العين على النفط العراقي وما يمكن للبلاد أن توفّره لمشروع الحزام والطريق
بعد مرور أكثر من عامين لا يزال العراقيّون غير متفقين على تسمية ما حصل وتلا الـ23 من سبتمبر في العام 2019، ففي ذلك اليوم زار رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي على رأس وفد عراقي ضمّ عشرات الخبراء والمحافظين والوزراء ورجال الأعمال من مختلف المجالات والإختصاصات الصين، وقام حينها بإبرام مذكرات تفاهم واتفاقيات وقعتها الحكومتان الصينية والعراقية في بكين ممهّدة لمرحلة إقتصاديّة جديدة في إعمار البنى التحتيّة للعراق ضمن برنامج سمّي بالنفط مقابل الإعمار أو الأصح مال النفط مقابل الإعمار، إذ يعدّ العراق أحد أهم مصادر تزويد النفط الخام إلى جمهوريّة الصين الشعبيّة وبواقع تصدير بين 75 ألف إلى مليون برميل نفط يومياً.
ولكن فلنضع جانباً الإيجابيات التي قد ترشح عن هذه الاتفاقية العراقية – الصينية كما هي مسماة في الشارع العراقي، لماذا ثمّة جانب سري من تلك الاتفاقية بحسب ما أعلن السفير الصيني في العراق تشنغ تو عام 2020؟.
يتحدث د. قيس ناصر الأستاذ في جامعة البصرة عن سرية تلك الإتفاقية وغموضها مؤكداً أن “الاستفهام حول الإتفاق العراقي – الصيني ليس وليد اللحظة، فهذا الاستفهام بدأ منذ العام 2019، تحديداً منذ 20 ديسمبر 2020 بحيث طلب أعضاء مجلس النواب في حينها استضافة السفير الصيني في بغداد لشرح الاتفاق، وهل هي اتفاق أم اتفاقية؟ فهناك غموض ومع ذلك فهو لم يأت”.
إن سريّة هذه الإتفاقية وعدم فهمها من قبل الغالبية الساحقة من السياسيّين والاقتصاديّين والمواطنين دفعنا إلى البحث عما يسمّى بدبلوماسية فخ الديون، وفي بحث بسيط على محرّك غوغل وجدنا أن موسوعة wikepedia تعرّفها على أنها مصطلح يستخدم حصراً كانتقادات للسياسة الخارجية للحكومة الصينية. ويزعم هذا النقد أن الصين تعمد إلى تأمين ائتمان مفرط إلى بلد مدين آخر بنيّة مزعومة لاستخراج تنازلات إقتصادية أو سياسية من الدول المدينة عندما تصبح غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون وغالباً ما لا يتم الإعلان عن شروط القيود. وثمّة العديد من الدول التي وقعت ضحية هذا الفخ بعدما فشلت في تسديد ديونها للصين كان أبرزها:
- سريلانكا: فبعد انتهاء الحرب الأهلية بعد العام 2009 في سريلانكا اقترضت البلاد من الصين لبناء الطرق والمطارات والبنى التحتية وكانت الشركات الصينية هي العاملة وعندما فشلت سريلانكا في تسديد ديونها، وقّعت في العام 2017 صفقة لاستحواذ شركة الموانئ الصينية الحكومية على 85% من ميناء Hambantota ولمدّة 99 عاماً وهو الميناء الاستراتيجي في طريق الحزام الصيني.
- باكستان: دين باكستان وصل إلى 62 مليار دولار، هي الأخرى كانت تعاني من فساد كبير ولم يكن أحد ليستثمر في مثل هكذا بلد فسلّمت ميناء Gwador الإستراتيجي في طريق الحزام الصيني للصين لمدة 40 عاماً على أن تستملك الشركة الصينية 85% من إجمالي إيراداته لمدة 99 عاماً.
- بنغلادش: دين بنغلادش وصل حتى 10 مليار دولار فوضعت الصين يدها على أكبر وأهم ميناء بحري فيها وهو مرفأ شيتاغونغ.
