العراق.. العثور على أقدم جامع تحت الأرض
- إعادة بناء ما يقارب ١٣٢ بيتا ثقافيا حول جامع النوري
- جهات متنفذة ومسلحة تشارك المواطنين في استثماراتهم
- سهل نينوى يشهد تغييرا ديمغرافيا
- سنجار أصبحت موقع نزاع كبير بين أطراف متعددة
- مخيمات النازحين تضم عددًا كبيرًا من عائلات الدواعش.
- النساء والأطفال أصبحوا ضحية الدواعش.
- هناك جهات أقوى من الدولة حاليا
- الصراع في العراق “ذكوري” ولا مكان للمرأة فيه
جهود إعادة إعمار الموصل في العراق بطيئة- وهي المدينة التي سيطر عليها تنظيم داعش في الفترة بين 2014 -2017، ويحاول سكانها جاهدين بالتعاون مع منظمة اليونسكو؛ إحياء روح الموصل، تلك المدينة التاريخية التي عُرفت بآثارها، ومعالمها السياحية، حول إعادة إعمار الموصل والمواقع الأثرية. والحديث عن أهمية الأماكن الأثرية في العراق، كان لـ”أخبار الآن”، هذا الحوار مع مستشارة رئيس الجمهورية العراقي للشؤون الثقافية ميسون الدملوجي.
في البداية.. ما هو حال المواقع الأثرية في الموصل؟
شكرا على هذا اللقاء، في البداية أنا في زيارات مستمرة إلى الموصل، حتى أيام تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، زيارتي الأولى كانت إلى الجانب الأيسر من الموصل، بينما كانت المعارك لا تزال مستمرة على الجانب الأيمن، حيث زرت المواقع الأثرية مثل “النمرود” الذي تعرض لدمار كبير، وبجهود رئيس الوزراء -آنذاك- استطعنا تسييج الموقع، ووضعنا حمايات وحراسات، وتوفير وسائل الراحة للحراسات، كذلك وفي ذات الفترة زرت مرقد النبي يونس الذي كان مهدمًا، واكتشفنا تحته قصر آشوري.
وفي زياراتي الأخيرة ذهبت إلى جامع النوري، ومنارة الحدباء وتم اكتشاف الجامع القديم وهو الجامع الأصلي الذي بني آنذاك، دخلت فيه وكانت لا تزال الجدران موجودة والممرات ومكان الوضوء للصلاة وبعض الفخاريات، الجامع الحالي هو آخر جامع بني عام ١٩٤٦، وهو ليس الجامع الأصلي، لأن المسجد الأصلي، كان ستة أمتار تحت الأرض، ويعد أول جامع، والآن عثرنا عليه، وهناك قرار من اليونسكو والأوقاف والآثار، أن تكون أرضية المسجد زجاجية حتى يستطيع الزائر مشاهدة الآثار الموجودة تحت جامع النوري في العراق.
أما المنارة فهي المنارة الأصلية “منارة الحدباء” في جامع النوري، والتي سقطت بسبب الارتجاجات، وذلك بعد تفخيخ تنظيم داعش لجامع النوري، وسقطت منارة الحدباء بسبب الارتجاجات، طول المنارة ٥٩ مترا بقي منها ١٣ مترا سقطت منها قطع كبيرة، الآن جهود اليونسكو والجهات المعنية وأهالي الموصل بدأوا هذا الأسبوع بإعادة ترميم منارة الحدباء، وستعاد بالضبط مثلما كانت وبنفس الميلان وهذا ما يريده أهالي الموصل، وسيضعون أساسات جديدة بعمق يبلغ نحو ١٦ مترًا أو أكثر لحماية المنارة، وسيكون داخل المنارة أسلاك من الفولاذ لتقويتها ومنعها من السقوط.
أما بالنسبة لجامع النوري وبحسب المسابقة العالمية التي حدثت قبل عام فقد فازت شركة مصرية، وسيكون هناك معهدًا للفنون والعمارة الإسلامية للطالبات والطلاب لتعليم فنون العمارة الإسلامية، ونحن بحاجة إلى هذه المعاهد في كل أنحاء العراق، وليس فقط في الموصل، وكانت هذه المبادرة من دائرة الأوقاف، أيضا شرعت اليونسكو في إعادة بناء ما يقارب مئة واثنين وثلاثين بيتا ثقافيا حول جامع النوري، وهناك أيضا كنيستين الطاهرة والساعة، سيعاد بنائهما قريبا، كما يوجد تمويل جديد لبناء نحو 500 بيت ثقافي حول جامع النوري، كما زرت بعض من هذه البيوت الثقافية التي انتهى العمل فيها.
