ماهي تبعات أزمة المناخ على الشرق الأوسط؟
في الصيف الماضي أثارت العواصف الغبارية والرملية التي اجتاحت العديد من بلدان الشرق الأوسط الكثير من التساؤلات والكثير من الاستفسارات التي ظلت بدون إجابات في معظمها.
ومع أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المنطقة لمثل هذه العواصف الغبارية التي تعمي الأبصار وتسبب الكثير من الأمراض الفايروسية فقد نشطت معها بعض أفكار نظرية المؤامرة. وقد نشر البعض فيديوهات تصور ما يشبه الجرافات تقوم بنشر غبار بقوة هائلة من منطقة غرب العراق باتجاه بغداد.
بطبيعة الحال لا أحد يصدق هذه الخزعبلات فالعواصف الغبارية والرملية أمر يعود لاضطرابات مناخية تتعلق بالطقس وهي زادت في السنوات الأخيرة تبعا للتغيرات المناخية التي تطرأ في العالم وهذه الزيادة هي التي لم تكن معتادة. هذه العواصف الرملة والغبارية هي احدى مظاهر أزمة المناخ الظاهرة للعيان لكن المشكلات الأكبر التي ستنجم عن أزمة المناخ ما زالت غير ظاهرة ولن تكون فورية وإن كان بعض مظاهرها قد بدأت بالظهور.
الخطر الذي سينجم عن أزمة المناخ لا يتحدث عنه الكثيرون لأن العالم الآن مشغول بكثير من المسائل والقضايا التي تأخذ همه وانتباهه لكن هذا الخطر في الحقيقة يحتاج إلى الانتباه والاهتمام ربما بشكل أكبر من قضايا الوقت الراهن.
برغم كل الجهود الدولية لا تزال مشكلة أزمة المناخ في تصاعد وازدياد وضحاياها شعوب الدول النامية. ويحاول مؤتمر المناخ العالمي المنعقد في شرم الشيخ عبر التعاون على تنفيذ المقررات ذات الصلة أن يجعل العالم يكسب المعركة مع الطبيعة. وبات معروفا أنه خلال الخمسين سنة الماضية تراجعت مستويات الأمطار إلى النصف وتراجعت حصة الإنسان في الشرق الأوسط على سبيل المثال من المياه بنسبة ثمانين في المئة.
الأنهار آخذة بالجفاف والبحار بدأت تتناقص والقلق يزداد بشأن صعوبة توفير مصادر مياه في المستقبل. والخطر الداهم بسبب أزمة المناخ خطر وجودي يهدد حياة الإنسان وربما مصيره على الأرض. فالأخطار جدية ولا مهرب منها وأولها نقص الماء والغذاء الذي ينتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان جبال الجليد وتغير منسوب مياه البحار بالإضافة إلى التلوث فهل هناك ما يكفي من الوقت لاستدراك هذه المصائب؟ ما يراه العلماء أنه لا يوجد وقت يكفي لترى الأجيال الحالية نتيجة عمليات الإنقاذ المحتملة. فالخطر الأكبر الداهم الآن هو الجفاف ونقص المياه ونتيجة لهذا تزداد المخاوف من جائحة عطش وكارثة جوع تنال معظم شعوب العالم.
في الشرق الأوسط هناك سوء إدارة للأراضي وخصوصا الزراعية منها وهذه الأراضي في تقلص متواصل وزحف إسمنتي يتمثل في البناء العشوائي الذي يقضم الأراضي الزراعية. فالكثير من السدود أهملت وتركت لتجف كما جفت كثير من البحيرات الداخلية بفعل أزمة المناخ الذي تسبب في تراجع معدلات هطول الأمطار كما أن كثرة الحروب والصراعات في المنطقة تركت الأراضي الزراعية غير محمية ودفعت المزارعين إلى ترك أراضيهم الأمر الذي حولها إلى ضحية للجفاف مما سهل للرياح تحريك طبقتها العليا من الغبار التي أدت إلى كوارث.
كذلك فإن الاستجابة للتأثيرات السلبية الناجمة عن أزمة المناخ في المنطقة العربية ضعيفة ولا يبدو أن أقطار هذه المنطقة مستعدة بالشكل الصحيح. تشير أرقام البنك الدولي إلى أن التكلفة المالية للعواصف الرملية والغبارية في ازدياد مستمر خلال السنوات الماضية وقدرت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواحد وأربعين مليار دولار.