إلى سريلانكا، باكستان وبنغلادش وقعت دول أخرى ضحية فخ القروض الصينية ومنها أنغولا وإثيوبيا وزامبيا وجيبوتي، ولكن فلنكتف يهذا القدر من تعداد الدول الـ42 المديونة للصين ولنعد إلى العراق. هل إن خطوات تلك الدبلوماسية وشروطها تفرض الحظر من وقوع بلاد الرافدين في هذا الفخ؟.
موقع العراق الاستراتيجي
عام 2013 أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ المبادرة القديمة الجديدة وهي الحزام البري والطريق البحري الصيني عبر إنشاء شبكة واسعة من الطرق التجارية والممرات لكل السلع والنفط والغاز التي تربط الصين براً وبحراً بأكثر من 60 دولة. وعلى الرغم من عدم وجود العراق في الخرائط المتوفرة لمبادرة الحزام والطريق أو التي يُروّج لها، إلا أنه يقع ضمن الدول التشعبية للحزام الاقتصادي، فموقعه الجغرافي له أهميّة استراتيجية كبرى فهو ملتقى خطوط المواصلات العالميّة وجار لثلاث أطراف في المبادرة الصينية إيران، تركيا والسعودية، لذلك فإن العيون متّجهة نحو التئام المشروع الاستراتيجي الذي يمثله ميناء الفاو الكبير في شبه جزيرة الفاو جنوبي محافظة البصرة، فربطه بطريق الحرير سيوفّر أقصر الطرق لنقل البضائع والمواد النفطية والغاز عبر العالم بأقل كلفة ووقت.
وفي الطريق إلى هذا الهدف باتت بكين أكبر شريك تجاري لبغداد بينما يُعدّ العراق ثاني أكبر مصدر للنفط بالنسبة إلى الصين وهي أكبر شريك تجاري له. لذلك من الضروري التوقف سريعاً عند العلاقات الاقتصادية بين البلدين لفهم كيف تعمل الصين لتحضير قبولها في العراق.
إذا كانت بنود الإتفاقية العراقية – الصينية ومشاريعها لا تزال حتى الساعة حبراً على ورق ووعوداً مستقبلية فماذا عن السلع الصينية في الأسواق العراقية الشعبية منها وأيضاً التجارية؟ ماذا عن التجارة بين البلدين خصوصاً وأنه يكاد يكون من المستحيل التجوّل في الأسواق العراقية من دون قراءة صنع في الصين على غالبية السلع.
تعليقاً على ذلك يعتبر النائب الأول لاتحاد رجال الأعمال العراقيين في البصرة عبد الصاحب صالح أن “العراق يعتمد الآن بصورة كليّة على الصين حتى أن العراق يشكل 14% من قيمة الصادرات الصينية للبلدان العربية. استحوذ العراق على 14% في العام 2021 إذ بلغ حجم التبادل بيننا وبين الصين 31 مليار، طبعا إن هذا المبلغ كبير يبلغ 8 و9 بالعشرة مليار تقريباً، الـ9 مليار هي قضايا نفطية وقضايا كيميائيّة هذا يدعونا إلى القول إن الصين غزت الأسواق العراقية بشكل أو بآخر، ثمّة إيجابيات من ذلك وسلبيات أيضاً. أنا لديّ قضية واحدة على الصين هي قضيّة الإغراق، فهي تأتي بسلع لا تضاهي أي سعر آخر، مثلا معامل الخياطة، معامل القطع الصغيرة للسيارات هي تأتي بأسعار منافسة حتى للعراقيين يعني إذا أنتجها العراقي وكلّفته دولارين تنتجها الصين وتوصلها إلى هنا بدولار واحد. علينا أن نغيّر سياستنا، سياسة الإغراق، وأن نسن قانون لحماية المستهلك أو أن نسلك طريقاً آخر وهو طريق أكبر بأن ننضم الى منظمة التجارة العالميّة”.
