري هي في غاية البساطة، فقد زاد الانكماش الهائل للاقتصاد الوطني اعتماد النظام السوري على اقتصاد الحرب لبقائه الذي كان دوماً يعتمد إلى حد ما على استقطاب الموارد من خلال السيطرة على الاقتصاد الوطني.
غير أن إجمالي الناتج المحلي الوطني السوري تقلص بحلول عام 2018 إلى 21 مليار دولار أمريكي من 67 مليار دولار أمريكي في عام 2011. بل ما يقلق أكثر هو الاختفاء شبه التام للصادرات الأجنبية التي لم تبلغ 700 مليون دولار أمريكي في عام 2019. وفي عام 2020 وحده اعترضت أجهزة إنفاذ قانون أجنبية ما لا يقل عن أربع شحنات من الكبتاجون السوري تُقدر القيمة السوقية لكل منها بما يزيد عن 300 مليون دولار أمريكي.
وكما أشارت نشرة الأعمال والاقتصاد “تقرير سوريا” استجابة لهذه الاعتراضات، فإن حجم صادرات المواد المخدرة السورية وتضاؤل الأنشطة التجارية المشروعة تتضافر معاً لتجعل المواد المخدرة “أهم مصدر للقطع الأجنبي على الإطلاق” في البلاد.
إن حساب حجم اقتصاد المخدرات السوري في أحسن أحواله عملية تخمين مستنير. قدرت وسائل إعلام سورية أن قيمة تجارة الكبتاجون في البلاد تبلغ ما يصل إلى 16 مليار دولار أمريكي سنوياً. خَلُصت تحليلات مركز التحليلات العملياتية والأبحاث – (COAR) إلى أن السلطات، في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصورة رئيسية صادرت ما لا يقل عن 173 مليون حبة كبتاجون (34.6 طن) و 12.1 طن من الحشيش المصدرة من سوريا في عام 2020.
والقيمة السوقية لهذه الكمية من حبوب الكبتاجون تصل نظرياً إلى 3.46 مليار دولار أمريكي. إن كون المخدرات التي تم اعتراضها لا تمثل إلا جزءاً ضئيلاً من نشاط المواد المخدرة الكلي يشير إلى أن القيمة الإجمالية لصناعة الكبتاجون السوري تفوق هذا الرقم بأضعاف مضاعفة. غير أنه ينبغي إحاطة أي تقديرات بمزيد من الاعتبارات، فالكبتاجون المباع بالتجزئة لا يصل إلى قيمته القصوى إلا في أسواق الخليج الأكثر جاذبية؛ وتنزل قيمته إلى النصف أو أكثر إذا بيع في مناطق أخرى في المنطقة. كما أن المنتجين وشبكات ما قبل الإنتاج – أي نظام الأسد والشبكات المرتبطة بإيران – لا تحصل إلا على جزء من إجمالي العائدات. ونظراً للفجوات الكبيرة في البيانات والغموض الذي يحيط بهذه القيود، فليس في هذه الورقة أي تقديرات مستندة إلى الأدلة عن القيمة الإجمالية لاقتصاد المخدرات السوري – أو عائدات نظام الأسد.
الخلاصة وتوصيات السياسات
لقد انحسر النزاع الفعلي في سوريا مع الركود العام الذي سببته جائحة كوفيد-19، بينما تعيق بعض الأطراف المتعنتة التقدم نحو حل دائم للصراع. وكلما طال استفحال الأزمة السورية, ازدادت آثارها تعقيداً. غير أن المقاربات التقليدية لمكافحة المخدرات على المستوى الوطني ستواجه عراقيل حتى في سياق ما بعد النزاع بسبب الطبيعة المؤسسية لتجارة المخدرات السورية وروابطها بأطراف النزاع وشبكات الجريمة العابرة للحدود في الشرق الأوسط وأوروبا. لذا فإنه من غير المرجح أن تكون أساليب مكافحة المخدرات التقليدية داخل سوريا، والتي تستمد جذورها من دعم استراتيجيات سبل المعيشة أو نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج، فعالة على نطاق واسع.
كذلك بالنسبة لأصحاب مشاريع المواد المخدرة وشبكات المخدرات غير المركزية فإن الدوافع الاقتصادية وحوافز الحماية ترجح بفارق شاسع على المخاطر طالما كانت سبل المعيشة المستدامة غير متوفرة. ولكن صناع السياسات والجهات المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية ليسوا عاجزين بالكامل عن إحداث تغيير. تفرض دولة المخدرات السورية مجموعتين متمايزتين من المشكلات، ومع أن إحدى هاتين المجموعتين تتوقف على حل الأزمة الراهنة، إلا أنه يمكن البدء بمنهج تقليل الأضرار للتصدي للمجموعة الثانية.
