الجزائر.. حكاية فتاة قاصر يلاحقها المغتصبون بوهران
- التقى مراسل عيش الآن ب”فاطمة”، حيث روت معاناتها وتجربتها القاسية في عمر صغير.
بعينين مرهقتين وبنظرة منكسرة كانت تقلّب وجوه المارة، مراهقة في سنتها الرابعة عشرة، تجلس على عتبة المبنى رقم 42 بشارع محمد خميستي الرئيسي بمدينة وهران غربي الجزائر، في حدود الساعة الثامنة صباحاً، تضغط على أصابعها بشدّة قبل أن تمد يدها إليك، ينقبض وجهها المليء بالتشوّهات، قبل أن تسألك “جيعانة بربّي 100″( بمعنى أحتاج 100 دينار جزائري )، تشرّدت منذ ثلاث سنوات، فسكنت الخرائب واغتصبت أكثر من مرة، «فاطمة» الطفلة التي تفترش الشارع كل ليلة ما زالت تذكر أنها كانت يوماً ما متفوقة في الدراسة.
قد تكون “فاطمة” الطفلة المشرّدة فقدت الحب والأمل، ولكنها لم تفقد بعد ابتسامتها. على الرغم من الألم وغياب أبواب تصدّ عنها مغتصبيها، ورغم الخوف والجوع وغياب الحماية والسند، مازالت «فاطمة» تبحث عن الحياة، وتحب الحياة، وقد تعلّمك حب الحياة.
فشفتاها رغم جفافهما لم تفقدا بعد ابتسامتهما، ضحكت وهي تسألنا “هل ستكتب عنّي في الجريدة؟ أنا أحب قراءة الحظ”
مازالت مشبعة بالطفولة، جميلة رغم التشويه الذي لحق بوجهها، ضربتا شفرة حلاقة على خدها الأيسر أثناء محاولة اغتصاب، وخدوش أخرى على خدّها الأيمن خلفتها معركة بين المشردات في إحدى الخرائب، تشويه لم يمح بعضاً من البراءة على وجهها.
الفقر و العوز أحد أسباب التشرد
رائحة العرق المتراكم تنبعث من جسدها الصغير، وشعرها الملبّد شدته إلى الخلف بقوة ليتستر عن ذكريات تحملها هذه الطفلة، وقد لا تمحي من رأسها المليء أحلاماً، مازالت تذكر تفوقها في المدرسة وأسماء أصدقائها، كما تذكر خصام والديها المتكرر، وهروب والدها من المنزل، وخروج أمها لغسل الملابس في المنازل ومسح الواجهات البلورية للمحال.
وتستحضر لحظة خروجها مكرهة من المدرسة وانقطاعها وهي في السنة الخامسة أساسي، لتتسول مع أمها، كما تتذكر انفصالهما لتنطلق مغامرتها وحيدة مع التشرد دون سند.
كانت في سن الحادية عشرة حين اغتصبها كهل في الأربعين من عمره في الحديقة العمومية بسيدي بلعباس ليلاً، لتتكرر هذه العملية مرات أخرى استمرت ثلاث سنوات على يد صعاليك الليل. مازالت تتذكر فاطمة كيف كانت المعلمة تثني عليها وتطلب من زملائها أن يصفّقوا لها، ذكريات كثيرة تطاردها وأحلام عديدة تملأ رأسها فتتشبث بالحياة بشراسة. كانت تروي تفاصيل تشردها وهي لا تكف عن الضغط على أصابعها، كما لا تكف عن الالتفات هنا وهناك، سترتها الكستنائية الطويلة وتنورتها الفضفاضة المهترئة لم تخف نحول جسدها، ولا حذاؤها القديم استطاع أن يخفي قدميها، فأطلت من شقوقه أظافرها وقدماها.
حنين للعودة إلى مقاعد الدراسة
تحلم فاطمة بالعودة إلى المدرسة مرة أخرى،إلى قسمها، ولكنها تخاف أن ينكرها أصدقاؤها. حلمت بأن تكبر وتصبح”طبيبة” كما قالت لها أمها ذات يوم، وتحلم فاطمة بأن يصبح لها منزل فيه فراش وطعام وماء، ولكنها ترفض أن ترى والديها. تحدثت دون أن تبكي، رغم ألمها العميق جداً، ابتسمت وهي تروي عذابها دون مأوى أو طعام، لم يتسرب أي ارتباك في حديثها ولكن فاحت منها رائحة كره دفين لوالديها، ختمت حديثها لتقول “جيعانة، أعطيني 100”.
*القانون الجزائري يمنع أخد الصور للقصر.