“النفط قذارة الشيطان”
في ستينات القرن الماضي قال وزير النفط الفنزويلي خوان بابلو ألفونسو إنه بعد 20 سنة من الآن سترون أن النفط سيجلب لنا الخراب، إنه قذارة الشيطان وإن كنا الآن لسنا بمعرض الحديث عن فنزويلا، ولكن لا بدّ من الذكر أن فنزويلا رهنت جزءاً من نفطها إلى البنك الصيني ووضعته هناك، ومتى تعثرت عن الدفع يحق للجانب الصيني أن يسحب المبالغ مباشرة، وقد تعثرت فنزولا فعلاُ. هذا الشيطان نفسه هل يكمن في تفاصيل الاتفاقية العراقية – الصينية ومن خلفها موارد العراق ونفطه؟.
بعد عرض أهمية العراق الجغرافية والتجارية بالنسبة إلى الصين، يزعم منتقدو هذه الدبلوماسية أن الصين تعمد إلى تأمين إئتمان مفرط إلى بلد مدين عبر البنك الصيني للإستثمار في البنى التحتية الذي أنشئ في أكتوبر عام 2014 في بكين وأصبحت تضم في شباط 2022، 105 دولة وقد أعلن بنك الإستثمار الآسيوي من خلال موقعه الرسمي عام 2021 عن ترحيبه بانضمام العراق وهنا بات السؤال ملحاً، كيف سيدفع العراق مقابل مشاريع الإتفاقية العراقية – الصينية؟ وما هي قيمة الفوائد على القروض في هذه الإتفاقية، وما هي نوعيّتها وهل هي طويلة أم قصيرة الأجل وما هي فترة السماح؟ ماذا لو لم يستطع العراق التسديد لسبب أو لآخر؟.
وجهت “أخبار الآن” رسالة إلكترونيّة للسفارة الصينية في العراق محاولة الحصول على إجابات عن كل تلك الإستفسارات التي لا أجوبة عليها، فلم نلق جواباً كما كان متوقعاً على الرغم من مرور أسابيع على إرسال الطلب، لذلك سنحاول فك لغز بعض جوانب تلك الإتفاقية بطرق أخرى.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي إن “النصّ الأصلي بالنسبة للإتفاقية الصينية – العراقية لم يظهر وهذه مشكلة بالنسبة للعراق لأن الاتفاقيات وحتى العقود لا تظهر. وطبعاً الخوف هنا مبرر لأنه من الخطأ القول بأن النفط مقابل الإعمار فالإتفاق يجب أن يقوم على قاعدة المال مقابل الإعمار والمال المدفوع مسبقاً أيضا، لأنه بحسب الحسابات المدرجة في هذه الاتفاقية ثمّة حسابات أربعة: الحساب الأول هو أن العراق يسدد ما قيمته 100 ألف برميل يومياً ويضعها في حساب لدى بنك الاستثمار الصيني، وممكن لهذا الرقم في المستقبل أن يرتفع إلى 300 ألف برميل يوميا. العراق لا يسلّم براميل بل يسلم مال، ولا يسلم مال خارج حصة أوبك بمعنى أن 100 ألف برميل يومياً تدخل ضمن حصة العراق الإنتاجية. الحساب الثاني الخطر أيضاً هو أنه على العراق أن يودع ما قيمته 150% في صندوق تحوّط صيني أي 150% من أقساط خدمة الدين لمدة ستة أشهر. الحساب الثالث يخص القروض الصينية، السقف الأعلى للائتمانات الصينية هو 10 مليار دولار، وفي كل ائتمان ممكن أن تدفع مليار و800 مليون دولار لكن العراق يجب أن يدفع 15% من هذا الحساب، أكثر من 15% من 10 مليارات يعني العراق يدفع مليار ونصف، والمتبقي يدفعه الصينيون بقرض بسعر فائدة تنافسي أي بحسب سعر الفائدة السائد في السوق العالمي. الحساب الرابع هو حساب استثماري يودع فيه العراق أي مبالغ إضافية ممكن أن تشكل تمويلاً لمشاريع استثمارية جديدة في العراق. التخوّف هو من حجم الاقتراض العراقي من الصين، ونحن لنا تجربة مريرة مع مسألة الدين الخارجي لأنه في اتفاقية باريس عام 2004 جرى إطفاء 80% من ديون العراق السابقة بموجب اتفاقيات معقدة مع نادي باريس، وبدأت الديون بالانخفاض. هذا الاتفاق لو نُفذ ممكن أن يضع العراق مرّة أخرى، خصوصاً في أوقات هبوط أسعار النفط، في دائرة مخاطر الدين الخارجي وربما بأسعار فائدة مرتفعة. العراق يدفع اليوم فقط فوائد للدين الخارجي بحدود 920 مليون دولار سنويا”.
