اليوم العالمي للغذاء 2022 يأتي وسط تحديات يُواجهُها العالم
- شكّلت روسيا وأوكرانيا سابقا ما يقرب من ثلث صادرات القمح العالمية
- تعتمد 50 دولة على روسيا وأوكرانيا في ما لا يقل عن 30% من وارداتها من القمح
يحتفل العالم في 16 أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للغذاء، بهدف تعميق الوعي العام بمعاناة الجياع وناقصي الأغذية في العالم.
إلا أن الاحتفال باليوم العالمي للغذاء مختلف هذا العام، حيث يعاني ما يقرب من 500 مليون شخص عربي من نقص في الغذاء أو جوع بعد مرور 8 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا.
قطع شريان طعام أساسي
أدت الحرب إلى تقليص الصادرات الغذائية من أوكرانيا وروسيا، وخاصة القمح والذرة وزيت عباد الشمس، مما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع وزيادة الطلب على المنتجات البديلة.
كما أدى خفض صادرات الأسمدة من البحر الأسود، إلى تغيير كمية وطبيعة المحاصيل المنتجة في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، مما أثر تصاعديًا على أسعار المواد الغذائية والأسمدة.
كما فرضت أكثر من عشرين دولة حظرًا على تصدير المواد الغذائية في محاولة للحد من تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية، على السكان المحليين، مع تقليل الإمدادات في الأسواق العالمية.
قبل الحرب، شكلت روسيا وأوكرانيا ما يقرب من ثلث صادرات القمح العالمية، وحوالي 20٪ من الذرة، و80٪ من زيت عباد الشمس، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تعتمد خمسون دولة على روسيا وأوكرانيا في ما لا يقل عن 30% من وارداتها من القمح، تشمل هذه البلدان لبنان ومصر وليبيا وعُمان والسعودية واليمن وتونس وإيران والأردن والمغرب.
تسبب هذا في وصول أسعار الغذاء لمستوى مرتفع قياسي، قدرته الأمم المتحدة بزيادة 34% في أبريل، بعد أن ارتفعت العقود الآجلة للقمح 30% بعد أقل من شهر من الحرب، ومن وقتها استمرت الأسعار في الزيادة شهريًا.
قال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لشبكة سي بي إس في مقابلة في إبريل: “لدينا الآن 45 مليون شخص في 38 دولة يطرقون باب المجاعة، وقد ترى زيادة عامة في أسعار المواد الغذائية، لنقل 38 إلى 40٪، ولكن في بعض الأماكن الصعبة للغاية، ستكون 100٪، 200٪ كما هو الحال في سوريا”.
ووفقا لتقرير لبرنامج الغذاء العالمي، فإن أكثر من 828 مليون شخص ينامون كل ليلة وهم جوعى، وقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد – من 135 مليونًا إلى 345 مليونًا – منذ عام 2019. وهناك حوالي 50 مليون شخص في 45 دولة على حافة المجاعة.
وعلى الرغم من شدة الاحتياجات، فقد وصلت الموارد إلى أدنى مستوياتها. ويحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 22.2 مليار دولار أمريكي للوصول إلى 152 مليون شخص في عام 2022. ومع ذلك، ومع تأثر الاقتصاد العالمي بجائحة كوفيد-19، أصبحت الفجوة بين الاحتياجات والتمويل أكبر من أي وقت مضى.
أغنية أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة عن أهمية التضامن
صعوبة الوصول لبدائل
في حين أن البلدان بحثت عن مصادر بديلة لوارداتها الغذائية، فإن التضخم العالمي المرتفع والقيود على الصادرات جعلت التحول مكلفًا، كما أن ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونقص الأسمدة، جعل الإنتاج الزراعي المحلي محدود للغاية.
بالإضافة لذلك، وبحسب تقرير لفاينانشال تايمز، قام المستثمرون الأجانب بسحب الأموال من الأسواق الناشئة في أول خمسة أشهر من الحرب، وهي الظاهرة هي الأطول في تاريخ سحب الأموال على الإطلاق.