مقاربة دولة المخدرات السورية
تتعلق المجموعة الأولى من المشكلات بنظام الأسد واستغلاله للمواد المخدرة كحبل نجاة نقدي. وتبقى التجارب التاريخية مع حملات مكافحة المخدرات في سوريا مهمة كنوع من دراسة الحالة. أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية على سوريا لقب دولة المخدرات خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1971-1991) حين جنت شخصيات عسكرية وأمنية وشخصيات من النظام في دمشق أرباحاً هائلة من تجارة المخدرات التي غذّت النزاع. وبُعيد اتفاق الطائف وانتهاء أعمال العنف في لبنان، بدأت القوى الأمنية السورية تنفيذ مداهمات عالية المستوى (وإن كانت صورية في بعض الأحيان) تستهدف حقول القنّب في وادي البقاع اللبناني ومنشآت تكرير الهيروين داخل سوريا.
ثم إن صناعة المواد المخدرة التي كانت قبلُ تحت هيمنة شخصيات رفيعة المستوى من نظام الأسد توارت عن المشهد إلى حد بعيد. وفي عام 1997، أزالت إدارة كلنتون سوريا من قائمتها لدول المخدرات، حيث سعت إلى تحصيل وصول تجاري للصادرات الأمريكية واستثمارات البترول الأمريكية مقابل تخلي سوريا عن أسلحة الدمار الشامل، ومقابل التحرر الاقتصادي، واحتمال عقد صفقة سلام بين سوريا وإسرائيل.
إن تقارباً سياسياً من هذا النوع غير وارد وغير حكيم في ظل الظروف الراهنة في سوريا. ومع ذلك فإن تردي سوريا في نزاع وحشي وعزلة دولية أعمق منذ عام 2011 لا ينبغي أن يطعنا في الدليل على قدرة الدولة الكامنة كفاعل مهم في مكافحة المخدرات، كما تبين من نجاحاتها في تسعينات القرن الماضي. وعلى المدى الطويل من المرجح أن تعتمد الاستراتيجية الناجحة لمكافحة المخدرات في سوريا على قدرة الحكومة السورية على أداء دور استباقي ومثمر، غالباً بالتنسيق مع الدول الإقليمية والمتاخمة لسوريا.
مقاربة المواد المخدرة والمجتمع السوري
إن أزمة سوريا الثانية مع المخدرات تتعلق بالانتشار الواسع لتعاطي المخدرات وآثار المواد المخدرة على المجتمع ككل. ومع وجوب إبقاء الأثر الفردي لتعاطي الكبتاجون والحشيش في إطاره الصحيح، إلا أن الانتشار المتزايد لتعاطي المخدرات في سوريا يعكس التصدعات المقلقة على الصعيد المجتمعي الأوسع. ولقد أصبح الذكور الذين هم في عمر الخدمة العسكرية بالتحديد معتادين على تعاطي المنشطات ومنها الكبتاجون خلال عقد مضى من النزاع الحاد.
وأصبحت المواد المخدرة المصنعة بتكاليف زهيدة الآن من بين المسكنات القليلة المتاحة للسوريين الذين يواجهون فقراً طاحناً متعدد الأبعاد مع انهيار الدولة من حولهم. بالنسبة للمانحين والجهات المعنية بتقديم المساعدات فإن وضع استراتيجية لمواجهة تعاطي السوريين للمخدرات ستعتمد على جمع بيانات تفصيلية ودقيقة للحصول على فهم أكبر لنطاق المشكلة وانتشارها. ويجب الإقرار بأن تعاطي المخدرات في هذا السياق هو قضية اجتماعية-سياسية متعددة الأوجه ولها جذورها في العنف والفشل المؤسسي والأزمة الإنسانية واليأس الشخصي.
وقد تكون المقاربات المعتمدة على العناية بالصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي منطلقات مهمة لمواجهة الأسباب الجذرية الدافعة لتعاطي المخدرات.
ولكن الأهم من ذلك سيكون استعادة فرص سبل العيش ووجود مخرج من اليأس الذي أصبح علامة الحياة اليومية للكثير من السوريين.