العراق يعيش العديد من الأزمات بعد سقوط نظام صدام حسين منذ عام 2003
بينما هدأت وطأت الصراعات الطائفية وإراقة الدماء، التي سيطرت على يوميات العراقيين لأكثر من عقدين، بعد سقوط نظام الرئيس السابق، صدام حسين عام 2003، لا يزال مصير آلاف الأشخاص غير معروف.
ففي تقرير أعدته وكالة أسوشيتد برس حول الاختفاء القسري بالعراق، رصدت شهادات لعائلات لا تزال تبحث عن أحبائها، من بين عشرات الآلاف ممن لم يظهروا منذ بدء أعمال العنف في البلاد.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها تلقت 43293 حالة لأشخاص اختفوا منذ عام 2003.
ومن بين هؤلاء، ما زال هناك أكثر من 26700 حالة دون أي جديد.
وهذه الأرقام أكثر بكثير مما تقدره الحكومة العراقية، التي تقول إن نحو 16 ألف عراقي فقدوا.
في الوقت الذي تحاول طي صفحة ماضي البلاد المضطرب، لم تعمد الحكومة العراقية لإنشاء لجنة للتحقيق في ملف المفقودين،
كما قال مدافعون عن حقوق الإنسان للوكالة “لأن هناك سياسيين مرتبطين مع جماعات مسلحة متورطة في عمليات الخطف والقتل” وفق تعبير أسوشيتد برس.
نوال سويدان، سيدة عراقية، من مدينة المحمودية، فقدت ابنها صفاء منذ قرابة عشر سنوات، حيث اقتادته ميليشيات مسلحة، إلى وجهة غير معروفة، ومنذ ذلك الحين لم تعرف مصيره.
وكان صفاء، في العشرينيات من عمره وقتها، حيث كان طالبا بالقانون إلى جانب عمله ساعيا للبريد.
اختفى هذا الشاب في أواخر يوليو 2014، تقول سويدان، وكان ذلك في حدود الساعة 1:30 صباحًا، قبل أيام فقط من انقضاء شهر رمضان.
تقول سويدان “جاءت مجموعة من الرجال وطلبوا صفاء.. قالوا لنا إنهم يريدون فقط استجوابه وسيعيدونه قريبا”.
وتقع المحمودية على طول الطريق الرئيسي الذي يسلكه الحجاج الشيعة للوصول إلى مدينة كربلاء، وهي مدينة مختلطة من السنة والشيعة.
يقول السكان إنهم كانوا متعايشين قبل أن يسقط نظام صدام عام 2003.
لكن، وبعد ذلك العام، أصبحت المنطقة جزءا من “مثلث الموت” سيئ السمعة حيث استهدفت الجماعات السنية والشيعية المتطرفة بعضها البعض.
خريطة لمدينة المحمودية العراقية
كانت الهجمات المتبادلة بين الطائفتين وحشية، بينما هاجم مسلحو تنظيم القاعدة السنة، القوات الأمريكية أكثر من مرة.
وتنتمي عائلة صفاء إلى الطائفة السنية، وبينما لم تعلق سويدان على انتماء خاطفي ابنها، قالت إحدى أقاربها إنها تعتقد أنهم كانوا من الميليشيات الشيعية.
ولسنوات عديدة، بحثت سويدان عن ابنها بسجون العديد من المدن وتحدثت إلى المسؤولين.
وكلما وردت أنباء عن إطلاق سراح سجناء، كانت تنتقل إلى السجون لمعرفة ما إذا كان ابنها من بين الذين أفرج عنهم.
تقول وهي تكافح لكبح دموعها: “نظرت في كل مكان، لم يكن هناك”. ثم تابعت “توقفت عن البحث.. لقد قررت ترك الأمر بيد الله”.
نضال علي، سيدة شيعية جارة عائلة سويدان، تواجه نفس الألم، حيث اختطف ابنها عمار في نفس الوقت تقريبا، الذي اختطف فيه صفاء.
قالت علي وهي تحمل صورة ابنها: “أخذوه وقالوا إنه سيعود في غضون خمس دقائق، لكنه لم يفعل”
تقول علي إن خاطفي ابنها كانوا من المتطرفين السنة، قبل أن تردف “أخذوا ستة أشخاص من منطقتنا، كانوا جميعًا من الشباب والفقراء”.
وكما فعلت نوال سويدان، قامت نضال علي هي الأخرى بالبحث عن ابنها في السجون والبلدات المجاورة وفي جميع أنحاء البلاد،
ودفعت مالا لكل من ادعى أنه يستطيع الحصول على معلومات حول ابنها، لكن دون جدوى.
كان عمار يبلغ من العمر 40 عاما تقريبا عندما اختُطف تاركا وراءه زوجته وأطفاله الخمسة. كان ابنه الأصغر، محمد، طفلا صغيرا في ذلك الوقت، والآن يبلغ 11 عاما.
وكالة أسوشيتد برس نقلت عن الباحث في شؤون العراق بمنظمة العفو الدولية الدولية، راز سلاي، قوله إن أرقام اللجنة الدولية تشمل المزيد من فئات المفقودين ومن المرجح أن تكون أكثر دقة من أرقام الحكومة.
ولا يشمل أي من التقديرين المفقودين من صراعات ما قبل عام 2003، ولا أولئك الذين اختفوا في سجون صدام.
تواصل اللجنة الدولية ومقرها جنيف تلقي طلبات كل عام من العائلات التي تطلب المساعدة في العثور على معلومات حول أقاربها المفقودين.
وفي عام 2022، تلقت ما يقرب من 1500 طلب جديد.
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية في بغداد، سارة الزوقري: “ربما يكون هذا مجرد غيض من فيض ولا يمثل الأعداد الحقيقية للمفقودين”.
من جانبه، عاد سلاي، ليقول إن افتقار الحكومة العراقية للمبادرة تجاه المفقودين ليس مفاجئا، بالنظر إلى صلات أحزاب سياسية بميليشيات متهمة بعمليات الخطف والعنف المتبادل على مر السنين.
وتساءل “كيف يمكن لحكومة تسمح لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالترشح أن تحاسب نفسها؟”.
وقال مسؤول في وزارة العدل العراقية، لوكالة أسوشيتد برس دون الكشف عن هويته، إن التوترات السياسية والحساسيات الطائفية تشكل عقبات أمام أي تحقيق حكومي في ملف المفقودين.
من جانبهم قال أقارب المفقودين، ومن ضمنهم نوال سويدان، إن أحباءهم قد يكونون من بين الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين تم اعتقالهم ردا على أعمال عنف طائفية ومتشددة.
وكشفوا أملهم في الحصول على إجابات إذا منحت الحكومة عفوا لمن احتجزوا منذ فترة طويلة دون تهمة أو دليل “لكن السلطات لم تكن متعاونة” تقول الوكالة.
في الصدد، قالت الزوقري من الصليب الأحمر إنه يتم العثور على مقابر جماعية بانتظام، لكن التعرف على الرفات قد يستغرق سنوات، وتابعت “كلما مر الوقت، أصبح البحث أكثر صعوبة”.