وهناك حرص مذهل أن تكون المواد محلية ونفس المواد القديمة المستخدمة، وأن لا تكون هناك موادًا جديدة وغريبة على المدينة القديمة، رغم أن هذه المواد لم تعد موجودة كالحجر والنورة، وأيضا الحرفيين غير موجودين لذلك يضطرون إلى تدريب بعض الحرفيين لإعادة بنائها، هناك منازل تاريخية حجمها ٢٥ مترًا فقط، وتكون عبارة عن غرفة فوق غرفة، وهناك عائلات تسكنها تم إعادة بنائها مثل السابق، أي مثلما كانت قبل التدمير، هذه البيوت عمرها مئات السنين، الاهتمام بنسيج تاريخ المدينة من قبل سكانها كان مذهلًا، والجميل أيضا أن من يعمل عليها هم أبناء الموصل ذاتهم، وكنت سعيدة جدا عندما شاهدت شابة مهندسة معمارية من بغداد ذهبت إلى هناك لتكون جزءًا من العمل وتشاركهم، الحقيقة الموصل تعيد بناء نفسها،
كما زرت بعض الأسر التي دمر تنظيم داعش منازلهم، الأسر أعادت بناء المنازل، وربما أفضل من السابق، بإمكانياتهم البسيطة، واعتبر أهالي الموصل إعادة البناء هذه تحديًا كبيرا لمواجهة تنظيم داعش في العراق.
تأخر الإعمار في الموصل.. هل ذلك بسبب فساد إداري أم تدخل الأحزاب؟
لم أسمع عن قضايا فساد في مشاريع الإعمار في الموصل. لكن؛ هناك جهات متنفذة تشارك المواطنين في استثماراتهم في الجوانب الاقتصادية. نعم توجد هناك تدخلات، وهناك أيضا استقواء الجهات المتنفذة بين بعضها البعض، هناك أطراف مسلحة تتدخل وبعض من أطراف الحشد وليس جميعها، وفي الموصل لا يوجد هناك تدخل اجتماعي كبير، لكن علمت أن التدخلات في سهل نينوى أكبر بكثير، كتحويل ملكيات أراض، والاستحواذ عليها، وأصبحت هذه مشكلة كبيرة، والكثير دخل السجن بسبب تغيير عقارات، وهي أغلبها في سهل نينوى، وليس في الموصل، على حد علمي هذه التجاوزات ليست في الموصل، إذا تحدثت شخصيا نحن كعائلة لدينا أملاك كثيرة في الموصل ولم نتعرض لهذه التجاوزات.
هل ما يحدث في سهل نينوى من طابع التغيير الديموغرافي؟
على ما يبدو هكذا، هناك تغييرات ديموغرافية، وهناك تغييرات لملكية الأراضي إلى جانب سهل نينوى، هي سنجار التي أصبحت موقع نزاع كبير بين أطراف متعددة.
هل هناك جهات معينة تتخذ القرار في سنجار؟
من المفترض أن الحكومة أصدرت قرارات لاستعادة السيطرة على سنجار، واعتقد أن هذه القرارات دُعمت من حكومة إقليم كردستان أيضا، لكن هناك جهات “أقوى من الدولة حاليا” لا تريد لهذا الأمر أن يحدث.
لنتحدث عن النازحين.. أين وصل هذا الملف؟
هناك عدد كبير من النازحين عادوا إلى مناطقهم، لكن بعض من الذين لا يزالون في مخيمات النازخين أغلبهم من عائلات الدواعش، هؤلاء مازالوا غير قادرين على العودة، أعضاء داعش في السجون العراقية، لكن من يتواجد في بعض المخيمات حاليا هم أسر الدواعش، هناك أجانب أيضًا، وكذلك بعض من أهالي الموصل الذين كانوا يسكنون في الإيجارات، والآن ليس لديهم مسكن ولا إمكانيات مادية فهم لذلك ما زالوا في المخيمات.
هل هناك خطة حكومية للتعامل مع عائلات الدواعش في المخيمات؟
في اعتقادي، بعض الأحيان يدفعون دية، حتى يستطيعون العودة إلى منازلهم، وحتى أكون صريحة هذه قضية صعبة ومُعقدة.
من يدفع ديّة وإلى من؟
أقصد، أحيانًا تُحل هذه القضايا بشكل عشائريّ، مثلًا “إذا هناك عائلة فقدت ولدها وتعلم من هو القاتل يتفاوضون على دية”- حتى يستطيع العودة إلى منطقته، طبعا هذه الأمور قليلة جدًا، فمن قام بعمليات إجرامية كبيرة، لا تحل خلافاتهم “بالدية”، بل ويكون حتى المبلغ المطلوب كبير جدا.
ماذا عن الأطفال والنساء من عائلات الدواعش؟
نعم، حتى النساء والأطفال أصبحوا ضحية الدواعش، عندما يكون الابن او الزوج من تنظيم داعش تصبح العائلة ضحية لإجرامه، وهذه مشكلة كبيرة، هناك عدد كبير من الأطفال، وهؤلاء الأطفال يحتاجون إلى عناية كبيرة حتى لا يتحولون إلى عناصر داعشية.