التأثيرات المباشرة والقريبة ستكون انتشار الجوع والعطش. فزيادة الجفاف وزحف الصحراء ونضوب الموارد المائية سيؤدي إلى ضعف المحاصيل الزراعية ونقص في إنتاج الغذاء وهذا يعني بالضرورة نقص الحصص الغذائية وخصوصا لدى الشعوب الفقيرة. وستكون الشعوب العربية من أكثر الشعوب تأثرا بذلك فهي في الأصل تعاني من ندرة الموارد الطبيعية الخاصة بالزراعة والمياه والجزء الأكبر من غذائها مستورد ومرهون بأيد خارجية. وقد كشفت حرب أوكرانيا مدى اعتمادية دول المنطقة على الخارج في تامين المواد الغذائية وحجم الورطة التي ستقع فيها هذه الدول في حال استمرت هذه الحرب زمنا أطول.
تحاول بعض الدول الغنية تحقيق الاكتفاء الذاتي للتخلص من أعباء استيراد الغذاء أو حتى لا تقع ضحية ظروف تجعل من الصعب توريد الغذاء إليها لكنها تصطدم بالظروف المناخية وقلة المياه وعدم رغبة كثير من السكان في العمل الزراعي. وقامت بعض هذه الدول بشراء أو استئجار أراضي في مناطق خصبة في بلاد أخرى لزراعتها وتأمين حاجاتها الغذائية منها. لكن من يضمن عدم تغير الظروف السياسية في تلك البلدان ليصبح من الصعب توريد نتاج تلك الأراضي لأصحابها في الدول البعيدة.
من المعروف أن المنطقة العربية وشمال أفريقيا تعتبر من ضمن المناطق الفقيرة جدا بالمياه وبالتالي في إنتاج المحاصيل الزراعية وتعتمد في غذائها على الاستيراد من الخارج. فأراضيها قاحلة وما تنتجه قليل لا يسد حاجة السكان وبالتالي ستكون هذه المنطقة الأكثر تعرضا لمخاطر الجفاف والانحباس الحراري. وستكون الخسائر الناجمة عن أزمة المناخ في هذه المنطقة هي الأكبر في العالم وستصل إلى حوالي 15 في المئة من حجم الناتج القومي الإجمالي فيها بحلول العام 2050.
تحتاج المنطقة لسنوات طويلة لكي تستطيع التكيف مع الظروف المستجدة الناجمة عن أزمة المناخ وخصوصا أن إيجاد بدائل سيكون أمرا صعبا للغاية خصوصا وأن الكثير من الدول مشغولة بالصراعات وتنفق الكثير من دخلها على التسلح بدلا من الإنفاق على تطوير الزراعة وتنميتها وتحفيز البحث العلمي وزيادة مخصصاته لزيادة إنتاج الغذاء وإيجاد مصادر بديلة لمواردها غير المتجددة.
يحتاج العالم إلى أفكار جديدة في مجالات الإنتاج والتوزيع والتخزين وتبادل الخبرات ولا بد من جعل الأولوية دعم الزراعة لإنقاذ ملايين الجوعى في العالم وتطوير تقنيات زيادة الإنتاج الزراعي. وهذا العالم لا يملك ترف الانتظار وعلى الدول التعاون معا للوصول إلى الحلول التي تضمن حماية الشعوب وتوفر لهم الحياة التي يستحقونها. والعالم بحاجة لأن يسابق الزمن للوصول إلى الحلول التي تحمي الكوكب من هذه التغيرات التي تعصف به وقد تؤدي إلى هلاك الحياة فيه إذا لم يتم التصدي لها بالشكل الصحيح وفي الوقت الصحيح.
التعويل الآن على التزام الدول بمقررات قمم المناخ وعدم التهاون في التنفيذ لأن جدية هذا الأمر تفوق جدية أي أمر آخر. ومن الواضح وجود تقصير في الاستعداد لمواجهة هذه المشكلة الوجودية وقد يأتي وقت على شعوب المنطقة يتوجب عليهم فيه مواجهة الأمر الواقع وهو واقع سيكون شديد المرارة وقد لا يمكن إصلاحه.