آلاف المفقودين في سوريا لم يتم الكشف عن مصيرهم
لا زالت قضية المعتقلين، والمخفيين قسرًا في السجون الغير رسمية المنتشرة على الجغرافية السوريا واحدة من أهم القضايا العالقة أمام تدوير الزوايا الحادة للأزمة السوريا.
ولم تجدي المناشدات الأممية والإدانات الدولية المهنية بهذا الملف في الكشف عن مصير آلاف المفقودين الذي يكتنفه الغموض.
وترتبط حالات الاختفاء بانتهاكات جسيمة كسوء المعاملة، والتعذيب، وغياب المحاكم الشرعية وابتزاز ذوي المعتقلين، وصولًا إلى إعدامات سرية ميدانية داخل السجون لطمس معالم الجريمة من قبل الجناة.
ويعتبر الاختفاء القسري جريمة حرب، جرمته المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية، والمحكمة الجنائية، والاتفاقية الدولية، لحماية ضحايا الاختفاء القسري.
وتقدر إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، اختفاء نحو 200 ألف شخص في سوريا، نصفهم مغيبين في سجون النظام السوري، وسط تباطؤ الجهود الدولية لتحريك ملف المعتقلين وفق عوائل المسجونين ممن تواصلت معهم أخبار الآن الذين فقدوا الأمل في معرفة مصير أحبتهم.
قضية المغيبين في سجون الحكومة السوريا ملف متداول بشكل دائم من قبل المنظمات الإنسانية المعنية بحقوق الإنسان، وفق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، الذي كشف عن مقتل سوريين من قبل أطراف الصراع قاطبة ومن ضمنها مرتزقة إيران، مشيرًا إلى إعدامات ميدانية طالت ثمانين ألف شخص على يد الحرس الثوري الإيراني في المعتقلات الخاصة بهم، والمنتشرة في العديد من المحافظات السوريا التي تسيطر عليها إيران.
وأكد عبدالرحمن خلال تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، توثيق المرصد لـ121 حالة اختفاء قسري خلال النصف الأول من 2022، إضافة لـ792 حالة اعتقال تعسفي من قوى مختلفة في سوريا، مشيرًا إلى 105 آلاف حالة وفاة في سجون النظام السوري وثق منها المرصد خمسين ألف حالة.
وفي ذات السياق، كشف مدير منظمة حقوق الإنسان في عفرين، “إبراهيم شيخو”، مقتل مواطن كردي يدعى “حسن على حسن “تحت التعذيب في سجون الحكومة السوريا في مدينة حلب، بعد اعتقاله قبل شهرين في أثناء انتقاله من عفرين إلى مدينة حلب بدواعي المرض.
وقال “شيخو” لأخبار الآن، إن “حسن على” اعتقل من قبل حاجز للنظام السوري الذي سلمه بدوره لفرع المخابرات الجوية بحلب.
وأضاف: “تحت التعذيب توفي حسن ولم تتمكن عائلته من تسلم جثته إلا بعد دفعهم مبلغ الف دولار للمتنفذين في الحكومة السوريا قبل أيام”.
(8700) في سجون الفصائل
بتهمة التعامل مع الإدارة الذاتية الكردية بين “إبراهيم شيخو”، تعرض المدنيين الكرد المتبقين في عفرين للاعتقال. والاختفاء والقتل والتعذيب، من قبل الفصائل السوريا المعارضة المسيطرة على مدينة عفرين منذ احتلالهم لها بدعم من تركيا في آذار 2018.
وكشف” شيخو” عن عدد المعتقلين الكرد لدى التكتلات السوريا المعارضة في عفرين، الذي بلغ 8700 مدني غالبيتهم من النساء والأطفال بينهم رضع، نقل أعداد كبيرة منهم إلى داخل تركيا.
الأمر الذي أكده رئيس منظمة كرد بلا حدود ” كادار بيري” لأخبار الآن مبينًا تولي الضباط الأتراك التحقيق مع المعتقلين الكرد سواء داخل الأراضي السوريا، أو بعد ترحيلهم إلى الأراضي التركية، وإخفائهم في معتقلات سرية، وبعضهم ما زال مغيبًا قسرًا دون ورود معلومات عنهم، وآخرين يتم إعادتهم إلى سجون الفصائل مرة أخرى ليتم إعدامهم بأوامر من أنقرة.