هل تتحرك الحكومة العراقية لتأهيل هؤلاء الأطفال والنساء؟
هذه المشكلة ليست مشكلة عراقية فقط، وإنما مشكلة عالمية، ابتُلى بها العراق، وعلى كل العالم أن يساهم في حل هذه المشاكل، صحيح أغلب الدواعش الموجودين هم من الجنسية العراقية، لكن هناك عناصر أجنبية، كما أن الدعم جاءهم من خارج العراق، حيث فتحت الحدود لهم وسمح لهم بالدخول، ويتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة لتأهيل ووضع خطط وبرامج وإيجاد حلول لعوائل الدواعش.
عندما كنت في لجنة الثقافة البرلمانية؛ حاولنا إنشاء برامج وخطط لدعم الأطفال، لكنها لم تكتمل.
برأيك.. ما هو وضع المرأة في السياسة العراقية؟
لم تكن هناك سوى اثنين أو ثلاثة نساء في المجلس الوطني قبل عام 2003، ولم يكن هناك وزيرة، لكن بعد عام 2003 النساء ناضلن من أجل وضع “كوتة” من أجل مشاركة النساء، وبعد 18 عامًا أصبح هناك 97 امرأة في البرلمان، 57 منهن نجحن في الانتخابات، ودخلن البرلمان “دون كوتة” وهذا إنجاز مهم، صحيح المرأة لم تأخذ دورها لكن هي عملية نمو.
ومع رفض الشارع لنظام المحاصصة، أعتقد أن هذا سيفتح المجال لأصحاب الخبرة والكفاءة، ومن بينهم النساء بأن يأخذوا مكانهم الطبيعي والحقيقي.
هل تلعب المرأة دورًا في الصراعات حول تشكيل الحكومة؟
بكل بساطة لا، لأن الصراع ذكوري، لأعطيكِ مثالًا.. شاهدي الصراع الكبير على منصب رئيس الجمهورية، علمًا أن هذا المنصب هو تشريفي، ويجب أن يكون فيه الرئيس ممثلا للعراق في المحافل الدولية، وقادر على التحدث بلغات مختلفة بطلاقة، ويجمع الأحزاب إذا اختلفت، لكن نحن حاليًا نشهد صراعًا على المنصب، لذلك أنا أقول إنه صراع ذكوري ولا مكان للمرأة فيه.
لطالما حذرتِ من الآثار الخطيرة للهجرة إلى المدينة؟
النزوح الذي حدث في السنوات الماضية، كان بسبب تدهور الزراعة، ونقص المياه، والجفاف وبناء السدود، وزيادة عدد السكان، وكانت هجرة السكان من الريف إلى المدينة بحثًا عن فرص عمل في مكان آخر، حتى أن بعض الأشخاص الذين انضموا إلى الإرهابيين، كانوا يحملون “الفأس” للزراعة، ولأسباب عدة لم يستطع زراعة أرضهن فقدم له التنظيم الإرهابي “السلاح” والمال، فتحول إلى إرهابي يقتل ويفجر، لأن لديه عائلة، ويحتاج لإعالتها، وهذه مشكلة كبيرة.
كما أن النزوح من الريف إلى المدينة سبب مشكلة كبيرة، فمثلا بغداد صُممّت لتستوعب مليوني نسمة، واليوم بها أكثر من عشرة ملايين نسمة، وأصبح بها نسبة كبيرة من العشوائيات، ونقص في الخدمات الأساسية والبنىّ التحتية والماء والكهرباء وإلى آخره.
أيضًا، بربط هذا بأزمة تغير المناخ، فمثلا، ازدادت زراعة “النخيل” وسط العراق، بينما أصبحت تتناقص في الجنوب مثل البصرة- التي يطلق عليها “أم النخيل والتمر”- لأن الأساليب الزراعية الحديثة التي استخدمت في مناطق الوسط، لا يؤمن بها الفلاح في الجنوب لأنه تعود على وفرة المياه، ولم يعتد على نقصها، أو أنه يجب عليه ترشيدها.
إذًا.. هل نتوقع موجات نزوح أخرى بسبب تغير المناخ؟
نعم، إذا لم نشرع بمعالجات حقيقية، خاصة وأن اللجنة العليا اقترحت الكثير من الأمور، منها وضع سد في البصرة بالعراق؛ لمنع المياه من المرور إلى شط العرب، وأيضًا لأن البُحيرات مثل الحبانية والثرثار، أصبحت مياهها تتبخر بسرعة بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وكذلك وضع تغطية لتخفيف التبخر، وهو أيضا يولد طاقة كهربائية، وهناك معالجات يجب على الدولة أن تقوم بها، لكنها حتى الآن مجرد تقارير، لكن لا توجد خطوات فعلية، ويجب وضع اتفاقيات مع دول الجوار حول الأنهار.