تتمحور أعمالنا كافة في مدينة الموصل حول قاسم مشترك واحد، ألا وهو الإنسانية. نشهد اليوم بأم أعيننا القوة الكامنة في التعبئة الدولية التي لا يقتصر جلّ اهتمامها على صون التراث، بل يمتد ليشمل توفير فرص عمل للشباب وتدريبهم وبثّ الأمل وإرساء أسس السلام.
أودري أزولاي
المديرة العامة لليونسكو
وكانت المرحلة التحضيرية التي شملت المواقع الثلاثة عاملاً رئيسياً لإعادة الإعمار استناداً إلى أساس متين.
ودأبت اليونسكو على تحضير المواقع استعداداً لإعادة إعمارها، مستهلةً جهودها هذه بتأمين الحدود الخارجية، ثم شرعت بإزالة الركام المليء بالفخاخ المتفجرة.
وتلت هذه المرحلة مرحلة التدعيم وإعداد التصميم التفصيلي لعملية الإعمار بالتشاور مع السكان المحليين والخبراء للوقوف على آلية تنفيذ المشروع.
المئذنة الحدباء
تكتنز المئذنة الحدباء تاريخاً يعود إلى 800 عام أمضتها شامخة في أفق مدينة الموصل، وباتت رمزاً تاريخياً عريقاً لمدينة الموصل وللعراق ككل. شارك سكان الموصل في استطلاع شامل أبدوا فيه رغبتهم في إعادة بناء المئذنة بالشكل الذي كانت عليه قبل تدميرها في عام 2017 بطولها البالغ 45 متراً، وتزيينها بالطوب المزخرف والحفاظ على شكلها المائل.
وتعتبر عملية إعادة بناء المئذنة عملية يشوبها التعقيد منذ البداية، إلا أنّ إعادة بناء المئذنة على نحو مائل كما كانت باستخدام معدات تقليدية يمثل تحدياً هندسياً.
تنطوي عملية إعادة الإعمار على جملة من العمليات الهندسية المتخصصة التي تضم تأمين الأساسات وتدعيمها بصورة دائمة حيث ستُشكّل الأساس الذي سيستند إليه البناء الأسطواني فيما بعد.
After 3 years of intense preparatory work to demine, secure and clear the sites, @UNESCO, in partnership with the #UAE🇦🇪, starts the reconstruction of Al-Hadba minaret, Al-Saa’a & Al-Tahera churches in #Mosul this week.
📰 https://t.co/eBugB8VTiy #ReviveTheSpiritOfMosul pic.twitter.com/TUgbnc6lyp
— UNESCO 🏛️ #Education #Sciences #Culture 🇺🇳 (@UNESCO) March 25, 2022
ولعلّ أصعب مرحلة خلال عملية البناء ستكون إنشاء نظام أساسات جديد من شأنه ربط أساسات المئذنة بالتربة الثابتة والصلبة، وعندئذ فقط يمكن إعادة بناء العمود الأسطواني للمئذنة من خلال المحاولة قدر الإمكان استخدام الطوب الأصلي الذي تسنى لنا استعادته والبالغ عدده 44 ألف طوبة، وبمعدّل ميلان يبلغ 1.60 متراً. ونظراً إلى استخدام الطوب في إعادة بناء المئذنة، سيتعذّر الحفاظ على معدل الميلان الأصلي الذي وصل إلى 2.5 متراً.
تُجسّد النتيجة مشروعاً فنياً متطوراً يعتمد على أحدث الممارسات الهندسية الكفيلة بضمان ثبات المئذنة مع ضمان توافق المواد مع آليات البناء.
كنيسة الساعة
أوفِدت البعثة الباباوية الأولى إلى بلاد الرافدين في العام 1870، وأنشأت دير “سيدة الساعة” في الموصل، والمعروف أيضاً باسم “كنيسة اللاتين”. يكتسي هذا الدير منذ اليوم الأول لتأسيسه أهمية ثلاثية الأبعاد: دينية وثقافية واجتماعية. وتكبّدت مباني الدير الضرر إبّان احتلال تنظيم “داعش” للمدينة، إذ قام بنهب الدير والعبث بممتلكاته.