وأشار المسؤول الحقوقي “إبراهيم شيخو” إلى تحويل العديد من المدارس والمؤسسات المدنية لسجون، ومنها سجن الشرطة العسكرية الذي كان مدرسة التجارة سابقًا الواقع في حي عفرين الجديدة، فيما حولت أمنية الشامية مبنى المواصلات لمعتقل معراتة المركزي بفرعيه المدني والعسكري.
وقال: “كل فصيل لديه سجونه الخاصة في مناطق سيطرته، ناهيك عن السجون السرية المخفية، وأخرى رئيسية كسجن كفر جنة المركزي، وراجو، وأسود وشيخ حديد الذي يديره فصيل العمشات التركماني، وفي جنديرس يمتلك فصيل أحرار الشرقية سجنًا، فيما تدير الشرطة العسكرية عشرات السجون المنتشرة في كل بلدات وأرياف مدينة عفرين”.
وعن أبرز الفصائل السوريا التي ذاع صيتها في ارتكاب انتهاكات حرب في عفرين، وضح المسؤول الكردي أن فصيل سليمان شاه المعروف بالعمشات، وفصيل سلطان مراد، وفرقة الحمزة، وفيلق الشام، وأحرار الشرقية، والجبهة السامية هي أكثر المجموعات التي تتصدر المشهد الدموي بحق المدنيين، مبينًا أن علاقة قادتها تكون مباشرة مع الاستخبارات التركية التي يتلقون منها أوامرهم.
ووصف إبراهيم شيخو سجون (راجو وقرية ايسكا التابع لفيلق الشام ومارع والراعي) بزنزانات الموت الأكثر رعبًا في شمال غرب سوريا.
وقال: “تنتشر المقابر الجماعية حول هذه السجون تعود للمعتقلين الذين يدخلونها أحياء ويخرجون منها جثث هامدة، كما أن بعض الفصائل تدفن معتقليها من المدنيين في آبار مياه تحفرها في ساحة السجون لتخفي جثث الضحايا، خاصةً من النساء والأطفال الذين يتعرضون لاغتصابات جماعية، ومختلف أشكال التعذيب بذريعة تعاملهم أو أقاربهم سابقًا مع الإدارة الكردية، وهذه المعلومات حصلنا عليها من الناجين من تلك السجون ممن أفرج عنهم مقابل مبالغ خيالية وفروا لمنطقة الشهباء”.
وفي ذات السياق نوه رئيس منظمة كرد بلا حدود (كأدار بيري) حصولهم على كم هائل من المعلومات الموثقة عن المقابر الجماعية سواء في باحات سجون الفصائل السوريا المعارضة أو محيطها، أو في مناطق سرية محددة تعود للمخفيين قسرًا، وكذلك معلومات عن السجون والجرائم التي ارتكبوها بالأرقام بحق المدنيين الكرد المعتقلين لديهم.
خطف وتعذيب حتى الموت
وشرح مدير منظمة حقوق الإنسان في عفرين التوثيقية، قصة المحامي الكردي الذي قتل تحت التعذيب قبل أسبوعين، وقال: “خطف الحقوقي “لقمان حنان” من قريته حج قاسمو بريف عفرين، خلال أقل من ثلاثة أسابيع بعد وشاية من قبل أحد المستوطنين العسكريين في فرقة السلطان مراد واتهامه التعامل مع الإدارة الكردية بعد رفض لقمان التنازل عن ممتلكاته لصالح العنصر”.
وتابع: “صادرت الفرقة هاتف لقمان حنان النقال وجهاز المحمول الخاص به بعد اعتقاله من أمام منزله، ولم تكن المرة الأولى التي تعرض لها المحامي لقمان البالغ من العمر 45 عامًا للاعتقال، فقد خطف عدة مرات من قبل مسلحي سلطان مراد الذين أطلقوا سراحه مقابل فدى مالية “.
وتحدث” شيخو” عن توثيقهم مئات حالات القتل الوحشية بحق المختطفين سواء داخل السجون، أو بعد الإفراج عنهم مقابل مبالغ مالية قدرت بالاف الدولارات، والعديد من الضحايا كانوا كبار سن من الرجال والنساء قتلوا بأبشع الطرق بدافع السرقة والنهب، أو الاستيلاء على ممتلكاتهم من البيوت وحقول الزيتون.
