المغرب: الحزام الأخضر بالصويرة وأهميته البيئية وسط الأزمات المناخية
- يعد مشروع الحزام الأخضر من مشاريع التنمية المستدامة الرامية للتوفيق بين التنمية الحضرية للمدينة وحماية البيئة.
- شهدت مدينة الصويرة تزايداً مضطرداً في تعداد السكان خلال العشرين سنة الأخيرة.
- أمام تزايد المطالب الاجتماعية الداعية للحق في السكن، يرى الكثيرون أن الحزام الأخضر حائلاً أمام تخفيف ضغط المطالب الاجتماعية.
يعد الحزام الأخضر المجاور لمدينة الصويرة في المغرب، واحداً من ثلاث مناطق رطبة فقط في جهة مراكش آسفي، ويحظى بمكانة بيئية هامة، حيث أنه يضم تنوعاً بيئياً وإيكولوجياً كبيراً، ما أهله لدخول قائمة رامسار كأرض رطبة ذات أهمية دولية. ويمتد هذا المشروع على مساحة غابوية عامة تقع شرق مدينة الصويرة، وتمتد على طول تقريبي يبلغ 3859 متراً وبعمق يبلغ 100 متر، ومساحة إجمالية تقارب 39 هكتاراً، ويشكل بيئة حاضنة لبعض الكائنات الحية، خصوصاً الطيور المائية المهاجرة، بحيث يعتبر محطة عبور أساسية لهذه الكائنات في بعض الأحيان ومحطة عيش وتكاثر في أحيان أخرى.
وقد عرف الحزام الغابوي المجاور لمدينة الصويرة مرحلة مفصلية أعقبت مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، المنعقد بريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992، حيث تم تنزيل مشروع الحزام الأخضر بمدينة الصويرة، والذي يعد أحد مخرجات برنامج جدول أعمال القرن 21، المندرج ضمن توصيات المؤتمر.
تشير الدكتورة والخبيرة البيئية فاطمة الزهراء برعيش، إلى أن “حاجة المدن حاجة إلى غابات وأشجار، وهي حاجة حيوية لضمان ظروف حياة صحية وجيدة”. وتقول في هذا السياق، “إن التدخل العنيف في حق الغابات الحضرية يتسبب في أضرار بيئية تقود في النهاية إلى مشاكل كبيرة، من بينها ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وتلوث الهواء”. ولا تخفي الخبيرة البيئية مخاوفها من الخطر الذي يشكله تدهور الغطاء النباتي على المستوى المعيشي للمجتمعات والكرة الأرضية، ذلك أنه يؤدي إلى “زيادة انبعاث الغازات الدفيئة، وتدهور التربة وجودة المياه، وبالتالي زيادة حدة آثار الأزمة المناخي، مما يهدد استمرار التواجد البشري” بحسب قولها.
ويعد مشروع الحزام الأخضر من مشاريع التنمية المستدامة الرامية للتوفيق بين التنمية الحضرية للمدينة وحماية البيئة، عبر الحد من توسع المدينة على الجانب الشرقي. ويتميز هذا المجال الغابوي بتواجد هام لشجرة العرعار الأحمر، وهي من أكثر الأنواع مقاومة للجفاف، إضافة لكونها تستطيع النمو فوق الكثبان الرملية، ومقاومة زحف الرمال، الشيء الذي يفسر انتشارها بالشريط الساحلي مستفيدة من الرطوبة النسبية العالية. بالإضافة إلى ذلك، الدور المهم الذي يلعبه الغطاء النباتي الغابوي في تحقيق التوازن البيئي بمدينة الصويرة، بالعمل على تثبيت التربة والكثبان الرملية، والحفاظ على المراعي من التعرية، ولعب دور الحاجز أمام هبوب الرياح القوية، كما يؤدي مجموعة واسعة من الوظائف الحيوية مثل تخزين الكربون والتخلص من ملوثات الهواء.
كانت مدينة الصويرة، في بداية القرن 20، تعاني من تهديد زحف الكثبان الرملية على حساب أجزاء هامة من المدينة الساحلية، بحيث أضحى خطر اختفاءها داهماً، الشيء الذي دفع الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى تعيين تشارلز واتييه، وهو مهندس مياه وغابات، على رأس مشروع ضخم من أجل تثبيت الكثبان الرملية وإيقاف زحفها. وشملت أعمال التطوير تركيب طوق ساحلي، مع بناء كثبان اصطناعية لكسر قوة الرياح وإيقاف الرمال، بالإضافة إلى زرع أعداد ضخمة من النباتات والشجيرات (العرعر، الأرز، الأكاسيا…)، ذلك للحد من حركة الكثبان الرملية، ما سيسمى لاحقاً الحزام الأخضر.