وفي حال انتهاء المشروع ومطالبة الصين للعراق بالدفع فإن الدفعات ستكون بحسب الإنجاز بحسب ما أوضح وزير النقل العراقي السابق سلام المالكي “فتغطية الأمور المالية بالنسبة للمشاريع التي تنفذها الشركات الصينيّة بالاتفاق مع الحكومة العراقيّة من خلال نسب الإنجاز، كلما تمّ إنجاز نسبة معيّنة تقوم الحكومة العراقيّة من خلال الصندوق المتفق عليه بين الطرفين بتسديد جزء من التزامات الشركات الصينيّة”.
ولكن إذا عجزت العراق عن دفع القروض فإن ذلك سيشكل بحسب الخبير الاقتصادي أحمد صدام “مأزق كبير، فسوف يبقى العراق مطالباً وسوف يقع في فخ الديون كما يسمى في الاقتصاد، وسوف يدفع الديون وفوائد الديون وهذا بحد ذاته له أثر سلبي كبير ليس فقط في مجال دفع هذه القروض ومبالغها، وإنما حتى على سمعة العراق الاقتصادية أمام الشركات الأخرى. ليس هناك من معلومات محددة، ولكن ما هو مطروح إعلاميا في الموقع الرسمي لهذا البنك أنه يقول إن الفوائد سوف تكون ميسّرة في سبيل مساعدة الدول النامية وهذا جانب إعلامي، ولكن ما يهمنا هو النسبة المحددة أو الفوائد المحددة لهذه القروض، هل تختلف مثلا من دولة إلى أخرى؟ هل تختلف مثلا بحسب حجم القرض؟ هذا الأمر لم يحدّث حتى الآن وهو غير واضح”.
ثمّة أيضاً مسألة حصر تنفيذ المشاريع بالشركات الصينية فهذا أمر غير مجدي اقتصاديا لأنه يشكل نوعاً من العبث الاقتصادي
نبيل المرسومي
الخبير الاقتصادي
بدوره يوضح المرسومي أنه “عندما نتكلم عن أسعار فائدة تنافسية فهذا يعني أسعار فائدة عالمية معناها في حدود 4% إلى 5% وهو سعر فائدة مرتفع”. أما إذا كان من الممكن ان ترتفع أكثر قال: “يتوقف ذلك على الاتفاق، وهنا مسألة عدم الشفافية في الموضوع هي أيضا من الأمور غير المحبذة في الاتفاقية إذ لا سلطة للعراق في تدقيق هذه العقود، فديوان الرقابة المالية غير مخوّل مثلاً بتدقيق وتنفيذ المشاريع الصينية وثمّة أيضاً مسألة حصر تنفيذ المشاريع بالشركات الصينية فهذا أمر غير مجدي إقتصاديا لأنه يشكل نوعاً من العبث الاقتصادي فالـ 1000 مدرسة التي سيتم تنفيذها في العراق تبلغ قيمتها مليار و700 مليون دولار بحسب الحسابات التقليدية وهذا رقم مرتفع، ومن ثمّ أتصوّر أنه ما دام العراق يتجه نحو الاقتصاد الخاص أو اقتصاد السوق كان ينبغي تشجيع القطاع الخاص العراقي فهل ستقوم الصين مثلا بتنفيذ المدارس بشكل مباشر أم أنها ستحيلها إلى شركات عراقية ثانوية؟ إن هذا ما يؤدي إلى زيادة الكلفة”.