بلغت قيمة الأموال التي سحبها المستثمرون الدوليين من أسهم الأسواق الناشئة والسندات المحلية 10.5 مليار دولار في يوليو، وفقًا لبيانات معهد التمويل الدولي، وبلغ مجموع السحوبات خلال الأشهر الخمسة الماضية أكثر من 38 مليار دولار، وهي أطول فترة سحب منذ بدء التسجيل في عام 2005م.
هذا السحب أثر على قدرة الدول العربية على شراء السلع بالأسعار العالية، فلجأ مصر لصندوق النقد الدولي لترتيب حزمة دعم جديدة، واستعانت بدول الخليج العربية، لتوفير السلع، وفي المقابل فشلت لبنان في ترتيب أمورها، مما جعلها تدخل في مرحلة شبه إفلاس للدولة، وفشلت تونس في تأمين العديد من السلع الرئيسية مما أدى لظهور نقص شديد فيها.
وفيما يلي عرض موجز لأبرز التأثير على دول المنطقة:
لبنان.. إفلاس وغلاء شديد
تراكمت الديون على الحكومة اللبنانية، وأصبح البنك المركزي غير قادر على الاستمرار في دعم العملة، خصوصا مع انخفاض التدفقات النقدية الأجنبية إلى البلاد، مما تسبب في أزمة في الغذاء والوقود والدواء.
أصبح غالبية اللبنانيين لا يأكلون اللحوم، ويقفون في طوابير طويلة للتزود بالوقود، ويتعرقون ليلاً في الصيف بسبب انقطاع الكهرباء، ويذاكرون ويتعلمون في الظلال نتيجة قلة أو انعدام الكهرباء.
اعتبر البنك الدولي أن الانهيار المالي في لبنان قد يكون من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وكان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اللبناني المحتضر.
تستورد لبنان 80% من واردات القمح من أوكرانيا، و15% من روسيا، وفقًا لأرقام الجمارك اللبنانية في 2020. بمجرد إعلان الحرب، خرج وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، ليعلن أن احتياطيات القمح في البلاد تكفي لشهر واحد فقط. ووقع أكثر من 80% من السكان في براثن الفقر.
انهارت قيمة الليرة اللبنانية أكثر، وفقدت العملة قوتها الشرائية، في وقت ارتفعت وتضاعفت فيه أسعار السلع، وعجزت البلاد عن الاستيراد نتيجة رفع الحرب لأسعار جميع السلع الغذائية، فارتفع التضخم في لبنان، بعد حوالي 3 أشهر من الحرب، 211% خلال شهر مايو 2022، مقارنة بمايو من العام الماضي 2021.
وارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك من 378.25 في مايو 2021 إلى 1177.99 في مايو من العام الحالي قياساًعلى سنة الأساس 2013، وارتفعت مجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بـ 363.7%.
مصر.. ضغط على الحكومة والشعب
تحاول مصر جاهدة منذ سنوات تحسين الوضع الاقتصادي، لكن الحرب جاءت في وقت صعب. في 13 يوليو، خرج رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، ليعلن للشعب المصري أن الحرب الروسية أثقلت الدولة بتبعات اقتصادية صعبة، وأن الدولة ستتحمل الأعباء التي تستطيع تحملها، وستترك جزءًا يتحمله المواطنين.
تستورد مصر 12-13 مليون طن قمح سنويًا، بنسبة 62% من إجمالي احتياجاتها من القمح. نحو 60% من الاستيراد مصدره روسيا وأوكرانيا، قبل الحرب، كانت الحكومة المصرية تنفق نحو 3.2 مليارات دولار سنويًا على واردات القمح، لكن الحرب قادت هذا الرقم إلى 5.7 مليار دولار.
بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، ولأن مصر تعتمد على استيراد الكثير من السلع، فقد ارتفعت فاتورة الاستيراد، مما دفع الجنيه للانخفاض نتيجة هبوط الاحتياطي النقدي من 40.98مليار دولار في يناير 2022، إلى حوالي 33.141 مليار دولار في أغسطس الماضي، وارتفع الدولار أمام الجنيه، حتى أصبح الدولار الواحد يساوي ما يقارب العشرين جنيهًا، بعد أن كان وقت الحرب يساوي 15.6 جنيه.
سار معدل التضخم في مصر في مسار تصاعدي من وقت إعلان الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى وصل إلى 15.3% في سبتمبر، وهو أعلى مستوى له منذ 4 أعوام ونصف، ومن المتوقع أن يواصل الزيادة حتى نهاية العام، وسط ارتفاع لكافة السلع الغذائية، وخصوصًا الزراعية واللحوم بسبب أسعار الأسمدة والأعلاف.
تونس.. رفع أسعار ونقص في السلع
بسبب ارتفاع الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا، قامت تونس برفع أسعار الوقود 4 مرات خلال هذا العام، كما رفعت سعر غاز الطهي لأول مرة منذ 12 عامًا، مع توقع أن يزيد عجز الموازنة إلى 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022.
في أول أشهر الحرب، ارتفعت تكاليف المواد الغذائية بنسبة 13%، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تتبعها في عام 1990، وبلغت تكلفة سلة السلع، بما في ذلك الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان 34% أكثر مما كانت عليه قبل عام واحد.
مع الأشهر التالية الحرب حدثت أزمة في الخبز المدعم في بعض المناطق التونسية، وأغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب عدم توافره، كما حدثت أزمة بسبب نقص السكر في البلاد.
وفقًا للبنك الدولي، فإن الحرب بين أوكرانيا وروسيا كان لها تداعيات على تكلفة المدخلات الزراعية للحبوب، مما أدى إلى انخفاض استخدامها وبالتالي انخفاض في الغلة والدخل، مما أضر بشدة بمعيشة المزارعين التونسيين.
فيديو ترويجي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بمناسبة يوم الأغذية العالمي 2022
اليمن.. زيادة المجاعة
يمر اليمن بحالة انعدام أمن غذائي من سنوات بسبب الحرب الأهلية، لكن تداعيات الأزمة الأوكرانية أدى لتفاقم الأزمة، حيث يستورد اليمن 40% من القمح من أوكرانيا وروسيا.
أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى اختفاء إمدادات القمح في الأسواق اليمنية، مما أدى إلى عدم قدرة العائلات – والنازحين على وجه الخصوص – على شراء احتياجاتهم من القمح والحبوب، بعد أن فرضت الحرب على أوكرانيا قيودًا كبيرة على إمدادات الحبوب.
أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية وصلت في بعض التقديرات 45%، وارتفعت أسعار القمح بنسبة 35٪ مقارنة بأسعارها في بداية الحرب، وارتفع سعر 50 كيلوغراماً من القمح من 29 ألف ريال يمني (22 دولاراً) قبل الحرب الأوكرانية الروسية إلى 41 ألف ريال يمني (31 دولاراً) بعد اندلاعها.
وبلغ سعر كيلو دقيق القمح في الجنوب أكثر من 800 ريال (حوالي 3.20 دولار أمريكي) مقابل 146 ريالا قبل الأزمة.
في 14 مارس، بعد ثلاثة أسابيع من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت اليونيسف أن “أزمة الجوع الشديدة بالفعل في اليمن تتأرجح على حافة كارثة صريحة”.
مع ارتفاع أسعار الغذاء في اليمن، أصبحت معظم العائلات تعيش على وجبة واحدة في اليوم، وحتى هذه الوجبة تحتاج كفاحًا شديدًا بسبب “ارتفاع الأسعار بشكل جنوني”، كما وصفته ياسمين فاروقي، كبيرة مستشاري السياسة في منظمة Mercy Corps الإنسانية.
