التقارب مع الحوثي وتكفير الشرعية.. القاعدة تتأخذ مسلكًا جديدًا في اليمن
قد يصعب تحديد طبيعة العلاقة الحالية ما بين فرع تنظيم القاعدة في اليمن وبين ميليشيا الحوثي الموالية لإيران، لكن المؤكد هو أن هذه العلاقة – الملتبسة والمتحولة- لم تعد قائمة على العداء، وهي مع الوقت تذهب نحو مزيد من التنسيق والتعاون العملياتي.. ومؤخراً والأيديولوجي.
ومع نهاية 2021 أخذ التنسيق بين تنظيم القاعدة وميليشيات الحوثي طابعًا تكتيكيًا اقتصر على تبادل المعلومات و خفض التصعيد الميداني المتبادل مع تركيز الطرفين على الخصوم المشتركين، لكن وفي منتصف العام الماضي ظهر إلى العلن تطور نوعي في طبيعة التنسيق الثنائي بين الطرفين، وامتدت أوجه التعاون لتشمل مجال تبادل الأسلحة والخبرات.
وبحسب مصدر جهادي رفيع “فإن الحوثيين ساعدوا التنظيم في تطوير صناعة العبوات الناسفة، وكان لهذا أثرًا كبيرًا على نجاح أغلب العمليات التي نفذها التنظيم في محافظة أبين”.
وأضاف المصدر بأن نسبة الخطأ تكاد تكون معدومة في عمليات الاستهداف التي تتم بالعبوات الناسفة المصنوعة وفق نموذج الخبرة الحوثية.
ولم يوضح المصدر ما إذا كانت ميليشيات الحوثي هي من تقوم بصناعة العبوات الناسفة وتسليمها لعناصر تنظيم القاعدة، أو أنه تم إرسال عناصر من التنظيم إلى ميليشيات الحوثي لتدريبها على صناعة العبوات، ولكن الأكيد أن تنظيم القاعدة بات يقاتل قوات الحكومة اليمنية بسلاح ميليشيات الحوثي.
غير أن هذا التغير التسليحي في أداء القاعدة، وكذلك تبدل بنك أهدافها بحيث أصبح مقتصرًا على القوات الحكومية قد فاقم من مشاكلها الداخلية والتي ظلت تتراكم بنسق تصاعدي طيلة العام المنصرم، وقد بدأت الأصوات الجهادية المعارضة للنهج العملياتي الجديد للتنظيم ترتفع، وبالتوازي مع ذلك ازدادت حدة الخلافات ما بين قيادة تنظيم القاعدة وما بين القبائل اليمنية لاسيما في محافظتي أبين وشبوة.
أزمة التنظيم مع الحواضن القبلية انفجرت على وقع قضيتين حاسمتين : أولاً قيام التنظيم بعمليات الاختطاف المتكررة والتي استهدفت الموظفين الأمميين وهو ما أساء إلى سمعة القبائل المحلية وحرمها من العمل الإنساني والإغاثي الشحيح الذي كان يقدم لها، وثانيا تزايد العمليات الإرهابية بحق القوات الحكومية في محافظتي أبين وشبوة والتي ينتمي أغلب مجنديها إلى أبناء هذه القبائل المحلية، وبالتالي بروز مشكلة جديدة قائمة على الدم والثأر ما بين أبناء القبائل وأهالي المجندين من جهة وما بين تنظيم القاعدة من جهة أخرى.
وخلال العام الماضي وجه التنظيم رسائل متباينة إلى القبائل اليمنية، في البداية اتخذ لهجة التهديد ضد القبائل التي هي مساندة للقوات الحكومية في محافظتي أبين وشبوة، لكن هذه اللغة أحدثت مزيدًا من الرفض الشعبي لعميات تنظيم القاعدة، وهو ما دفع قيادته إلى تغيير نبرتها وتقديم رسائل جديدة للتودد إلى القبائل ومحاولة تحييد القبائل عن الصراع مع الحكومة، وقد جاء ذلك في عدة إصدارات نشرها التنظيم في العام الماضي تحت عنوان “رسالة إلى أهل قبائل السنة، رسالة إلى أهل اليمن، ورساله إلى أهلنا في شبوة”، وبخلاف توقعات القاعدة فإن القبائل اليمنية أظهرت دعمًا أكبر للحملات العسكرية والأمنية التي استهدفت معاقل التنظيم في محافظتي أبين وشبوة خلال العام المنصرم.
بيان اللجنة الشرعية محاولة أخيرة للتكيف:
في مطلع يناير الجاري قرر التنظيم تقديم خطاب مختلف يستهدف به بدرجة أساسية قياداته المعترضة و الحاضنة القبلية في مناطق انتشاره، وجاء ذلك من خلال بيان اللجنة الشرعية الذي أكد دومًا كفر الحكومة الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي، وأحل دماء جميع من يقوم بالتعاون معها سياسياً وعسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، بل أكثر من ذلك قرر بيان التنظيم أن يشمل هذه المرة الصحفيين والكتاب الذي يعارضون الجماعات الجهادية ويؤيدون جهود أجهزة الدولة في مكافحة الإرهاب.
ولعلها المرة الأولى التي يقدم فيها تنظيم القاعدة هذا المستوى العالي من الخطاب التكفيري الذي شمل الحكومات العربية وكذلك شعوبها، واللافت أن هذا العداء الأيديولوجي الحاد ضد الحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي اليمني ودول التحالف العربي، لم يقابله أي إشارة إلى سلوك جماعة الحوثي أو النظام الإيراني الذي مازال إسلامياً بنظر تنظيم القاعدة.
وقد كان ملاحظًا كيف أن تنظيم القاعدة في العام 2020 قد وجه خطابا أقل حده ضد الحكومة الشرعية محاولا تحيدها عن خصومه المتمثلين في جنوب اليمن، لكن اليوم وبعد توحيد صفوف المعسكر المناهض للحوثي فإن التنظيم لم يعد بحاجة إلى التميز التكتيكي الذي كان يمارسه إزاء خصوم الحوثي، وانقلبت اليوم المعادلة بحيث تم تحيد الحوثي عن قاعدة التكفير و إدخال كافة خصومه في نطاقها.