وفي ذات السياق، أشارت “دانييلا القرعان “باحثة وأكاديمية أردنية في الشؤون السياسية، والقانونية، والدولية، إلى التقارير الأممية التي تناولت حوادث تعذيب، وعنف جنسي ضمن مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة التركية، والجماعات المسلحة المتحالفة معها، وقالت: “هناك ما يؤكد بضلوع قوات المعارضة السوريا في هذه الجرائم، التي ارتكبت سواء بالمداهمات أو بأماكن الاحتجاز كاستراتيجية للإذلال، وانتزاع الاعترافات، خاصةً ضد الأكراد على وجه الخصوص، وذكرت التقارير بعض فصائل كفصيل فرقة السلطان مراد التركماني الذي عكف على ممارسة كل أنواع الانتهاكات والتعذيب بحق السوريين، وغير السوريين الذين يقعون في قبضته ويودعون داخل سجنه السيئ السمعة على الحدود السوريا التركية، ، وتُقدّم له الحكومة التركية التمويل والتدريب العسكري والدعم الجوي أيضًا، وشارك الجيش التركي في احتلال غالبية المدن السوريا ومنها عفرين”.
وحول آلية التنسيق بين الجانبين التركي، والأوروبي حول ملف سجون الفصائل السوريا الموالية لأنقرة، بينت قرعان: “آن التعاون يدخل في إطار استخباراتي، وبالتالي الاكتفاء بالمعلومات التي تمررها السلطات التركية باعتبار تركيا – في نظر الغرب – دولة شبه حليفة لها في محاربة الإرهاب”.
(400) مختطف لدى داعش
بعد إعلان التحالف الدولي في آذار 2019 تدمير آخر معاقل تنظيم داعش على أعقاب بلدة الباغوز في وادي الفرات، لا زال آلاف الذين خطفهم التنظيم الجهادي مفقودين لغاية اليوم في مناطق سيطرة الحكومة السوريا، وقوات سوريا الديمقراطية، ومناطق الفصائل السوريا المعارضة، حسبما قالته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها حمل عنوان (ضحايا داعش المفقودين).
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن هناك مفقودين من عمال إغاثة، وصحفيين، ونشطاء سياسيين، بالإضافة لسكان المناطق التي سيطر عليها داعش منهم نساء وأطفال.
وخطف تنظيم داعش من مدينة كوباني ما يقارب ال 400 شخص منذ 2014 من بينهم زوج “مها أحمد” السيدة المتحدرة من مدينة “كوباني” الذي خطف مع قرابة 12 آخرين في السادس من شهر أيار 2014 في أثناء عودته من مدينة حلب.
لم تخفي مها لأخبار الآن فقدانها الأمل بعودة زوجها الذي انقطعت أخباره منذ اختطافه من قبل مسلحي داعش، الذين اقتادوه بحسب آخر الروايات التي حصلت عليها عنه إلى مدينة منبج التي كانت تحت سيطرة التنظيم آنذاك، ولا تدري ما إذا كان زوجها قد قتل أو نقل إلى أحد السجون في مناطق المعارضة السوريا، أو أنه لا زال على قيد الحياة.
فيما دعا الطبيب “أبو رودي” المنحدر هو أيضا من مدينة كوباني، المنظمات الإنسانية مواصلة البحث عن شقيقه عبدالعزيز مسلم المفقود في مدينة حلب منذ، 2013 يقول أبو رودي لأخبار الآن: ” أهالي المعتقلين المدنيين لدى داعش أطلقوا في كوباني حملة باسم “نريد معتقلينا”، ونظموا وقفات أمام القاعدة الأمريكية، وطالبوا التحالف الدولي والأمم المتحدة البحث عن المختطفين لدى داعش والكشف عن مصيرهم لكن دون جدوى”.
جهود خجولة
وفي سياق إجراءات البحث عن المعتقلين والمغيبين قسرًا لدى الحكومة السوريا منذ عام 2013، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريش” في أغسطس الماضي، إنشاء آلية موحدة تعزز جهود معالجة قضية آلاف المحتجزين، والمخفيين، وتقديم الدعم اللازم لعائلاتهم، واعتبرت دانييلا القرعان الأكاديمية الأردنية هذه الآلية مخرجًا أمام المجتمع الدولي للتهرب من مسؤولياته وليست حلًا لأهالي المفقودين.