وأضاف “ثمّة احتمالات بأن يتمّ الربط بين هذه الاتفاقية وميناء الفاو، وما دامت الاتفاقية غير معلنة ستبقى الهواجس قائمة، فمن المؤكد أنه عندما تمنح الصين قرضاً فهي تحتاج إلى ضمانات وطبعاً تضع شروطا. فعندما يعجز العراق عن تسديد مثلا مبلغ القرض في الموعد الفلاني كيف سيكون شكل الجزاءات؟ هل سيتنازل مثلا عن حقول معينة أو عن جزء من الموانئ؟ أم ستجري إعادة جدولة الديون؟ هذا موضوع حساس جداً ومهم وعلى العراقيين أن يعرفوا أن موضوع الاتفاقية يفرض الوضع المستقبلي خلال الـ20 سنة المقبلة وبالتالي رهن المستقبل الاقتصادي باتفاقية أو باتفاق غامض ليس في صالح الاقتصاد العراقي”.
ميناء الفاو
عام 2010 أعلنت الحكومة العراقية عن مشروع ميناء الفاو، الحلم القديم المتجدد لتبدأ مرحلة العمل والتوقف التي لم تنته بسبب العديد من العقبات التي انتهت جزئياً باستبعاد الشركات الصينية من بناء مرحلة العمل والتوقف التي لم تنته بسبب العديد من العقبات التي انتهت جزئياً باستبعاد الشركات الصينية من بناء المرحلة الأولى من ميناء الفاو واستبدالها بعقد بقيمة 2,6 مليار دولار مع شركة دايو الكورية للهندسة والبناء المقبلة على الإفلاس حسبما جاء في الـEconomist.
ولكننا لن ندخل في الصراعات التي نشأت على بناء ميناء الفاو بين الشركة الكورية التي تعتبر واجهة للولايات المتحدة الأميركيةّ وبين الصين، فالتركيز هو على الهدف النهائي، كما يتخوّف البعض من هذه الإتفاقية لما يمكن أن تتيحه للصين من سيطرة كاملة أو شبه كاملة على هذا الميناء الحيوي والأساسي بالنسبة إلى طريق الحرير الصيني كما فعلت في عدد من الدول المديونة لها.
يؤكد المتحدث باسم شركة الموانئ العراقية أنمار الصافي أن “العراق مهم بالنسبة للصين، فهي ترضى بالعراق بأي حال من الأحوال سواء في ميناء الفاو أو غيره لأن العراق يفيدها كثيراً في مشروعها، فميناؤنا استراتيجي ومهمّ ومحوري، وأرضنا استراتيجية ومهمة ومحورية هم يختارون ذلك ولا يختارون الإستيلاء على الميناء، هم يستطيعون إنزال البضائع القادمة من الصين في هذا الميناء فيما يقدم الميناء خدماته لهم”.
بدوره يشير صالح إلى أن “ثمّة تخوفات من أن تضع الصين لنا ألغاماً في تلك القضية فتسيطر على الميناء ويخرج العراق من ذلك مطالبا، نحن لا نريد أن نضع كلّ بيضنا في سلة واحدة بل نوزعها إذ من الممكن أن تسيطر الصين على سوقنا وعلى بلدنا. أنا متخوّف من السياسيين الفاسدين ومن الموظف الفاسد، لكننا لا نجعل من تلك التخوفات علامة فارقة، بدل ذلك فلنضع للسلبيات 20% ونترك 80% للإيمان بأبناء بلدنا”.
نحن نحمي العراق من خلال إصرارنا على أن تكون الأموال سيادية وعراقية
أنمار الصافي
المتحدث باسم شركة الموانئ العراقية
أما الصافي فيعيد سيطرة الصين على موانئ الدول الأخرى إلى أن الأخيرة تخلّفت عن دفع القروض لكن هذا لا يعني أن العراق سيمرّ بنفس التجارب الفاشلة “فنحن نحمي العراق من خلال إصرارنا على أن تكون الأموال سيادية وعراقية، فهذا واحد من الأسباب المهمّة لأن تكون الميناء عراقيّة 100% فإن ذلك يحجّم جهود الآخرين الذين يريدون الاستيلاء على الميناء لذلك أعتقد أنها فكرة رائدة أن يبني العراق واحد من المشاريع الاستراتيجيّة المهمة بماله”.
وإذا كان العراق حتى الساعة قادراً على تمويل إنشاء ميناء الفاو، فعلى ماذا تقع عين الحزب الشيوعي الصيني؟.
يجيب المرسومي “العين هي على النفط لأن مركز ثقل الطاقة في العالم هو العراق فلماذا نقول إن العراق أرض بكر؟ لأن معظم الأراضي العراقية غير مستكشفة بعد. لدينا توقعات بأن 100 مليار برميل أي أكثر من ثلثي احتياطي النفط العراقي غير مستكشفة في الصحراء الغربية، وبالتالي مركز ثقل الطاقة والنفط والغاز هو في العراق. وإذا كانت هناك عيون صينية على العراق فسوف تكون حتماً على النفط وليس على ميناء الفاو لأن هناك بدائل للصين بالنسبة لميناء الفاو لكن لا بديل محوري ومهم لها بالنسبة للطاقة سوى العراق. وقد حصلت الصين مثلاً على عقد المنصورية الغازي، وعلى أربع حقول مهمة في جولة التراخيص الخامسة في حقل السندباد وحقل نفط خانة وغيرها فعيون الصين هي على النفط”.
ويقول صدام إنه “إذا حصل في العراق ما حصل في فنزويلا بأن تكون حصة من النفط مرهونة، فإن ذلك سوف يشّكل مشكلة اقتصادية كبيرة بحكم الاعتماد الكبير على إيرادات القطاع النفطي، وسوف يشكل مصدر عجز للموازنة العامة للدولة المعتمدة أساساً على النفط، وبالتالي سوف يكون هناك عجز حقيقي قائم على أرض الواقع حتى وإن ارتفعت أسعار النفط، كون حصة كبيرة من الإيرادات النفطية سوف تذهب لسداد هذه القروض، مع الاخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد تنويع داخل الاقتصاد العراقي، وبالتالي لا توجد مصادر إيرادات أخرى”.
مراقبة التنفيذ
بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 واحتلاله تحوّلت بلاد الرافدين إلى مسرح إقليمي ودولي سرعان ما استشرى فيه الفساد السياسي وتالياً الاقتصادي ونهشت المحسوبيات مقدّرات أكبر الدول المصدّرة للنفط حتى وصل الحد إلى ان احتل العراق في العام 2021 المرتبة 157 من أصل 195 بلد في العالم في مؤشر مكافحة الفساد، لذلك لا بدّ من السؤال عمن سيراقب مشاريع تلك الاتفاقية وماليّتها؟.
يؤكد صدام “أن هناك خلل ومشكلة في السلطات الرقابية العراقية والدليل على ذلك هو السؤال التالي: لماذا في العراق الآن ما يقارب من 18 ألف مشروع حكومي متوقف عن العمل؟ لو كانت هناك رقابة صارمة لما توقفت هذه المشاريع، وهذه المشاريع هي معظمها معامل ومصانع قائمة في الاقتصاد، أي مجموع 22 ألف معمل ومصنع، هناك 18 ألف معمل ومصنع وأكثر من ذلك بقليل متوقف عن العمل”.
بدوره يقول المالكي “مررنا بفترات احتلال في المنطقة من قبل الدولة العثمانية والاحتلال الألماني والإنجليزي والفرنسي وكان آخرها الإحتلال الأميركي، والحقيقة أن دول المنطقة لم تجن أي شيء من هذه الدول إلا التخلف والجهل والخراب والدمار والتراجع، فلذلك نجرّب اليوم احتلالاً اقتصادياً جديداً”.
مهما كان الموقف من الصين أو من الإتفاقية العراقية – الصينية، ومهما كان الإطلاع معمقاً على تفاصيلها وبنودها، أمام كل تلك المؤشرات وأمام كل هذا الغموض الذي يكتنف الإتفاقية والسرية المفروضة حولها فلا بدّ من تحذير العراق من الوقوع في فخ المؤامرة المحاكة.