بدأت أعمال إصلاح مساحات الكثبان الرملية هذه في عام 1918 واستمرت حتى عامي 1950 و1960. ولا تزال نتيجة هذه العملية المذهلة مرئية اليوم، والحزام الأخضر في الصويرة هو نموذج حقيقي للعديد من البلدان التي تكافح ضد مشكل زحف الرمال.
وشهدت مدينة الصويرة تزايداً مضطرداً في تعداد السكان خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث انتقلت من 74 ألف نسمة سنة 1994 إلى أكثر من 124 ألف نسمة سنة 2014، حسب آخر إحصاء للمندوبية السامية للإحصاء، ولا شك من أن العدد في ازدياد مستمر، في مقابل ذلك يظل الحزام الأخضر المنفذ البري الوحيد لتوسع المدينة، نظراً لموقعها الجغرافي الساحلي، الشيء الذي يطرح وبإلحاح إشكالية التمدد العمراني على حساب المناطق الرطبة والتنوع الإحيائي.
الخبير البيئي ورئيس جمعية موكادور الخضراء للبيئة والتنمية المستدامة، هشام أكورض، يذكر كيف أن أحياء “الرونق” و”المستقبل” و”تافوكت” أنشأت على حساب مساحات هامة من الغابات التي كانت تجاور المدينة، وذلك نتيجة للتزايد الديموغرافي الذي خلف طلباً متزايداً للسكن، استلزم معها استحداث تجزئات سكنية لاستيعاب هذا النمو الديموغرافي. وفي ظل استمرار هذا التزايد السكاني الذي يزيد من حاجة الأفراد إلى السكن، ويزيد معه خطر التوسع العمراني على حساب الغابة بمكوناتها الحيوانية والنباتية، وهو ما يهدد هذه الثروة الغابوية بشكل مباشر يستلزم معه إيجاد حلول ذات بعد بيئي تحفظ للمكان قيمته البيئية والإيكولوجية وللأفراد حقهم في السكن.
قرب التجزئات السكنية من الحزام الأخضر، جعل الأخير عرضة لظواهر اجتماعية عديدة نتيجة التدخل العنيف للإنسان في حق الطبيعة، من قبيل تخريب الحاجز الحديدي الذي يفصل بين الغابة والمنازل، إضافة إلى رمي النفايات بشكل حوّل الحزام إلى نقطة سوداء، أضحت تؤرق الساكنة المجاورة، وتؤثر بشكل سلبي على الأطفال والكبار، بحيث جعلت البعض من الساكنة، ينادون بضرورة إعادة تأهيلها أو إيجاد حل جذري، الأمر الذي دفع بالبعض إلى حد المطالبة بتحويل الغابة إلى مساحات سكنية، لاحتواء أزمة السكن التي تعيشها المدينة وإنهاء هذه المعاناة.
بين الحق في البيئة والحق في السكن
عرفت مدينة الصويرة خلال السنوات الأخيرة أزمة سكن تشتد حدتها أكثر فأكثر، حيث أن موقع المدينة الجغرافي الذي يحده من جهة المحيط الأطلسي ومن جهة أخرى الحزام الغابوي، يجعلها مجبرة على إيجاد حلول للحاجة المتزايدة لسكن لائق يستوعب النمو الديموغرافي، الذي خلّف أزمة اجتماعية تجاوزت السكن إلى المضاربات العقارية، والارتفاع في أسعار المحلات التجارية، ومعها ارتفاع المستوى المعيشي أمام قلة الفرص ومحدوديتها. وفي هذا السياق، تذكر لنا حياة، وهي أرملة تبلغ من العمر 42 عاماً، بأنها تعاني جداً لتأمين مسكن قار لأبنائها الإثنين، وهو ما جعلها مضطرة لتغيير محل سكناها بين شقق عديدة خلال فترة خمس سنوات، حيث يميل أصحاب الشقق إلى كراءها لفترات قصيرة تفادياً للمنازعات العقارية التي تنتج عن طول مدة الاستغلال، وتضيف حياة أن هذا المعطى جعل حلمها في الحياة امتلاك مسكن قار.