وطرحت دانييلا حلولًا يمكن أن تجدي نفعًا، أولها: “الحل السياسي (لا نقصد التسويات والمصالحات) الذي لا يزال يراوح مكانه مع إمكانية تحفيز النظام والفصائل المعارضة، بمناقشة ملف قد يعني لها رفعًا تدريجيًا للعقوبات (خاصة عقوبات الاتحاد الأوروبي)، وتدفق المساعدات الدولية لإعادة البناء، ثانيها الوساطة السياسية التي للأسف هي دون الطموح، مع الاعتراف هنا بتأثير الدور الإيراني، والروسي والأوروبي، والخليجي، ثالثها اعتقاد البعض كورقة ضغط فاعلة بأن المحاكمات التي أجرتها وتجريها سلطات الاتحاد الأوروبي في المانيا، وكندا، وهولندا، وفرنسا والسويد، وغيرها لمجرمي النظام اللاجئين إليها يمكن التعويل عليها إعلاميًا في تناول هذا الملف من زاوية إنسانية بقوة أكثر، لكن يبقى الجهد الدولي خجولًا جدًا”.
وحول الأعداد الحقيقية للمعتقلين، والمخفيين قسرًا في سوريا، أكد كأدار بيري أن المنظمة لا تملك أرقام دقيقة بأعداد الغائبين، لأسباب يرجعها الحقوقي الكردي إلى غياب آلية توثيق الحالات بصورة منظمة، وقال: “حالات لا زالت غير معروفة ومجهولة وآخري تكتم عليها أسر الضحايا، خوفًا على حياة أبنائهم من قبل الخاطفين الذين كانوا يفرجون عنهم مقابل مبالغ مالية”.
توثيق جرائم داعش
رغم هزيمة تنظيم داعش وتشتت فلوله في الصحراء السوريا والعراقية، إلا أن مصير الالاف من ضحاياه لا يزال أيضًا غير معروفًا، وتسعى منظمات دولية مقرها الولايات المتحدة إلى توثيق جرائم هذا التنظيم خلال فترة ازدهاره، والتي اعتبرت جرائم حرب ضد الإنسانية، خاصةً بعد اكتشاف أكثر من ستة آلاف جثة في عشرات المقابر الجماعية التي سبق للتنظيم أن أقامها في شمال شرق سوريا، ويمثل العدد نصف العدد الإجمالي للأشخاص المفقودين لديه بحسب الإحصاءات.
هذا ووثق المركز السوري للعدالة والمساءلة في تقرير له أن التنظيم كان يستخدم 152 موقعًا منه 33 مركزًا في الرقة لوحدها، كان يستخدمه كمراكز احتجاز ومعسكرات تدريب، وسجون آمنة سرية (منها سجون للأطفال والنساء)، تم التوصل لهذه المعلومات من جناة كانوا على قيد الحياة في سجون قوات سوريا الديمقراطية أو شهادات الناجين والفارين والمنتمين سابقًا للتنظيم.
وتعتقد الأكاديمية الأردنية “دانييلا قرعان”، أن جهود البحث عن ضحايا داعش من المفقودين لم يتمخض عنها أية نتائج تذكر، وهي محصورة بجهود فردية من أهالي الضحايا، ولم تقم الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا بأية جهود لتناول ملف المفقودين هذا، باستثناء جهود انتشال الجثث التي شكلت نسبة مهمة من معرفة هوية معظم المفقودين.
ونوهت قرعان إلى أن الجهات المحلية القليلة التي عملت على قضايا المفقودين في شمال شرق سوريا، ركزت في المقام الأول على التوثيق والدعوة وعلى نطاق محدود للغاية على تدريب أصحاب المصلحة المعنيين، في حين تركز معظم المنظمات المعنية بالإبلاغ عن الأشخاص المفقودين في خارج سوريا.
وعليه ترى الباحثة في الشؤون الدولية، إن فرص توثيق المفقودين في الشمال السوري محدودة في الوقت الراهن، وأضافت “يقتصر الاهتمام الدولي على تمويل جهود اللجنة الدولية لشؤون المفقودين كالذي قدمته الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي”.
وبغض النظر عن الوضع السياسي في الشمال السوري، تمتلك الحكومة السوريا بحسب قرعان إطار قانوني ضعيف لا يوفر الحماية الملائمةّ للمفقودين أو أسرهم، وحتى إذا تعين على السلطات الاعتماد على الإطار القانوني للحكومة السوريا، فهو غير كافِ في معالجة الحقوق القانونية الأساسية، بما في ذلك الجهود الرامية إلى تحديد مكان وحماية أسر المفقودين.