قال جوردان تيج، المدير المؤقت لتحليل السياسات وبناء التحالفات للمجموعة الخيرية Bread for the World، إن 80٪ من سكان اليمن يعتمدون بالفعل على المساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن هذه المساعدات قلت بسبب ارتفاع التكاليف وتوجيه جزء من المساعدات لأوكرانيا المتضررة.
سوريا.. زيادة الفقر
لقد أثرت الحرب الروسية في أوكرانيا بشدة على سوريا، في وقت كان 60% من السكان (12.4 مليون سوري) في حالة من انعدام الأمن الغذائي، وخصوصًا بعد أن تسبب الغزو في قطع ما يصل من 30% من صادرات القمح العالمية، بالإضافة لزيادة أسعار السلع الغذائية.
كان 90% من سكان سوريا يعيشون في فقر، وكان ثلثاهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
تعرض برنامج الغذاء العالمي لضغوط بسبب فقدان الإمدادات، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة عدد الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء العالم، لذلك بداية من مايو 2022، خفض البرنامج المساعدات الغذائية المنقذة للحياة إلى حوالي 1.35 مليون شخص في شمال غرب سوريا.
تسبب الصراع في أوكرانيا في حدوث صدمة كبرى لأسواق المواد الغذائية، بعدما وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى مستويات قياسية، كما تسبب ارتفاع سعر الوقود في زيادة ارتفاع الأسعار، وفي حدوث أزمة لدى المزارعين الذين يعتمدون عليه لإدارة الآلات الزراعية.
زيادة أسعار هذه السلع كان لها آثار كبيرة على قدرة السوريين على تناول الطعام، حيث إن الضغط الإضافي للنزاع في أوكرانيا أثر على الاقتصاد السوري مما هدد بشكل أكبر قدرة السوريين على توفير الحد الأدنى من سبل العيش وإطعام أسرهم.
سجلت أسعار المواد الغذائية في سوريا، شهرًا بعد شهر، أعلى مستوياتها على الإطلاق، ويهدد ارتفاعها أكثر 12 مليون سوري يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي بالخطر، ويمكن أن يدفع 1.9 مليون سوري إضافي إلى انعدام الأمن الغذائي.
ماذا بعد؟
قال كمال علم، زميل بارز غير مقيم في المجلس الأطلسي لشبكة سي إن بي سي، إن التضخم والاقتصاد، أكثر من الحرية السياسية، هما المفتاح لاستقرار المنطقة.
وقال “حتى البائع الذي أحرق نفسه في تونس عام 2011 فعل ذلك بسبب السخط الاقتصادي، وليس الرئيس بن علي، لأن السبب الأول والأهم للاضطرابات في العالم العربي هو دائمًا الافتقار إلى الحراك الاقتصادي”.
يحذر بيزلي من الخريف، وهو الوقت الذي سيضرب فيه تأثير الحرب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حقًا، في أزمة يعتقد أنها قد تؤدي إلى هجرة جماعية.
حذر بيسلي في مقابلة مع بوليتيكو في مارس: ”إذا كنت تعتقد أن لدينا جحيمًا على الأرض الآن، فاستعد للقادم، إذا أهملنا شمال إفريقيا، فإن شمال إفريقيا قادم إلى أوروبا. إذا أهملنا الشرق الأوسط، فإن الشرق الأوسط قادم إلى أوروبا”.
اتفق توفيق رحيم، الزميل البارز في برنامج الأمن الدولي في مركز أبحاث نيو أمريكا، على أن الأسوأ ربما لم يأت بعد.
وقال رحيم لشبكة سي إن بي سي: ”في وقت يتزايد فيه التضخم، وزيادة أسعار السلع، واختناق سلسلة التوريد، قد تتعرض المنطقة الأوسع لصدمة اقتصادية غير مسبوقة، وسيفتح صندوق باندورا السياسي الجديد بسبب السخط الاقتصادي المتزايد وسنرى الحكومات تحت ضغط متزايد”.