وإذا كان الحق في السكن اللائق يمثل عنصراً من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب، وتم التنصيص عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 والمادة 11.1، من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، ففي المقابل لا تزال المدينة تنتظر مخطط التهيئة الحضرية الذي يراهن عليه لإيجاد حلول جدية ومسؤولة، تراعي الآثار الاجتماعية الناتجة عن أزمة السكن.
وأمام تزايد المطالب الاجتماعية الداعية للحق في السكن، يظل الحق في بيئة صحية، في نظر الكثيرين، ترفاً فكرياً، الذين يرون في الحزام الغابوي حائلاً أمام تخفيف ضغط المطالب الاجتماعية، الداعية لإيجاد سكن لائق، وهو الشيء الذي يدفع بالبعض للهجرة صوب مدن أخرى، يمكن أن توفر ما لم تسمح به جغرافية مدينة الصويرة.
المناطق الرطبة ضحايا التمدد العمراني
يضم المغرب مناطق رطبة تتميز بتنوعها ومساحاتها الشاسعة، وبحسب إحصائيات الجرد الوطني المتعلق بالمناطق الرطب|، هناك حوالي 300 موقع (من بينها أرخبيل وكثبان الصويرة)، تمتد على مساحة تقدر ب 400 ألف هكتار، أي ما يعادل 0.6 بالمائة من الأراضي الوطنية. وعلى الرغم من أن مدن مغربية عديدة، منها الصويرة، وجدت نفسها مجبرة على التوسع العمراني على حساب مساحات مهمة من الغابات، وذلك لاستيعاب التزايد السكاني، فإن هذا شكل سبباً مباشراً في تراجع مساحات الغابات الحضرية، وفقدان العديد المناطق الرطبة الحاضنة لتنوع إحيائي هام.
ويشكل التمدد العمراني التهديد المستمر للغطاء الغابوي، حيث يعيش بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، أكثر من نصف سكان العالم الآن في المدن. وبحلول العام 2050 سيصبح حوالي 70 في المئة من العالم حضرياً. ما يطرح وبإلحاح أهمية زيادة الوعي العالمي بضرورة الغابات الحضرية والمناطق الرطبة التي تظل في خطر داهم.
مبادرات مدنية … حلول مؤقتة
في ظل ما وقفنا عنده من مظاهر الإهمال التي تطال الحزام الأخضر والتحديات التي تداهمه، تقوم جمعيات المجتمع المدني المتخصصة في موضوع البيئة بتنظيم زيارات توعوية بمكونات هذا المجال البيئي الحيوي وأهميته الإيكولوجية. مونية الرازي، فاعلة مدنية في المجال البيئي، دأبت على المشاركة في مبادرات تطوعية لأجل التعريف بمكونات الحزام الأخضر والتوعية بأهمية المحافظة عليه، حدثتنا عن أهمية التواصل مع الساكنة المجاورة، وأصحاب المحلات التجارية، للحد من مظاهر تراكم القمامة بالحزام.
وتضيف الرازي أن التعامل مع هذا المجال البيئي الهام يجب أن يستحضر إشراك المواطنين والمواطنات، وخلق مسارات سياحية وترفيهية في عمق الحزام، الشيء الذي يمكن أن يحد من الممارسات العنيفة التي تضر بمؤهلاته الإيكولوجية، والتي تنتج عن تمثل الساكنة له، كمصدر للضرر خصوصاً لما يحتضن من مظاهر اجتماعية سلبية كتعاطي المخدرات وتلوث.
وأنهت الرازي حديثها بأن “تكاثف جهود الجهات المعنية وتنويع مستويات التدخل بين التوعية والتواصل وإعادة التهيئة، هو الحل الأقدر على تغيير نظرة الساكنة للحزام الأخضر، من عبئ اجتماعي، إلى منتزه ومتنفس للترويح والترفيه”.
وعلّ ما يشكل ملامح الأمل، هو انخراط المغرب في سياسة المحافظة والتنمية المستدامة للمناطق الرطبة، عن طريق تضمينها في المخطط المديري للمناطق المحمية، وتجهيزها بالآليات والأدوات اللازمة لتحقيق التدبير المستدام لهذه المناطق، والذي أعقب توقيع المغرب على الإتفاقيات البيئية الدولية ذات الصلة، خصوصاً التوقيع على اتفاقية (رامسار) سنة 1982، وتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية، ما يعكس انخراطاً في الوعي العالمي بهذه الإشكالية المناخية، والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في إيجاد حلول وبدائل تحفظ للإنسان حقوقه كما للبيئة والكائنات الحية.