وقد خضع التصميم الخاص بموقع المشروع إلى العديد من المشاورات الثنائية بالتعاون مع رعية الدومينيكان ومع السلطات العراقية المعنية. إذ أتاحت هذه المشاورات المستفيضة والمسهبة مع الخبراء والجهات المعنية المحلية مراعاة توافق التصاميم مع توقعات السكان المحليين وإرضائها، وتوليد إحساس بالملكية المحلية.
بنى المسيحيون والمسلمون دير كنيسة الساعة يداً بيد. وبات في العقود الأخيرة مكان عبادة يقصده المؤمنون من كلا الديانتين. تُجسّد مدينة الموصل تركيبة متنوّعة تضم طيفاً من الألوان المختلفة التي تتداخل فيما بينها لتشكيل تصميم عنوانه الاتساق. لكن الحرب خرقت هذا الرابط الذي نسعى اليوم إلى نسجه من جديد.
الأب أوليفيه بوكليون،
ممثل الآباء الدومنيكان لإعمار كنيسة الساعة
كنيسة الطاهرة
شُيّدت كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في عام 1859، ورُمّمت بعد مرور100 عام على بنائها. وتمتاز بتعدد مذابحها، فضلاً عن وجود طابق متوسط في الجانب الغربي للكنيسة. وتبلغ مساحة الكنيسة تقريباً 650 متراً مربعاً.
وتكبّدت الكنيسة أضراراً جسيمة في عام 2017. ويشوب التعقيد عملية إعادة إعمارها لأن سقفها قد انهار، ولحق الدمار بأجزاء كبيرة من أروقتها ومن جدرانها الخارجية.
صُمّم مشروع كنيسة الطاهرة على غرار مشروع كنيسة الساعة، إذ يتماشى مع توقعات المجتمع المحليّ، والبُعدين الثقافي والديني للموقع والترابط بينهما. وقد أُنجز تصميم الكنيسة المفصل بالكامل، وسيجري إعادة إعمار الموقع لإعادته إلى سابق عهده بالشكل الذي كان عليه، وقد وقع الاختيار على أحد المقاولين العراقيين لتنفيذ المشروع.
وتندرج هذه المشاريع في عِداد الجهود المبذولة ضمن مبادرة “إحياء روح الموصل” الرائدة التي استهلتها اليونسكو في عام 2018، وذلك بعد مضي أقل من عام على الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدينة التي تكتنز تاريخاً يعود إلى 2500 عام. وبدعم من 31 بلداً، وبالتعاون الوطيد مع الحكومة العراقية وشعبها، تعتبر هذه التعبئة الدولية فريدة من نوعها وأحد أكثر مشاريع إعادة الترميم طموحاً منذ عقود. ومن المقرر أن تبدأ اليونسكو بإعادة بناء جامع النوري الشهير، والمئذنة الحدباء، وكنيستي الساعة والطاهرة، و124 منزلاً تراثياً، وجامع الآغوات، فضلاً عن مدرسة الإخلاص في مدينة الموصل القديمة. وأوجدت المبادرة 3100 وظيفة محليّة.
في إطار مبادرة اليونسكو الرائدة “إحياء روح الموصل” التي تهدف إلى إحياء روح التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي، من خلال التراث والحياة الثقافية والتعليم، أقامت دولة الإمارات العربية المتحدة شراكة مع اليونسكو واستثمرت 50.4 مليون دولار أمريكي لترميم وإعمار المعالم التاريخية في الموصل، على غرار جامع النوري والمئذنة الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة. وتعمل اليونسكو بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة وبالتنسيق مع حكومة العراق والشركاء المحليين والخبراء الدوليين.