الليبيون في رمضان “يملأون أنفسهم” بالقهوة بعد الإفطار
- غرفة طوارئ ليبية لمتابعة توفر السلع الغذائية وأسعارها خلال الشهر الكريم
- السوق الليبي يشهد تخبطًا في القرارات والقوانين جراء الانقسامات والفوضى التي تعانيها البلاد منذ أكثر من عقد
يولي الشعب الليبي، كجيرانه الإيطاليين، أهمية كبيرة للقهوة، ويتعامل الناس في البلد العربي الوحيد الذي استعمرته إيطاليا، بجدية فائقة مع الإسبرسو وأخواتِها، ولكن ومع اقتراب شهر رمضان، يستعد الصائمون لحرمان أنفسهم من مشروبهم المفضل خلال النهار. بالتزامن مع ارتفاع الأسعار والتخبط في القرارات والقوانين جراء الانقسامات والفوضى التي تعانيها البلاد منذ أكثر من عقد.
في وسط طرابلس العاصمة، يجتمع الرجال خلال شهر الصوم أمام عدد لا يحصى من المقاهي، غالبًا ما تكون أكشاكاً صغيرة جدًا مجهزة بآلات تحضير القهوة متطورة للغاية وإيطالية المنشأ.
يعود تقليد القهوة في ليبيا إلى القرن الخامس عشر. إذ كانت ممراً أساسياً لنقل حبوب البن التي تُزرع في اليمن من شبه الجزيرة العربية إلى أوروبا. ومن ثم اعتمد الليبيون الإسبريسو الشهير تحت تأثير الإيطاليين الذين حلوا محل العثمانيين عام 1911، بالإضافة إلى القهوة التركية التي أطلقوا عليها اسم “القهوة العربية”.
تنوع إيطالي
ويشرح محمد الزرقاني بينما يقوم موظفوه بصب السائل الأسود الفوّاح الرائحة في أكواب من الورق المقوى أن “الجيل الأكبر سناً لا يزال متمكساً بالقهوة العربية، لكن الشباب يطلبون غالباً قهوة إسبريسو أو ماكياتو”.
ويقول صاحب المقهى الشاب إن “الليبيون يحرصون على شرب قهوتهم حتى في خضم الحرب”، في إشارة إلى العنف المسلح الذي هز البلاد منذ سقوط الديكتاتور معمر القذافي عام 2011.
في طرابلس التي استؤنفت الحياة فيها وامتلأت مقاهيها، يجتمع الليبيون حول طاولات بار على شرفات المقاهي أو على امتداد الرصيف، يرتشفون “طاسةً” (كوباً) من القهوة بأقل من دولار واحد، ويتبادلون أحاديث عن يومياتهم أو تعليقات على الفوضى السياسية.
تزخر قوائم المشروبات الساخنة بتشكيلة واسعة من الأنواع الإيطالية، من الإسبريسو، إلى الأفوغاتو، مروراً بالأميركانو.
على شرفة مقهى آخر في المدينة، يتجاذب رجال من كل الأعمار أطراف الحديث بهدوء أثناء تناول القهوة، ومنهم عبد الباسط حمزة الذي ترك متجره لبيع الحقائب كي يتسنى له أن يأتي ويشرب القهوة عصراً.
أمسيات الكافيين
ويقول الرجل ذو اللحية البيضاء البالغ 63 عامًا، وهو يمسك كوب قهوة لاتيه “لا يوجد شيء نشربه أكثر من القهوة”.
ويضيف التاجر “لا تجد قهوة بهذه الجودة مصنوعة بهذه الطريقة بمثل هذه الآلات” في البلدان المجاورة. ويحرص الرجل أيضاً على أن يشرب “كل صباح” النسخة التركية العربية من مشروبه المفضل.
لذلك يقول: “خلال رمضان، نفكر طوال اليوم في القهوة التي سنشربها”.
وعقب صلاة المغرب مباشرة، يُقبِل بحماسة على شرب القهوة، ولو أنه يؤكد أنه قلل من استهلاكه لأسباب صحية.
أما علي الخوجة (24 عامًا) الذي يواظب على شرب القهوة منذ مرحلة المراهقة، فيستعد هو الآخر لحرمان نفسه من القهوة خلال رمضان.
لكنّ شهر الصوم فرصة أيضاً للتجمع حول الرائحة الآسرة لهذا المشروب.
ويشير هذا الشاب المقيم في ضواحي طرابلس، إلى أن “القهوة حاضرة على كل موائد الإفطار”.
ويختم علي حديثه مبتسماً “نقضي المساء بعد الإفطار في شرب القهوة، نشربها في الخارج مع الأصدقاء” في ليالي رمضان الطويلة، التي تحمل في ليبيا أجواء دافئة بين مختلف مكوناتها الاجتماعية.
ارتفاع الأسعار بين حكومتين
رغم أن كوب القهوة في ليبيا يبلغ سعره نحو دولار واحد، إلا أن سعر هذا الدولار نفسه محل جدل، إذ أن تقلبات أسعار الصرف خفضت من القدرة الشرائية للدينار الليبي، بالتزامن مع قرارات لحكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المشكلة من البرلمان الليبي والتي يقودها فتحي باشاغا، ولذلك يرى عدد من الخبراء، ضرورة إعادة النظر في سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي.
الأمر الذي استبعده تماماً الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي في المدى المنظور، في تصريحاته خلال الملتقى الأول لرجال الأعمال الليبيين بمدينة زليتن شرق طرابلس، الذي أقيم منذ أسبوعين.
وقبل حلول شهر رمضان، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة قراراً بتشكيل غرفة طوارئ لمتابعة توفر السلع الغذائية وأسعارها خلال الشهر الكريم، برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج.
ويشرف الحويج على اجتماعات دورية للغرفة بهدف متابعة توفر السلع الأساسية وضبط أسعارها وتقديم تقارير أسبوعية لرئيس الحكومة، حسب ما نشرته منصة “حكومتنا” الرسمية على فيسبوك.
عضو غرفة التجارة والصناعة مروان سليمان، يري بحسب تصريحات صحفية، أن قرار تشكيل غرفة طوارئ لن يغير شيئا على أرض الواقع، ولن يستطيع فرض أي قيود حقيقية على التجار بسبب عشوائية السوق الليبي الذي يشهد تخبطا في القرارات والقوانين جراء الانقسامات والفوضى التي تعانيها البلاد منذ أكثر من عقد. مشيراً إلى أن “ليبيا دولة مستهلكة تعتمد أساسا على الاستيراد من الخارج، ومن الطبيعي أن تتأثر بما يحدث في المنطقة من موجة غلاء وتضخم عالمي”.
وفي يناير 2023 طالب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، خلال اجتماع مع مراقبي الاقتصاد والتجارة بمدينة سرت، وضع آلية لدعم المواطنين للاستعداد لشهر رمضان.
استمرار الانقسام السياسي الذي تشهده الساحة الليبية، لم ينعكس على ارتفاع الأسعار فقط، ولا تعد تلك العائق الوحيد أمام الشباب في ليبيا، إذ شغلت أزمة البنزين التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس والعديد من مناطق البلاد، المواطنين عن التبضع قبل بدء شهر رمضان، إذ يمضي كثيرون ساعات طويلة في البحث عن محطة يتوفر فيها الوقود، بينما تنكر شركة البريقة الحكومية المسؤولة عن تسويق النفط عدم وجود أزمة.