دفع الانهيار المالي بلبنان والأزمة إلى استخدام تقنيات إنتاج الملح القديمة الصديقة للبيئة
- العديد من الملاحات كانت موجودة في لبنان منذ قرون.
- تستغرق عملية تبخير الماء من الأحواض 20 يوما يظهر بعدها الملح.
ما زال منتج الملح اللبناني عماد مالك، وهو أحد منتجي الملح القلائل في شمال لبنان، يكافح حتى لا تنقرض هذه المهنة فقد ولد مالك ونشأ في بلدة أنفه الساحلية وترعرع في أحواض الملح حيث علمه والده السباحة وهو في الثانية من عمره.
وورث مالك، وهو مهندس كهرباء عمره الآن 27 عاما، كل الأمور المتعلقة بإنتاج الملح من عائلته.
وقال “هايدي المصلحة (إنتاج الملح) من زمان كانت تعيش أعيال (عائلات) وكان الإنتاج الوطني يعدي لبنان ويصدروه لبره، يعني بسنة 1970 و1980 كان عهد الملح يعني أوج إنتاجه، ومثل ما بيقولوا كان أغلى سعر بالسنين هاي. وبعدين في 1990 تقريبا بالتسعينات لسنة الألفين فتحوا الدولة الاستيراد قدام الملح المستورد وشالوا عنه الجمارك، فصار الملح المستورد واصل عند التجار بأنفه بأرخص من الإنتاج الوطني بأرضه”.
وأصبحت العديد من الملاحات التي كانت موجودة منذ قرون، ونشأت أجيال على كسب قوتها منها، مهجورة الآن وبالكاد تعمل كمنطقة جذب سياحي.
لكن بالنسبة للقلة المتبقية ممن يمارسون هذه التجارة القديمة، مثل مالك، فقد دفعهم الانهيار المالي بلبنان والأزمة المستمرة وارتفاع أسعار الوقود وانقطاع التيار الكهربائي إلى العودة لاستخدام تقنيات إنتاج الملح القديمة الصديقة للبيئة في أحواض الإنتاج.
وعن ذلك قال مالك “ثلاث أربع (أرباع) الملاحات هلأ بتشوفها مثل ما بيقولوا صارت مهجورة، ما بقي فيه غير طالع فيها الحشيش وما إنها شغالة. يعني بتشوف منظر ملاحات هون أو بعكار أو سلعاتا أو شكا أو أنفه، منظر ملاحات بس ما إنها شغالة”.
وأضاف “دولاب (طاحونة) الهواء هو له قصة يعني، هو والملاحات مثل ما بيقولوا جزء لا يتجزأ من الملاحة، كانوا يطلعوا مي (ماء) من البحر عبر دواليب البحر، يبرموا (يدورون) الدولاب حسب اتجاه الهواء، يبرم، فيه بامب (مضخة) تحته تسحب مي من البحر يعبوا البرك فوق. بعدين شافوا إنه فيه أيام يقطع جمعتين (أسبوعين) ما فيه هواء كثير، ما يؤدي لإنتاج المي اللي بدهن إياها، اللي عايزينها، فاستخدموا مواتير اللي بتشتغل على وقود، ع البنزين، ع الكهرباء ونسيوا أمر دواليب الهواء. هلأ نحن ها السنتين، هاديك السنة وها السنة، رجعنا شغلنا هون ثلاث دواليب الهواء اللي شايفينهن قدامنا وركبنا سولار سيستم (نظام طاقة شمسية، صرنا مثل ما بيقولوا إيكو فرندلي (أصدقاء للبيئة) 100 بالمئة يعني ما بحاجة إلى وقود ولا هم نصرف بنزين ولا كهرباء ولا شيء. كل شيء صرنا محافظة ع الطبيعة من سحب المي لإنتاج الملح يعني”.
وتستغرق عملية تبخير الماء من الأحواض 20 يوما، يظهر بعدها ملح كريستالي خشن يتم تجميعه وتعبئته في أكياس استعدادا لبيعه.
وأوضح عماد مالك ذلك قائلا “إذا عبينا بالملاحة تقريبا 20 سنتيمتر مي بدها تقريبيا 20 نهار تا تتبخر، تانشيل الملح يعني”.
وتبدأ عملية إنتاج الملح في يونيو حزيران وتستمر حتى سبتمبر أيلول، وتنتج أحواض مالك ما يقرب من 300 طن من الملح سنويا.
ويُستخدم الملح الخشن المنتج محليا بشكل أساسي في إنتاج المخللات وفي مصانع الجبن، كما يمكن استخدامه كملح طعام عادي، لكن منتجي الملح في الوقت الحاضر يواجهون منافسة كبيرة من المنتجات المستوردة الأرخص ثمنا.
وقال مالك، مشيرا إلى أكياس ملح يعبئها أمامه، “هيدا الملح اللي شايفينه قدامكن، هدا الملح الخشن، يستعمل هذا الملح أكتر شيء للكبيس (التخليل)، لمعامل الجبنة، وكمان فينا نطحنه ونستعمله ملح للأكل عادي”.
وأوضح مالك أن تكلفة إنتاج طن من الملح محليا تقدر بنحو 120 دولارا، بينما المستورد بنحو 30 دولارا.
وعن سبب تمسكه بهذه المهنة رغم كل ما فيها من عناء وعائد مادي غير مغر قال عماد مالك “من قبل قلنا لبيي (لأبي) أترك ها المصلحة، بس لأنه متعلقين فيها مثل ما بيقولوا ربيانين (نشأنا) بها البحر وها الملاحة، عم نجرب قد ما فينا لنحافظ ع التراث ونورثها لأولادنا إذا تجوزنا إذا الله أراد يعني”.