آلية البحث والحل
وحول إجراءات المجتمع الدولي حيال ملف الاختفاء القسري في سوريا، أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى تشكل لجان بتمويل من الاتحاد الأوروبي للبحث عن المعتقلين والمختفين قسرًًا.
ومن جانبه، يترجم المحلل والصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية “طارق الشامي”، رؤية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحل بأنها تكمن في إنشاء كيان قائم بذاته أو آلية جديدة تابعة للأمم المتحدة، تركز بالكامل على توضيح مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين في سوريا، وذلك بالتوازي مع تعزيز الإجراءات القائمة.
ويعتقد الشامي في تصريحات خاصة لأخبار الآن، أن الدعم الغربي للجهود التي يبذلها المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان، والناجون وأسر المغيبين الذين يقودون مهمة البحث عن المفقودين، لا يبدو كافيًا بالنظر إلى المعاناة الهائلة لدى المتضررين والإحساس المتزايد بأن المجتمع الدولي عاجز عن تحقيق الحد الأدنى من متطلبات العدالة الدولية.
الفيتو الروسي والصيني
وبالنسبة للولايات المتحدة فإن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حددت منذ وصولها إلى السلطة أربع أولويات سياسية لها، من بينها كما يوضح الكاتب الصحفي طارق الشامي الضغط من أجل المساءلة، واحترام القانون الدولي مع تعزيز حقوق الإنسان، وفرض العقوبات المستهدفة.
ونوه الشامي إلى أن: “واشنطن أعلنت مرارًا أنها لن تعترف بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وأنها تعارض اعتراف الآخرين بذلك، وهو أمر متفق عليه من قبل دول الاتحاد الأوروبي، لكن المشكلة الرئيسة أمام اتخاذ خطوات إلى الأمام في ملف الانتهاكات الدموية التي ارتكبها النظام السوري أو الميليشيات التابعة له، هي الفيتو الذي تستخدمه روسيا والصين أمام أي محاولة في مجلس الأمن من أجل تفعيل القانون الدولي في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، والتي تعد جرائم ذات اختصاص قضائي عالمي”.
وقال: “على الرغم من أن عدة أطراف قدمت بلاغات موثقة إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالشأن السوري، بارتكاب جرائم من قبل الحكومة السوريا، وجماعات المعارضة السوريا، والجماعات المتطرفة، بما في ذلك الدولة الإسلامية، إلا أنه لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة ولايتها على أي دولة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي مثل سوريا، كما رفضت روسيا والصين توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل الوضع في سوريا، وإذا كان يحق لمجلس الأمن إنشاء محاكم جنائية مختصة مثل تلك الخاصة بيوغوسلافيا ورواندا، لكن يمكن لروسيا والصين أيضًا استخدام حق النقض ضد مثل هذه المقترحات”.
إفلات الجناة من العقاب
وعن أسباب إفلات مرتكبي جرائم الحرب من الفصائل السوريا المعارضة وداعش من المساءلة القانونية، يعتقد الصحفي طارق الشامي أن السبب في ذلك يعود إلى أن الصراع في سوريا لم ينته بعد.
وتابع قائلًا: “إذا كان الاتحاد الأوروبي يواصل المطالبة بإنهاء القمع، والإفراج عن المعتقلين، والتركيز على المختفين والمعتقلين في سجون النظام السوري، فهذا يعود إلى أن حكومة دمشق هي السبب الأساسي في الحرب وهي أكبر المنتهكين لحقوق الإنسان، أم الفصائل الموالية لتركيا أو المعارضة السوريا فقد يصعب ملاحقتها، فضلًا عن أن تركيا تستفيد من وجودهم كأداة موازنة ضد الهجمات المحتملة من النظام السوري في شمال غربي البلاد، بينما لم يغير الاتحاد الأوروبي سياسته ولا يزال ملتزمًا بوحدة وسيادة أراضي الدولة السوريا”.
واختتم الشامي حديثه لأخبار الآن بالقول: “إن فتح هذا الملف يمكن أن يضر بالمساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والإقليمية الأخرى، لآلاف المخيمات المنتشرة في الشمال السوري، ومع ذلك تظل هذه مبررات تخضع لحسابات سياسية ولعبة التوازنات في الحرب المستمرة منذ 12 عامًا تقريبًا، لكنها بالتأكيد لا تفي بمعايير النزاهة والعدالة التي يجب أن تطبق على الجميع من دون استثناء”.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن